فيما يتعلق بترامب وإيران، تغير الإمارات من استراتيجيتها -على إسرائيل أخذ ذلك بعين الاعتبار
تعيد دول الخليج ضبط تحالفها مع قوى قوية مثل الولايات المتحدة والسعودية، وهذه التحركات تهز المنطقة, لذا يجب على إسرائيل أن تأخذ ذلك بعين الاعتبار
بقلم: الكسندر جريفينج
(صحيفة “هآرتس” الإسرائلية، ترجمة: جواهر الوادعي-سبأ)
ألمحت إسرائيل منذ فترة طويلة إلى علاقاتها الهادئة مع دول الخليج العربية مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث أن كفاحهم المشترك لاحتواء إيران والتحالف الثابت مع الولايات المتحدة قد فتح باب التعاون في القضايا الأمنية.
لكن الانقسامات الأخيرة في كل من هذه التحالفات – بين الإمارات والسعودية فيما يتعلق باليمن والإمارات والولايات المتحدة التي تواجه التهديد الذي تشكله إيران- تمثل تحديا للمصالح المشتركة التي تأسست عليها العلاقة الأمنية الناشئة.
بالنسبة لإسرائيل، ينبغي أن تكون هذه حكاية تحذيرية لأن هذه التوترات يمكن أن تعطي نظرة ثاقبة لعلاقاتها مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وإيران.
يذكر الدكتور يول جوزانسكي، الباحث البارز بمعهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، أن مقدمات الإمارات الأخيرة لإيران هي وسيلة تتخذها الدولة الخليجية لأخذ الحيطة من رهاناتها في المنطقة, حيث أشار في محادثة مع صحيفة هآرتس إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة تغير من إستراتيجيتها إذ يبدو أن الولايات المتحدة لم تعد الراعي الأمني الموثوق بها كما كانت في السابق.
وفقاً لـجوزانسكي، هناك ثلاث قوى دافعة تدفع الإمارات إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الإقليمية تجاه إيران وكذلك مشاركتها في الحرب الباردة الإيرانية السعودية التي شكلت الشرق الأوسط من خلال حروب بالوكالة في اليمن وسوريا و لبنان والعراق خلال العقد الماضي.
العامل الأول، كما يقول الباحث، هو حاجة دولة الإمارات إلى انتزاع نفسها من المأزق المستمر منذ خمس سنوات في اليمن والذي لا يزال يستنزف الموارد ويثبط عزيمة الجيش ويهدد بترك وصمة عار دائمة على سمعة البلد داخل قاعات الكونغرس في الولايات المتحدة.
كان على ترامب في الآونة الأخيرة استخدام حق النقض ضد مشروع قانون أقر في كل من مجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون ومجلس الشيوخ بقيادة الجمهوريين, حيث وبخ التشريع الدعم الأمريكي للحرب في اليمن مما قد يحد من مبيعات الأسلحة لكل من السعودية والإمارات.
العامل الثاني، يشير جوزانسكي، هو فهم الإمارات بأنها يجب أن تركز جهودها العسكرية والدبلوماسية على إيران وذلك كوسيلة لتأمين الخليج وتعزيز ثقة المستثمرين في الإمارات التي تعتمد بشكل كبير على الأعمال الأجنبية والسفر الدولي.
كان الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي والزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، في الأصل أحد القوى الدافعة التي تدفع باتجاه ترامب المتشدد ضد إيران والحليف الرئيسي للمملكة العربية السعودية في صراعها الإقليمي مع إيران.
ثالثاً، الدافع الرئيسي للإجراءات التي تقوم بها الإمارات هو قلقها بشأن ترامب, حيث يوضح جوزانكسي، على الرغم من كلامه القوي, الا أن الرئيس الأمريكي يحمل الآن “عصا صغيرة”، ويدرك جميع الاطراف المختلفين في الشرق الأوسط أنه لن يقوم بعمل عسكري ضد إيران, من بريطانيا العظمى وكوريا الجنوبية إلى الناتو، أظهر ترامب نفسه على أنه حليف مزاجي للغاية على استعداد لمواصلة أجندته الخاصة بغض النظر عن اهتمامات الشركاء بما في ذلك المخاوف الأمنية.
لقد طالب ترامب مراراً وتكراراً حلفاء الولايات المتحدة الأقوياء مثل المملكة العربية السعودية بالبدء في دفع تكاليف الدفاع عنهم، وفي يونيو، ذهب الأمر إلى حد التشكيك في سبب قيام الولايات المتحدة (في الخليج) “بحماية خطوط النقل البحري في البلدان الأخرى للحصول على تعويضات صفرية”.
كسب دعم الولايات المتحدة من خلال العلاقات الدافئة مع إسرائيل:
في حين تعيد الإمارات تعديل إستراتيجيتها الإقليمية، فهي تركز على الدعم السياسي من أمريكا حيث تريد الحفاظ على حلفائها في الحكومة حتى بعد انتهاء فترة ترامب.
تتمثل إحدى طرق المساعدة في ضمان الدعم فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، التي لا تزال تتمتع بتمويل دفاعي مكثف من واشنطن.
كان أمن إسرائيل ولا يزال يمثل قضية رئيسية في الكونجرس، على الرغم من تسييسها المتزايد، لاسيما من قبل ترامب والمشرعين الأمريكيين المتشككين لإسرائيل.
في وقت سابق من هذا الشهر، أرسل وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتز موجات صادمة للشرق الأوسط عندما أعلن أنه التقى مؤخراً “بشخصية رفيعة المستوى” من الإمارات العربية المتحدة لتحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية.
وادعى كاتز أن الاثنين توصلا إلى “اتفاق جوهري” وأنه كان يعمل على “تطبيع شفاف واتفاقات موقعة” مع دول خليجية أخرى، مضيفاً أن إسرائيل “ليس لديها صراع معها”.
كما زعم وزير الخارجية الإسرائيلي أن إسرائيل تشارك في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة (والذي انضمت إليه حتى الآن المملكة المتحدة فقط) لتأمين طرق الشحن في مضيق هرمز.
أثار ادعاءه رداً حاراً من إيران، التي هددت بأن الوجود “الصهيوني” في الخليج قد يشعل حرباً.
ومع ذلك، أوضح تقرير صدر مؤخراً عن محطة الإذاعة العامة الإسرائيلية أنه من غير المتوقع أن ترسل إسرائيل قوات بحرية ومن المحتمل أن تقدم معلومات استخبارية فقط.
قوبلت تصريحات كاتز بالشك داخل إسرائيل, ويشير جوزانسكي إلى أنه بعد إجراء الانتخابات التكميلية بعد أقل من شهر، فإن السياسة الداخلية الحالية “لعبت دوراً” في تصريحات وزير الخارجية.
في هذه الأثناء، يواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تذكير الناخبين بإنجازاته في السياسة الخارجية وعلاقاته الوثيقة مع قادة العالم الأقوياء، بما في ذلك الدول العربية المعروفة بتجاهلها لإسرائيل, حيث حقق نتنياهو انتصارات دبلوماسية كبرى عندما قبلت دول الخليج نقل ترامب للسفارة الأمريكية إلى القدس والاعتراف بهضبة الجولان.
يعتقد جوزانسكي أنه بغض النظر عن نتيجة انتخابات 17 سبتمبر، ينبغي لإسرائيل أن تستمر في معاملة الإمارات العربية المتحدة باعتبارها “قوة إقليمية”، وبالتالي أولوية رئيسية.
ويقول إن الدولة الخليجية لديها جيش فعال للغاية: فبينما تعمل السعودية مثل “حاملة طائرات”، فإن الإمارات أقرب إلى “سفينة صواريخ”.
تعترف الدولة الخليجية بالمزايا الإقليمية لإسرائيل في مجالات مثل الدفاع الصاروخي والأمن عالي التقنية (وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، باعت إسرائيل الإمارات العربية المتحدة برامج التجسس على الهواتف المحمولة من طراز F-16s).
بينما يواصل نتنياهو تحسين علاقاته مع الدول العربية ويلمح إلى “اختراقات” كبرى في الأفق منذ زيارته إلى عمان العام الماضي، الا أن هذا المسار أصبح أكثر تعقيداً الآن.
قد يتضاءل التحالف المناهض لإيران الذي جعل دول الخليج وإسرائيل أكثر قربا، ويشكل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني – الذي ليس قريب من أي حل عقبة خطيرة أمام التحسن العلني للعلاقات مع الدول العربية.
الإمارات لها عبئها الخاص:
قامت دولة الإمارات العربية المتحدة مؤخراً بإيماءات رمزية تخرق فيها النماذج القديمة.
ففي فبراير استقبلت البابا فرانسيس في أبو ظبي, وفي مايو أعلنت “رابطة مكافحة التشهير” أن الإمارات ستعين أول حاخام كبير للجالية اليهودية في الإمارات – وإن كان بقدرة محدودة جداً. كما سافر كل من كاتز ووزير الثقافة الإسرائيلي ميري ريجيف إلى الإمارات العربية المتحدة مؤخراً.
هذه الإيماءات، كما يحذر جوزانسكي، يجب أن تكون في الواقع راية حمراء: على الرغم من “صورتها الانفتاحية” لا تزال الإمارات دولة بوليسية استبدادية.
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الولايات المتحدة رتبت سلسلة من المحادثات السرية بين الإمارات وإسرائيل حول إيران في الأشهر الأخيرة. ونقلت وول ستريت جورنال عن مسؤول أمريكي قوله إن المحادثات “كانت تهدف إلى زيادة التعاون الدبلوماسي والعسكري والاستخباري في التعامل مع إيران”.
ومع ذلك، وعلى الرغم من تلك المحادثات المعلن عنها، أرسلت الإمارات في أواخر الشهر الماضي وفداً إلى طهران لمناقشة الأمن البحري, بخلاف الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث لم يتم تحديد إيران بشكل مباشر ككيان مسؤول عن انفجار الألغام الأرضية على ناقلات قبالة سواحل الإمارات في يونيو الماضي.
المشاركة في الحرب المعقدة التي تدور رحاها في اليمن، وتغيير العلاقات السياسية والمخاوف بشأن الاقتصاد الذي يمكن أن يتدهور بسهولة، كلها أمور تبقي الدولة الخليجية مهتمة بشؤونها.
يبدو الآن أنها تقدم ضمانات جديدة لاستقرارها وتشكيل طريق بين حليفين غير متناسقين – الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية – وعدوتها السابقة: إيران.
إن إعادة ترتيب الإمارات لوضعها هو تحذير يجب على إسرائيل أن تضعه في الاعتبار، فهي أيضاً تكافح من أجل الحفاظ على وضعها في المنطقة وتحسينه.
ومن غير المحتمل أن يكون البحث عن نوع من الانفراج مع إيران خياراً ولا الذهاب بمفردها بدون المظلة الأمنية الأمريكية.
ومع ذلك، فإن القدس التي تتطلع إلى جيرانها في الخليج يمكن أن تحصل على تذكير حول تداعيات ربط أمنها بشكل حصري بترامب الذي لا يمكن التنبؤ به.
يخلص جوزانسكي إلى أنه مع وضع ذلك في الاعتبار، فإن أي تطبيع خليجي – إسرائيلي ما زال “له حدود” بسبب عملية السلام والحقائق الإقليمية.