سياسة جديدة في حرب اليمن الأهلية قد ينتهي بها المطاف إلى دعم إيران
بقلم : زفي باريل
( صحيفة” هآرتس” الإسرائيلية, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
التحالفات الجديدة بين المتمردين في اليمن تعني أن المملكة العربية السعودية يمكن أن تصطدم بشكل خطير مع الإمارات العربية المتحدة، مما قد يؤدي إلى ولادة جنوب اليمن
قال عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الجنوبي الانتقالي” اليمني، الذي سيطرت قواته على المدينة الساحلية: “ليست لدينا نية لمغادرة عدن”.
أنشئ المجلس الانتقالي في عام 2017 بعد نزاع مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، حيث يرى أن احكام السيطرة على عدن يعتبر خطوة نحو هدفه المتمثل في إقامة دولة مستقلة في جنوب اليمن.
تجمع الآلاف من الناس في ميدان عدن الرئيسي يوم الخميس في “مسيرة المليون شخص” لإظهار أن سكان جنوب اليمن مصممون على فك الارتباط بين الشمال والجنوب في البلد والذي تم تشكيله عام 1990 وإعادة تأسيس دولة مستقلة جنوب اليمن.
صرحت الاتحادات النقابية ومنظمات المجتمع المدني في بيان لها، “إننا نجتمع اليوم في عدن، عاصمة الجنوب، في ميدان الحرية، من أجل انتصار كرامة الجنوب وإرادته الوطنية الحرة نحو استعادة دولة ذات سيادة مستقلة بحدودها المعترف بها دولياً قبل 21 مايو 1990 “.
غزو عدن، والاستيلاء على المباني الحكومية، والإطاحة بكبار موظفي الخدمة المدنية والاشتباكات العنيفة التي أودت بحياة حوالي 40 شخصاً وجرح المئات ليس فقط حرب جديدة تتطور في اليمن – هذه المرة في داخل القوات التي تعارض سيطرة الحوثيين على شمال ووسط اليمن – ولكن أيضاً خلاف أصبح يتحول إلى صراع حقيقي بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
للوهلة الأولى، يبدو أن هذا التطور الخطير يرجع إلى خلافات استراتيجية وأيديولوجية بين الإمارات العربية المتحدة، التي تدعم وتمول وتدرب قوات المجلس الانتقالي، والمملكة العربية السعودية، التي تسعى إلى إعادة تأسيس اليمن الموحد بعد الإطاحة بالحوثيين.
كلا البلدين جزء من تحالف أنشأه العاهل السعودي سلمان وولي العهد الأمير محمد في عام 2015 لمحاربة النفوذ الإيراني المتزايد في العالم العربي, وأعضاؤها الآخرون: مصر والبحرين وباكستان والسودان.
تشارك السعودية والإمارات الهدف المتمثل في وقف إيران، كما فعلت الولايات المتحدة، حتى بدأ الحوثيون بمهاجمة أهداف في الخليج الفارسي، بما في ذلك الموانئ وناقلات النفط، وهددت طهران بأن أي هجوم على إيران من قبل أمريكا أو إسرائيل أو دول الشرق الأوسط الأخرى ستحول المملكة العربية السعودية وشركائها إلى أهداف.
وفي أعقاب هذه الهجمات والتهديدات، قررت الإمارات العربية المتحدة تغيير سياستها وسحب قواتها من اليمن وزيادة التعاون مع إيران في مجال الأمن البحري في الخليج.
بالإضافة إلى ذلك، أرسلت دبي – وهي إحدى الإمارات السبع- وفداً اقتصادياً إلى إيران لترتيب تأشيرات لرجال الأعمال الإيرانيين الذين قد يرغبون في الاستثمار في دبي، حيث أن الإمارة غارقة حالي في أزمة اقتصادية, وفي مقابل كل هذا، وعد الحوثيون بالكف عن مهاجمة الأهداف الإماراتية.
ينكر كل من الأمير السعودي والحاكم الإماراتي محمد بن زايد وجود خلافات بينهما, ولكن لم تظهر أي أنباء عن زيارة الأخير للمملكة العربية السعودية هذا الأسبوع، حيث التقى بالملك سلمان وابنه في أعقاب استيلاء الانفصاليين الجنوبيين على عدن.
قال محمد بن زايد إنه والأمير محمد لديهم رؤية موحدة تجاه ضرورة التوصل الى السلام وحل الأزمة اليمنية، لكنه رفض حث القوات الانفصالية على مغادرة عدن.
قد يكون الاستيلاء على عدن من قبل قوات الزبيدي هو المكسب الوحيد الذي يمكن أن تجنيه الإمارات من الحرب في اليمن, فإذا نجحت الحركة الجنوبية في إقامة دولة مستقلة فستكون المدينة بشكل كبير للدولة الخليجية الصغيرة التي دعمتها.
لقد اضطرت الرياض التي رعت حكومة هادي إلى التعاون مع حزب الإصلاح الديني المرتبط بالإخوان المسلمين لأنه قاعدة هادي السياسية (رغم أنه يعيش حالي في المملكة العربية السعودية).
هذا لا يخلق تناقضا داخليا فقط لأن المملكة العربية السعودية، مثل مصر، تعرَف بجماعة الإخوان المسلمين بأنها منظمة إرهابية, كما أنها ايضاً تدوس على جارتها والإمارات العربية المتحدة، التي قاتلت المنظمة على كل الجبهات ستحبذ في الواقع توحيد صفوف القوات مع المنظمات السلفية في اليمن.
كراهية السعوديين:
أدى الخلاف بين البلدين والعراك في اوساط القوات اليمنية التي تُدعم ضد الحوثيين مؤخر، وفق للانفصاليين الجنوبيين إلى قصف المملكة العربية السعودية للقواعد الانفصالية والمراكز المدنية للسكان, حيث يتهم الانفصاليون الرياض بأنها جندت الحوثيين للمساعدة في ذلك.
إن من الصعب التحقق من الادعاء الأخير، ولكن ظهرت حقيقة جلية لمدى عمق الكراهية التي يكنها الانفصاليون للرياض.
على الجانب الآخر، يقول بعض المحللين اليمنيين أن هذا الخلاف قد يساعد فعلياً في الدفع نحو حل دبلوماسي لأن الحوثيين والانفصاليين يمكن أن يعملوا معاً إذا وافق الحوثيون على دعم إقامة دولة مستقلة في الجنوب, وستتعاون تلك الدولة بعد ذلك مع الحكومة الحوثية التي سيطرت على العاصمة اليمنية صنعاء.
مثل هذا الحل يمكن أن يسمح للحوثيين بالاستفادة من عائدات النفط أو على الأقل يضمن لهم امدادات منتظمة من النفط، لأن معظم إنتاج النفط يقع في الجنوب.
ومن الواضح أن ذلك سيكون مفيد لإيران، وذلك أساساً لأن المملكة العربية السعودية ستضطر إلى مغادرة اليمن، في حين أن الإمارات – التي ستكون راعية الولاية الجنوبية ستتوقف عن محاربة نفوذ طهران في الشمال.
إن الوضع الصعب للمملكة العربية السعودية دولياً، وخاصة في الولايات المتحدة، يمكن أن يعجل بمثل هذا الحل.
ووفقاً لتقارير لم يتم التحقق منها، جاء فيها انه قد قُتل حوالي 3000 جندي سعودي في الحرب في اليمن وأصيب 20 ألف من الجنود السعوديين ويعتقد أن الحرب كلفت الرياض عشرات المليارات من الدولارات أو ربما أكثر.
بالإضافة إلى ذلك، سعى الكونغرس الأمريكي إلى تجميد مبيعات الأسلحة للمملكة، رغم أن الرئيس دونالد ترامب استخدم حق النقض الى الآن.
وقد تعلق بريطانيا بالفعل مبيعات الأسلحة إلى الرياض، اعتماداً على نتيجة دعوى قضائية يتم النظر فيها في محكمة بريطانية تتحدى مثل هذه المبيعات باعتبارها انتهاك للقانون البريطاني, إذ يمنع التشريع المعني بيع الأسلحة إذا كانت قد تلحق الضرر بالمدنيين سواء عن قصد أو عن غير قصد.
صحيح أن الانسحاب من اليمن سيكون بمثابة اعتراف بالهزيمة التي يمكن أن تقوض بشكل كبير وضع محمد بن سلمان وتحفيز منافسيه لمحاولة الإطاحة به كولياً للعهد, لكن لديهم بالفعل قائمة طويلة من الإخفاقات العسكرية والدبلوماسية التي يتحملها محمد، بما في ذلك الفشل في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في سوريا؛ والاستقالة الغريبة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري أثناء رحلة إلى المملكة العربية السعودية والتي سحبت بسرعة بمجرد عودة الحريري إلى لبنان و الإطاحة بالرئيس عمر البشير في السودان وقتل الصحفي جمال خاشقجي.
إن أي ضعف في وضع الأمير محمد من شأنه أن يدخل الرعب الى قلوب صانعي القرار في إسرائيل ومسؤولي المخابرات، لأنه سيوجه ضربة مباشرة للتحالف الإسرائيلي السعودي ضد إيران, لكن سجل السعوديين في الحرب ضد إيران لم يكن مثيراً للإعجاب ليس فقط العديد من إخفاقات محمد ناتجة عن جهوده ضد إيران، لقد أعلن أنه غير مهتم بحرب في الخليج.
المملكة العربية السعودية مهمة لتنفيذ العقوبات على إيران، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى قدرتها على تعويض النقص العالمي الناجم عن خفض مبيعات النفط الإيرانية, ولكن هذا الدور يمكن أن تقوم به العديد من البلدان الأخرى.
القبائل الجنوبية:
ليس قيام جنوب اليمن بتأسيس دولة مستقلة فكرة جديدة, ففي عام 1994, بعد أربع سنوات من توحيد اليمن، أدت الخلافات داخل حكومة الوحدة إلى قيام القبائل الجنوبية بتأسيس جمهورية اليمن الديمقراطية,حيث تم تفكيك تلك الدولة بعد فترة وجيزة تحت الضغط الدولي، لذلك تم إنقاذ الوحدة.
لكن هذا الاتحاد كان دائم واجهة، حيث عانت القبائل الجنوبية من التمييز الاقتصادي والسياسي على يد الرئيس اليمني آنذاك، علي عبد الله صالح.
لقد شاركوا رسمياً في الحكومة، لكن البرلمان كان يسيطر عليه الموالون لصالح، وكان الجنوبيون هم الأخيرين في الترتيب لنيل الوظائف الحكومية أو الجيش.
فقط في عام 2011, عندما تم إقالة صالح خلال الربيع العربي، ظهرت فرصة للقبائل الجنوبية لنيل حياة أكثر عدلاً.
ادى انتخاب هادي رئيسا في عام 2012 إلى التفاؤل في الجنوب، والذي اعتبره واحداً منهم, حيث وُلد في الجنوب وشغل مناصب عليا في جيش اليمن الجنوبي حتى أُرغم على الفرار إلى الشمال في عام 1986, بعد أن خسرت زمرته من الحزب الاشتراكي اليمني حرب أهلية مع زمرة آخرى من الحزب.
بعد عامين من توليه الرئاسة, وجد هادي نفسه متورط في معركة سياسية مريرة حول خطته لجعل اليمن دولة اتحادية تتألف من ستة أقاليم تتمتع بالحكم الذاتي.
المعارضون الرئيسيون هم سكان الشمال، وتعتبر من أفقر المناطق في اليمن, الشمال هو موطن الحوثيين، الذين أعلنوا الحرب على الحكومة بسبب القضايا الاقتصادية عندما كان صالح لا يزال رئيساً.
اليوم، يُنظر إلى الحوثيين على أنهم عملاء إيرانيون، وذلك أساس لأنهم ينتمون إلى الطائفة الزيدية المنفصلة عن الشيعة, ولكن بدأت حربهم بالفعل اثر الخطة الفيدرالية، والتي كانت ستعطي المناطق الشمالية الفقيرة ضربة اقتصادية كبيرة، وبالنظر إلى أن كل موارد النفط كانت في الجنوب, اعتبر الحوثيون هذه الخطة مؤامرة سعودية أمريكية تهدف إلى تقويض أضعف مناطق اليمن وجعلها معتمدة على حكومة هادي، وبالتالي ضمان دعمها له، لأنها ستسيطر على تقسيم الحصص من الأموال.
عندما بدأ الحوثيون الحرب ضد النظام في اليمن، كانت إيران في الواقع هي التي نصحتهم بمحاولة الاتفاق لإيجاد حل.
هل الحوثيون هم وكلاء إيران حقاً أم أنهم قبائل محلية لها مصالح محلية وهم على استعداد لقبول أي مصدر للمساعدة لتحقيق تطلعاتهم؟ هل تقاتل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في اليمن ضد الحوثيين على أساس زعم أنهم عملاء إيران، أم أنهم يحاولون توسيع هيمنتهم على اليمن؟
حتى الآن، لم تتلق هذه الأسئلة أي نقاش عام حقيقي، لكن يبدو أن الإجابات ستكون مطلوبة قريب, حيث تفتقر إلى النصر العسكري وبسبب التغيير في سياسات الإمارات العربية المتحدة، يبدو أن المملكة العربية السعودية ستحاول إيجاد طريقة محترمة للانسحاب كجزء من اتفاق يجبرها هي والولايات المتحدة على الاعتراف بوضع الحوثيين .
إذا استغرق التوصل إلى مثل هذا الاتفاق وقت طويلاً، فقد يقوم الجنوب أيضاً بإنشاء نظام مستقل خاص به, ومن المشكوك فيه وجود أي خطة للتعامل مع هذا الاحتمال في البيت الأبيض.