محمد جرادات*


دمّر السهم الغزاوي الأحمر المدرّعة "الإسرائيلية" الهندسية (أوفيك)، عبر حفلة قتالية صاخبة، شارك في إحيائها ثلاث كاميرات للإعلام العسكري لكتائب القسّام، وظهر الجنود وهم يفزعون هاربين، فيما كان السهم الأحمر قد حوّل فخر الصناعة العسكرية "الإسرائيلية" ـ الأميركية إلى خردة، عبر نهار الطوفان في يومه الـ 262، كيف يحصل ذلك في غزة الصغيرة المخنوقة بالدبابات والطائرات منذ تسعة شهور؟

وفيما كان سهم القسّام الأحمر، يفجّر قنبلة نزع الشمع الأحمر عن أحدث ترسانة عسكرية موجّهة تنزل للخدمة الميدانية، كان مقاتل من سرايا القدس يقصف مقرّ قيادة "جيش" الاحتلال وهو متلحّف في فراشه، هكذا بكلّ برودة أعصاب، وظهر آخر قبل ذلك وهو يقصف تموضعاً للدبابات، ولكنه لا ينسى أن يرتشف الشاي بين قذيفة وأخرى.

وفي اليوم ذاته الـ 262 من الحرب، كان رجال السرايا يستخدمون ثلاثة أنواع هجومية في معركة الشابورة وسط رفح؛ عبوة برميلية انفجرت أسفل الدبابة أولاً، ثم قذيفة أر بي جي استهدفت دبابة مجاورة عقب تفجير العبوة البرميلية، وعندما بدأ "الإسرائيلي" عملية إجلاء القتلى والجرحى وقد استقدم طائرة مروحية، تمّ إطلاق صاروخ سام 18 الروسي تجاه الطائرة التي احتمت منه بالقنابل الحرارية، وقد اضطرّت للانسحاب.

عناد المقاومة وشدّة بأسها، في واقع جغرافي ساقط عسكرياً، مع امتداد زمني طويل في ظل عدم توفّر خطوط إمداد استراتيجية تقليدية، مع تفوّق المحتل جوياً وسيطرته على البر بالدبابات والآليات الثقيلة، يأتي السهم الأحمر؛ فما هو هذا السهم الذي أقلق جنرالات "الجيش" "الإسرائيلي"؟

السهم الأحمر صاروخ صيني من الجيل الثاني من الصواريخ المضادة للدبابات، وهو من فئة الصواريخ التي يتمّ التحكّم فيها بطريقة سلكية بصرية، يتكوّن من المقذوف المضاد للدروع، والمكوّن من رأس حربي، وصاروخ دفع بالوقود الصلب، ووحدة تحكّم مرتبطة بمنصة الإطلاق عبر سلك، من أجل توجيهه إلى الهدف بصورة بصرية، ويمتلك قدرة عالية على إصابة الأهداف من مسافات تصل إلى 4 كم، يزن 25 كلغ، ويتمّ إطلاق الصاروخ من الأرض، ويمكن أيضاً إطلاقه عبر مركبات قتالية أو طائرات هليكوبتر هجومية، وهو يشبه إلى حدّ ما نظيره الأميركي صاروخ "أف جي أم 148 جافيلين".

السؤال الذي يُطرح: السهم الأحمر الكبير؛ لماذا لم تستخدمه المقاومة حتى الآن؟ وبالأحرى ما هذا البرود أو هو الانضباط القتالي في واقع حرب إبادة، تجاه تنقيط استخدام أدوات الحرب؟ وهل تملك المقاومة عدة قذائف من هذا الصاروخ؟ وربما يتمّ تصنيعه في أنفاق غزة مثلاً؟ أو ثمة أنفاق استراتيجية تُؤَمّن لغزة العتاد العسكري، وهو عتاد متصاعد من حيث الفاعلية القتالية؟

تتصاعد الحرب على غزة، باتجاه الإعلان "الإسرائيلي" عن انتصار "الجيش" على كتائب القسام، خلال أيام قريبة، بحسب ما يرشح من المستويّين السياسي والعسكري، مع اختلاف في التعبير، ففيما يجهر المستوى العسكري صراحة، وعبر الناطق باسم "الجيش" دانيال هجاري، أن حماس كفكرة لا يمكن القضاء عليها، ولكن يمكن القضاء على قدراتها العسكرية، وهو ما رفضه مكتب نتنياهو بشكل حادّ، مؤكّداً أنّ من أهداف الحرب القضاء على حماس جملة وتفصيلاً، ليتلقّف جنرال الحرب غانتس هذا الخلاف بين "الجيش" والحكومة، معلناً أن حماس بالفعل لا يمكن القضاء عليها كفكرة.

يأتي تطوّر الأداء العسكري للمقاومة، في وقت يحاول "جيش" الاحتلال الخروج من أسر أهداف الحرب التي وضعها المستوى السياسي "الإسرائيلي"، وهو في حال أعلن بالفعل انتصاره على كتائب القسام، فإن السهم الأحمر، وما يأتي بعده مما تعدّه القسّام والسرايا وكلّ قوى المقاومة من مفاجآت، ما يفرغ هذا الإعلان من مضمونه، فالسيف أصدق إنباءً من الكتب، فكيف لمهزوم أن يطوّر في أدائه القتالي، أمام منتصر يخرج من الميدان مثخن الجراح وقد فقد لواءً كاملاً، بحسب اعتراف ليبرمان وغيره من زعماء الكيان؟

وضع السهم الأحمر "جيش" الاحتلال في حرج شديد، من حيث توقيت استخدامه وإدخاله للخدمة العسكرية، وقد تعمّدت كتائب القسام أن ترصده وتوثّقه عبر مشاهد من كلّ الزوايا، ما يكثّف أصداء قوته النارية التدميرية، ويجعل أيّ إعلان "إسرائيلي"بالنصر المزعوم مدعاة للسخرية، والمقاومة تسيطر على الأرض المثقلة بالدبابات، بعد أن تبيّن أن هذه الأثقال العسكرية "الإسرائيلية"، لا تفلح إلا في تدمير البنية التحتية، وتتسبّب بشكل مطرد بحوادث سير ونيران صديقة نتج عنها عشرات القتلى ومئات الجرحى من الجنود "الإسرائيليين"، ليأتي قاذف نوعي يضع النقاط على الحروف، فيحيل هذه الأرتال المدرّعة قاعاً صفصفاً.

يعكس تأخير إدخال السهم الأحمر للخدمة العسكرية، عقليّة استراتيجية عند المقاومة، تتجاوز وعيها بطول أمد الحرب، لما هو استثمار التوقيت المناسب، ما يخدم الحصاد السياسي، ويحيل أهداف الحرب "الإسرائيلية" إلى ركام من الشعارات، ويطيح بقدرات الردع "الإسرائيلية" على المدى القريب، في ظلّ تصدّعات داخلية تتعمّق على وقع الحرب، وقد دخل "الجيش" في أتون هذه التصدّعات للمرة الأولى في تاريخ الكيان، ليصبح خارج الإجماع "الإسرائيلي"، وليست قضية رفض تجنيد الحريديم، إلا مثالاً على الترهّل الداخلي.

يلحّ "جيش" الاحتلال بحاجته الماسّة إلى فرقة عسكرية كاملة، ليعوّض قتلاه الذين يسقطون كل يوم بحسب رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكن، وهو سقوط لنظرية الحرب "الإسرائيلية" برمّتها، وهي تجرجر أشلاءها وسط ركام المباني في غزة، فيما الأخيرة تطلق سهمها الأحمر في رأس التوحّش "الإسرائيلي"، كعلامة نصر عسكري لا تخطئه عين بصير، ولا تنغّص عليه بيانات الإفك حتى لو أطلقها هرتسي هليفي من أعماق رفح.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب