مصطفى عواضة*


تكشف الأحداث العالميّة مستوى الانحطاط السياسي في تعاطي الولايات المتحدة الأميركية مع تداعياتها لجهة سياسة التمييز وازدواجية المعايير المتبعة لديها تجاه القضايا خاصة الإنسانية منها، وخصوصًا إذا ما كان الضحايا من الدول المناهضة لأميركا، ومرتكبي الجرائم هم من حلفائها.

وكثيرة هي الأدلّة الواضحة على هذه الازدواجية من بينها ردود فعل المسؤولين الأميركيين تجاه المحكمة الجنائية الدولية من محاكمة جرائم الحرب في العراق على الرغم من وجود أدلة واضحة ودامغة على ارتكاب جرائم حرب خلال الغزو الأميركي للعراق في عام 2003، إلا أن الولايات المتحدة رفضت قبول أي محاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، واستمرّت في حماية جنودها من المساءلة القانونية الدولية.

بالإضافة إلى ذلك، تستخدم الولايات المتحدة قوة نفوذها السياسي لتقويض سلطة المحكمة الجنائية الدولية وتحجب التحقيقات التي تستهدف مصالحها الجيوسياسية، حيث قامت في عام 2018، بفرض عقوبات اقتصادية على المحكمة الجنائية الدولية في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب في محاولة لمنعها من التحقيق في الجرائم التي ارتكبتها في أفغانستان، مما يظهر استخدامها للضغوط السياسية لتجنب المساءلة القانونية.

حديثًا، صرّح الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم اعتراف بلاده بالمحكمة بعد أن جرّمت الإبادة الجماعية التي يرتكبها العدو الصهيوني بحق الفلسطينيين في غزة ما يكشف عدم جديّة الولايات المتحدة في التزامها المزعوم بقيم العدالة الدولية وحقوق الإنسان، ويظهر السجل الأسود لبلاد العم سام وتفضيلها حماية مصالحها السياسية على الالتزام بالقوانين الدولية وتحقيق العدالة العالمية.

الخبير في الشؤون الأميركية علي مراد، في حديث لموقع العهد الإخباري، أكد أنه "عند كل قرار كان يصدر عن هذه المحكمة يستهدف دولًا في العالم الثالث أو أخرى عدوة لأميركا، كانت تلقى (المحكمة) إشادة من الأميركيين، ولكن عندما يتعلق الأمر ببحثها في ملف مرتبط بالقضية الفلسطينية ينحرف الخطاب الرسمي الأميركي، ويفرض عقوبات عليها وعلى مسؤوليها، ما يعكس تناقضًا في السياسة المتبعة لدى الإدارة الأميركية".

وأضاف: "هذه الإدارة ربحت في الانتخابات على أساس تبنّيها القانون الدولي وحماية حقوق الإنسان والحريات واعتبارها في صلب السياسة الخارجية الأميركية، وعندما وصل بايدن إلى الحكم عام 2021 سقطت كل هذه الشعارات والادعاءات، وهذا دليل إضافي على أن السياسات الأميركية قائمة على النفاق".

وبيّن مراد أن مجلس النواب الأميركي أقرّ مشروعًا لفرض عقوبات على المسؤولين والموظفين وعائلاتهم في المحكمة الجنائية الدولية تلاه بيان للبيت الأبيض يرفض المصادقة على مثل هكذا مشروع، في محاولة لتوظيف الأمر بالضغط "الناعم" على رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو والذي يمكن أن تكسبه بالضغط السياسي لمصلحة الانتخابات المقبلة.

ولفت إلى أن هذا "الأسلوب في التعامل مع القضايا يحمل المصلحة الانتخابية نوعًا ما للرئيسين السابق دونالد ترامب والحالي جو بايدن، حيث يُظهر الأخير أنه في موقع الدفاع من أجل الفوز بولاية ثانية، لكن الأصل أن الضرر اليوم وقع على صورة أميركا، أي على الدولة العميقة بشكل كبير بمعزل عن الحاكم في واشنطن جمهوريًا كان أم ديمقراطيًا، فالضرر اليوم على مجمع الشركات الأميركية والمصالح الرأسمالية ما يجبر الحزبين على السعي والتفاوض مع نتنياهو لإنهاء الحرب".

واعتبر أن الأميركي كان يطمح أن ينجح جيش العدو في فترة قصيرة بتحقيق الأهداف المعلنة أي القضاء على حماس واستعادة الأسرى ومنع أي تهديد مستقبلي لمستوطنات الغلاف لكن الفشل بتحقيق هذه الأهداف الثلاثة بعد استنزاف الفرص الأميركية دفع إلى السعي لوقف الحرب بدون تحقيق أي نتيجة، حرصًا على ما تبقى من صورة لـ "إسرائيل"، وخاصة لدى المستوطنين بعدما بدأ يتزعزع إيمانهم بفكرة "إسرائيل"".

* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقال يعبر عن رأي الكاتب