الحرب في غزة.. مادا يفعل يهود تركيا!
حسني محلي*
مع استمرار تدفق البترول الأذربيجاني إلى الكيان الصهيوني عبر ميناء جيهان التركي، جنوبي البلاد، فوجئ الشارع التركي بخبر صحيفة "تركيا"، وجاء فيه أن "نحو أربعة آلاف من يهود تركيا يقاتلون في غزة، وهم شركاء في مجازر الإبادة الجماعية والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني".
وذكّرت الصحيفة بهجرة اليهود من تركيا إلى الكيان الصهيوني في فترات متعددة بعد قيام "إسرائيل"، وقدرت "عدد الجالية التركية اليهودية هناك بنحو 250 ألفاً، بينما أن عدد الذين يحملون الجنسيتين التركية والصهيونية من اليهود المقيمين بتركيا الآن يصل إلى عشرين ألفاً، ومعظمهم خدم في "الجيش" الصهيوني بعد إعفائهم من الخدمة الإلزامية في تركيا".
وقالت الصحيفة "إن معظم هؤلاء يحملون جوازات سفر تركية وصهيونية، وإن 400 من هؤلاء ذهبوا إلى غزة بعد الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر وقُتل 65 منهم، وأًصيب 165 منهم بجروح متعددة".
وأشارت الصحيفة إلى نشاط الجمعيات اليهودية والصهيونية، ومنها شابات وجمعية يهود تركيا. وقالت إنها تعمل بصورة نشطة بين اليهود، الذين يعيشون في تركيا، وأقربائهم، الذين سبق لهم أن هاجروا إلى "إسرائيل"، حيث يخدمون في جميع مؤسسات "الدولة"، وأهمها "الجيش"، بحيث إن عدداً مهم من ضباط الجيش الصهيوني من يهود تركيا، ومنهم قائد نظام القبة الحديدية".
الصحيفة، التي سبق لها أن نشرت معلومات مفصله عن نشاط اليهود من الأصل التركي في الشطر الشمالي من قبرص، وقالت عنهم إنهم يشترون مساحات واسعة من الأراضي ويقيمون فيها مستوطنات يهودية تحت غطاء السياحة، ناشدت الحكومة التركية اتخاذ الإجراءات العاجلة ضد كل من غادر إلى "إسرائيل"، وساهم في قتل الشعب الفلسطيني.
أخبار الصحيفة أعادت إلى الأذهان المعلومات التاريخية بشأن علاقة اليهود بتركيا والأتراك منذ قيام الدولة العثمانية، قبل نحو ألف عام، وخصوصاً بعد فتح القسطنطينية من جانب السلطان محمد الفاتح في عام ١٤٥٣، بحيث كان في المدينة البيزنطية جالية يهودية سمح لها محمد الفاتح بالاستمرار في عباداتها وفعالياتها. ويتحدث التاريخ لاحقاً عن علاقة معظم السلاطين العثمانيين، وعددهم 36، باليهود الذين كان لهم دائماً مكانة خاصة في القصر العثماني، بسبب إمكاناتهم المالية المدعومة من الأثرياء اليهود في أوروبا.
وكانت والدة السلطان سليمان القانوني من يهود بولندا، وأدّت دوراً في تلبية الطموحات والمطالب للمقرّبين إليها، وفي مقدمتهم ياسيف ناسي، المستشار المالي للسلطان. وهذه هي الحال بالنسبة إلى أم كل من السلطان سليم الثاني (يهودية روسية) ومراد الثالث (يهودية أوكرانية) والسلطان مصطفى الثاني (يهودية إسبانية) والسلطان أحمد الثاني (يهودية من النمسا) والسلطان عبد المجيد (يهودية روسية)، وهو الـ 31 بين 36 سلطاناً حكموا الدولة العثمانية باسم الأتراك. وقال عدد من المؤرخين وعلماء الجينيات إن من الصعب أن يقال عن العائلة العثمانية إنها تركية، لأن أمهات 35 من السلاطين العثمانيين لسن تركيات، بل من جنسيات متعددة، منها بلغارية وروسية وصربية وفرنسية ويونانية وأرمنية وإيطالية وإنكليزية وجورجية وغيرها.
وربما لهذا السبب كان لليهود دائماً مكانة مرموقة في قصور السلاطين العثمانيين، وخصوصاً بدءاً من عهد السلطان سليمان القانوني عام 1550، وانتهاءً بعبد الحميد، الذي قيل إنه لم يمنح فلسطين للصهاينة، إلا أنه منحهم كثيراً من الامتيازات في فلسطين، بدءاً من عام 1890، بحيث كان لليهود جالية كبيرة في جميع أراضي الدولة العثمانية.
ومعظم هؤلاء اليهود من أصول إسبانية وبرتغالية، بحيث قام عدد من السلاطين، وآخرهم السلطان بيازيد، بنقلهم إلى هذه الأراضي. وأبرم بيازيد عام 1490 صفقة مع الملك الإسباني فرديناند، الذي هدده بتشكيل جيش صليبي مع المرتزقة بقيادة شقيقه الأمير جام، الذي كان رهينة في يد الملك الفرنسي تشارلز الثامن، بالتنسيق مع بابا الفاتيكان إينوسانتيوس. وكان بيازيد يدفع إلى الملك الفرنسي 200 ألف ليرة ذهبية سنوياً حتى لا يسمح له بمغادرة فرنسا إلى إسطنبول.
وكان بيازيد أمر أسطوله البحري، بقيادة بربروس وأشقائه، بنقل اليهود من إسبانيا خلال سقوط دولة الأندلس الإسلامية عام 1490-1492 وأسكنهم في إسطنبول وإزمير وحلب وإسكندرون وسالونيكي (كما تم نقل الكثيرين إلى المغرب) والتي كان اليهود يشكلون 80% من سكانها في عام 1900، وأدوا دوراً مهماً في أواخر الحكم العثماني من خلال تأسيس حزب الاتحاد والترقي وإيصاله إلى السلطة بعد إطاحة السلطان عبد الحميد ونفيه إلى سالونيكي.
وكان معظم قيادات الاتحاد والترقي وحركة تركيا الفتاة من اليهود واليهود الدونما، الذين تمت تسميتهم هكذا بعد أن تخلوا عن ديانتهم في عام 1675، بعد أن فعل ذلك زعيمهم الديني ساباتاي سيفي. وكان سيفي أعلن نبوّته في مدينة إزمير عام 1656، وزار مصر وفلسطين واليونان، إلى أن أمر السلطان محمد الرابع بقطع رأسه إذا لم يعتنق الإسلام. وهذا ما فعله سيفي علناً، بينما استمر على دينه خفية، وفق المعلومات التاريخية. وسُمِّي لذلك وأتباعه باليهود الدونما، أي الذين تخلوا عن دينهم وبقي لهم دائماً تأثير في الحياة في تركيا، سياسياً واقتصادياً.
ربما بسبب كل ذلك، كانت تركيا الدولة الإسلامية الأولى التي اعترفت بالكيان الصهيوني، بعد "قيامه" عام 1948، كما كان بن غوريون رئيس الوزراء الصهيوني الأول الذي زار تركيا المسلمة سراً عام 1958، للتنسيق والتعاون مع رئيس الوزراء عدنان مندرس ضد التيار القومي العربي الناصري، بعد تشكيل حلف بغداد (1955) مع العراق وبريطانيا وإيران وباكستان، وقبل ذلك انضمام تركيا إلى الحلف الأطلسي عام 1952، بحيث تحولت تركيا بعد ذلك إلى مخفر متقدم للدفاع عن الإسلام ضد "الخطر الشيوعي". وحافظت كل الحكومات التركية، منذ قيام الكيان الصهيوني، على علاقاتها بـ"تل أبيب".
وقيل دائماً إن الهدف من ذلك هو ضمان دعم منظمات اللوبي اليهودي لهذه الحكومات، في كل الأصعدة أولاً، للوصول إلى السلطة والبقاء فيها، وثانياً لمساعدتها على حل مشاكل البلاد الاقتصادية في مقابل تلبية بعض شروطها، وأهمها التنسيق والتعاون مع "إسرائيل" عبر يهود تركيا. وكان وما زال لكثيرين منهم دور ما في ضمان المصلحة العليا للعقيدة الصهيونية.
وأياً كان المكان والزمان والشكل لهذا الدور، فبفضله نجح يهود تركيا في كسب عدد كبير من رجال الأعمال الكبار في تركيا، إلى جانب "إسرائيل"، بعد أن أصبحوا أغنياء بفضل دعم اليهود لهم، ليس فقط في تركيا، بل في أوروبا وأميركا وأماكن أخرى من العالم، ما دام اليهود يسيطرون على قطاعات مهمة من التجارة والصناعة والمال في العالم!
* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب