السياسية: محمد محسن الجوهري*

العفاشية -على وزن الفاشية- هي عقيدة جامعة لكل الصغائر، ولا يؤمن بها ويقدسها إلا كل صغير، فهي لا تؤمن بالمبادئ والقيم العظيمة، كالدين والوطن والشرف، وترى أن كل شيء قابل للبيع، على طريقة عفاش نفسه، والذي لم يكن على الإطلاق يؤمن بأي ثوابت، ويرى الحياة على الطريقة الماركسية، حيث "لا إله والحياة مادة".

ولأنه كذلك، وبهذا الحد من الدناءة، أرادت أجهزة الغرب الأمنية تفريغ الشعب اليمني من رصيده الديني والقيمي الهائل، وتحويل عفاش إلى ظاهرة جمعية، وسعت إلى فرضها على كل أبناء الشعب اليمني بهدف تطويع الجميع، حتى يقبلوا بأي مشروعٍ غربي، بما في ذلك الوصاية على البلاد، ويتجلى حجم تلك المؤامرة في مرتزقة الرياض وأبوظبي، فهم "خبز عفاش وعجينه" كما صرَّح هو في إحدى زلاته اللسانية.

وعلى سيرة الزلات تلك، فإن إقرار عفاش بالسماح لأجهزة المخابرات الأمريكية لممارسة أنشطتها بحرية في اليمن، وتدجينها للفئات والأحزاب اليمنية في العلن، لهي أدنى صور العمالة والخيانة في تاريخ الوطن العربي، حيث لم يسبقه إلى تلك الدناءة أحدٌ من خونة العرب، وقد ذهب بخيانته تلك إلى أحط مزابل التاريخ، على الإطلاق.

ولولا مشيئة الله، لكانت عقيدة عفاش هي السائدة في كل الأوساط اليمنية، إلا أنها -بفضل الله- اقتصرت على عفاش ومن هم على شاكلته، وينتمون إلى نفس فئته الوضيعة، ومما يثبت فشلها في الانتشار، هو المخزون اليمني الهائل من الرجولة التي لا تنكسر، والجماهير التي تأبى المساومة بقيمها ودينها، بدليل ما نراه اليوم من مواقف يمانية شامخة لنصرة غزة والقضية والفلسطينية، وما سبقها من صمود أسطوري في مواجهة العدوان السعودي الغاشم على بلادنا، إضافة إلى حروب صعدة الست التي ظنها عفاش، ومن خلفه من الأمريكان، أنها خاتمة المعارك مع الشعب اليمني.

ومع ذلك، يبقى عفاش وسنوات حكمه العجاف وصمة عار في تاريخنا النضالي الكبير، ووصوله للسلطة يعتبر مؤشر على أن اليمن كانت تعيش مرحلة من الوهن والضعف التي لازمت البلاد عقب مؤامرة اغتيال الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، وشهدت حملة تصفيات لكل الشرفاء من أبناء الشعب، بدعمٍ سعودي وتخطيط غربي واضح.

وبفضل الله فقد تلاشت تلك المرحلة بالتدريج، وأثبتت ثورة 21 سبتمبر الخالدة أن اليمن لا تزال ولادة بالرجال الصادقين، وأن الأغلب من أبنائها يرفضون مشروع الضعة والوصاية، وينحازون لقيمهم الدينية والوطنية، مقدمين في سبيلها الغالي والرخيص، ويشهد بذلك روضات الشهداء التي عمدت حرية اليمنيين وبلادهم بالدماء، قبل المال، وحالت دون استضعاف الشعب وإهانته على يد أشباه الرجال من آل سعود وآل زايد، وغيرهم.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب