مشروع "الاَّ-مشروع" والمعارضة من أجل المعارضة
السياسية || محمد محسن الجوهري*
ليس هناك في الداخل اليمني، أو حتى على الساحة الإقليمية، مشروعاً متكاملاً لمواجهة المشروع الصهيوني سوى المشروع القرآني الذي أطلقه الشهيد القائد حسين بدرالدين الحوثي قبل أكثر من عشرين عاماً، والذي استطاع الصمود في وجهة عاصفة من المؤامرات التي تسعى لثنيه منذ اللحظة الأولى لانطلاقه.
فيما ترى الأحزاب والمكونات السياسية الأخرى -بما فيها الأحزاب الدينية- أن الصراع يجب أن ينحصر حول الوصول للسلطة، وأن يبقى النزاع محلياً، وبعيداً عن كل القضايا المحورية الخاصة بالأمة الإسلامية كافة وفي ذلك مؤشر خطير يؤكد عمق الفجوة بينها وبين الدين الإسلامي، الذي يعتبر بحد ذاته مشروعاً متكاملاً من جميع الجوانب، وفي منهجه الحل لكل الخلافات الداخلية والخارجية.
وقبل ظهور المشروع القرآني، كان من الواضح أن الأمة بحاجة إلى توجه يوازي المشروع الصهيوني، ويحد من هيمنته على الصعيد المحلي، بل ويتجه لتحرير الأراضي الإسلامية من همجية اليهود، وكان من المفترض أن تستبشر كل المكونات السياسية بوجود مشروع جهادي مقاوم، لكن الغريب أنها اتجهت لمحاربته منذ انطلاقته، معلنةّ بذلك أنها جزءاً من التحالف الغربي المناهض للإسلام والمسلمين.
وكانت المفاجأة أن الأحزاب الدينية في اليمن قد انحازت قبل غيرها إلى أعداء الأمة، وكان حزب الإصلاح -على سبيل المثال- على استعداد أن يتخلى عن كل ثوابته المعلنة، على أن يقر بصوابية المشروع القرآني الذي يطابق المنهج الإلهي، ويسعى لتحرير المسلمين من أعداء الإسلام الذين حذرنا الله منهم في كتابه العزيز.
أما بالنسبة للأحزاب اليسارية، كالمؤتمر والاشتراكي والناصري وغيرها، فهي لا تؤمن من الأصل بأي توجه ديني، ولا تزال تعمل تحت تأثير مبدأ "كارل ماركس" الذي يدعو للعدمية، وأن الحياة مجرد مادة بلا إله، ولذا لم يكن مستغرباً أن تقف موقف المذعور من ظهور مشروع ديني، لأنها ترى في الدين برمته مجرد وسيلة لاستعباد الشعوب، لا أكثر.
ومع مرور السنوات تتضح الرؤية أكثر عن الواقع اليمني، فالأحزاب السياسية كافة بشقيها الديني والعلماني، قد ارتبطت بالسفارة الأمريكية، وعبرها تأخذ توجيهات اللوبي الصهيوني القاضية بحرف مسار الصراع باتجاه الداخل، وخذلان القضايا القومية وأولها القضية الفلسطينية، وحرف بوصلة العداء باتجاه إيران، لا لذنبٍ ارتكبته سوى بقاؤها على مبدأ النصرة لفلسطين.
وقد اقتضت مصلحة الأحزاب السياسية في اليمن أن تعادي جميعها المشروع القرآني، وأن تتفق فيما بينها على ذلك، رغم ما بينها من خلافات، تماشياً مع رغبة السيد الأمريكي التي تقضي بوجوب دفن أي حركة إسلامية تدعو لتحرير فلسطين، إلا أن مشيئة الله كانت حاضرة رغم حجم المؤامرة، ونجحت في فرض المشروع القرآني على الجميع، وإن كره الكافرون، وفي ذلك إعجاز كبير لمن كان له قلب.
واليوم، نرى آيات الله تتجلى في الجميع، بعد أن نجحت ثورة 21 سبتمبر في إزهاق الباطل ودحره للأبد، ولم يتبق لتلك الأصوات سوى الانخراط العلني في المشروع اليهودي، ومعاداة قضايا الأمة المركزية في العلن، والكفر بما كانت تدعيه من مبادئ إسلامية أو قومية، بعد أن انقلبت عليها خدمةً للصهيونية العالمية.
ولا غرابة أن تقف تلك المكونات اليوم إلى جانب "إسرائيل"، وأن تشكك في كل نصر يحققه الشعب اليمني ضد الكيان الصهيوني، فمهمتما اليوم تقتصر على الحرب الإعلامية، ومحاولة ثني الشعب اليمني عن مناصرة أشقائه المسلمين في الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم حجم المظلومية، وظهور الحق جلياً بما يثبت مشروعية وصوابية المشروع القرآني العظيم، ودوره في مقارعة الاستكبار العالمي قولاً وفعلاً، بشهادة باب المندب والأبحر الثلاثة من حوله.
* المقال يعبر عن رأي الكاتب