وسام أبو شمالة*


أثار استخدام "الجيش" الصهيوني سلاح المنجنيق ضد الأراضي اللبنانية بهدف حرقها موجة من السخرية في مواقع التواصل الاجتماعي. فكيف لـ"دولة" تصنف أنها القوة العسكرية الأولى في الشرق الأوسط و الـ 18 عالمياً حسب عدد من المصادر، تلجأ إلى سلاح منذ القرون الوسطى؟ بيد أن تلك الحادثة الرمزية كشفت عمق المعضلة الصهيونية على جبهة لبنان، والأزمة الاستراتيجية التي تعيشها "إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر.


بعد دخول المقاومة اللبنانية على خط المواجهة منذ الثامن من أكتوبر كجبهة إسناد للمقاومة الفلسطينية في غزة، شهدت جبهة لبنان مساراً متعرجاً صعوداً وهبوطاً، لكنها كانت أبعد ما تكون عن الهدوء على مدار أيام الحرب الدائرة على قطاع غزة، كما شهدت الأيام الأخيرة وتيرة متصاعدة من المواجهة، وكأن الطرفين، المقاومة و "إسرائيل" يشدان الحبل ويسيران على حافة الهاوية.

موقف المقاومة اللبنانية واضح منذ بداية المواجهة، وما تحدثت به قيادة المقاومة في السر والعلن وللوسطاء لم تتراجع عنه قيد أنملة، حتى اقتنعت الأطراف كافة بما فيها الطرفان الأميركي والفرنسي، بأن لا تهدئة للجبهة في لبنان إلا بعد إنهاء الحرب على قطاع غزة والإعلان عن وقف إطلاق النار، وبأن قيادة المقاومة اللبنانية لا تسعى إلى الحرب الشاملة أو المواجهة المفتوحة مع "إسرائيل"، لكنها جاهزة لصدّ العدوان ضمن قواعد الاشتباك ومعادلة الردع، وكذلك مستعدة للتعامل مع السيناريوهات كافة بما فيها الحرب في حال فرضت عليها.

بينما بدت " إسرائيل " سواء على المستوى السياسي أو العسكري، غاية في الارتباك والتردد، وكلما طال أمد الحرب على غزة، تكشفت عورة " إسرائيل " و"جيشها" وقيادتها، أمام العالم وأمام نفسها وجمهورها قبل كل شيء، الذي اعتاد إلحاق الهزيمة بأعدائه فرادى ومجتمعين، وإذا به غارق في رمال غزة وغير قادر على تحقيق النصر منذ ما يزيد على ثمانية أشهر، حتى بدأت الأوساط الصهيونية تتساءل هل يستطيع "الجيش" الصهيوني القتال في حرب مفتوحة على جبهتي لبنان وغزة في آن واحد، في ظل تعثره الواضح في جبهة غزة؟

وهل "إسرائيل" مستعدة لمواجهة التحديات والتهديدات الاستراتيجية في حال توسع الصراع إلى حرب إقليمية شاملة؟ وهل يدرك الجمهور الصهيوني الذي يبدي تأييده لشن حرب واسعة على لبنان، حجم المخاطر التي سيتعرض لها؟ أم أن أبواق اليمين الفاشي الشعبوي وعنجهية إعلامه الموجّه والاعتبارات الشخصية لنتنياهو ستغرق "إسرائيل" في ورطة لن تخرج منها إلا وهي مكسورة ومحطمة وستضعها أمام مصير مجهول …

تبدو "إسرائيل" أمام خيارات معقدة على الجبهة اللبنانية، والخيارات كافة تشكل لها مأزقاً استراتيجياً، وهي تنحصر بين السيئ والأسوأ، ففي حال وافقت على وقف النار وإنهاء الحرب على غزة بالتوازي مع إنهاء التصعيد على الجبهة اللبنانية، الأمر الذي يعني بقاء التهديد الاستراتيجي للمقاومة اللبنانية وغياب الردع الذي سيمنع آلاف المستوطنين من العودة إلى مستوطناتهم المخلاة، حتى لو انتهت الحرب خشية تكرار سيناريو السابع من أكتوبر، وسيتحوّل جزء من شمال فلسطين المحتلة أشبه بمنطقة عازلة.

أما فيما لو قررت "إسرائيل" توسيع المواجهة مع لبنان إلى حرب مفتوحة، فإنها ستتعرض لدمار هائل وغير مسبوق، وربما تتحوّل إلى حرب إقليمية شاملة، وقد تتسع إلى أكثر من ذلك، ما يعني أن مصير "إسرائيل" سيكون محفوفاً بالمخاطر، وربما ستشكل الحرب الواسعة خطراً وجودياً على "إسرائيل" وستعيد رسم خريطة المنطقة، وفي حال قررت "إسرائيل" الاستمرار في السياسة الحالية والتسليم بالأمر الواقع ستتحوّل الجبهة اللبنانية إلى جبهة استنزاف في ضوء فشلها في تحقيق النصر على جبهة غزة، التي تتجه لتكون جبهة استنزاف كذلك، ما يعني استمرار الإنهاك لـ"الجيش" الصهيوني والاقتصاد والانعكاسات على الحصانة الداخلية واهتزاز ثقة المجتمع الصهيوني بـ"جيشه" وقيادته ومؤسساته، بالإضافة إلى التراجع العميق في صورة "إسرائيل" وشرعيتها على المستوى الدولي.

يطير دور دريمر وزير الشؤون الاستراتيجية وعضو مجلس الحرب الصهيوني وتساحي هانيقفي رئيس المجلس القومي الصهيوني إلى واشنطن قريباً، للبحث عن حلول ومخارج للمعضلة اللبنانية غير المنفصلة عن الأزمة الاستراتيجية التي تواجهها "إسرائيل" منذ ملحمة "طوفان الأقصى"، فهل ستسعى الإدارة الأميركية لإقناع ربيبتها بتقبّل هزيمة واحدة على جبهة غزة حتى لا تتجرّع مرارة هزيمة أخرى على جبهة لبنان؟ أم أن العمى الذي أصاب " إسرائيل" منذ السابع من أكتوبر، سيهوي بها مع حلفائها في بئر عميقة.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقال يعبر عن رأي الكاتب