السياسية:




تمثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في كلّ أربعة أعوام موضع اهتمام عالمي نظراً للوزن الكبير للولايات المتحدة في الشأن الدولي، ولكن الإشكالية التي تستحق التأمل هي تحديد وزن الشؤون الخارجية (النزاعات الدولية، والاقتصاد العالمي، وتوجهات الرأي العالمي، والعلاقة مع القوى الدولية الكبرى، ومواقف المنظمات الدولية، والقانون الدولي…إلخ) في توجهات الناخب الأمريكي عند انتخاب الرئيس. في هذا الإطار، نشر مركز زيتونة للدراسات والاستشارات ورقة علمية للباحث أ. د. وليد عبد الحي، بعنوان "وزن الشؤون الخارجية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية: طوفان الأقصى نموذجاً". يمكنكم الاطلاع على الدراسة بشكل كامل أسفل الخلاصة أدناه.

الخلاصة

عند النظر في سياسات المرشح الديموقراطي (بايدن) أو الجمهوري (ترامب)، فإن كليهما لا يخفي اعتباره لـ"إسرائيل" ذخراً استراتيجياً، لكن المعيار الذي يعتمد عليه الناخب الأمريكي في تفضيل أي منهما هو معيار محلي براجماتي صرف، أي أن الموقف من "إسرائيل" لن يكون عاملاً مركزياً في الانتخابات لتحديد الفائز، خصوصاً أن موقف بايدن مقارنة بموقف ترامب هو موقف أكثر "تمويهاً" في دعم إسرائيل، والذي اتضح في استخدام الولايات المتحدة حقّ النقض في مجلس الأمن ثلاث مرات خلال الأزمة لمنع وقف إطلاق النار (في 18/10/2023، و8/12/2023، و20/2/2024)، ثم الامتناع عن التصويت على قرار يطالب بزيادة إدخال المساعدات في 21/12/2023، ناهيك عن وقف مساعداته لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا)، إضافة لتحويل الذخائر التي كانت موجهة لأوكرانيا إلى الجيش الصهيوني، والدعم المالي لها بأكثر من 14 مليار دولار من ناحية، ناهيك عن إرسال بعض قطعها الحربية للتصدي لهجمات أنصار الله من اليمن.

يحاول بايدن من ناحية أخرى جذب أصوات المسلمين في الولايات المتحدة من خلال فتح الميناء المؤقت لإيصال المساعدات أو إنزالها جواً لسكان غزة، فهو يستخدم الفيتو ضدّ وقف إطلاق النار من ناحية، ويحاول الظهور بمظهر إنساني من خلال بناء الرصيف البحري أو إنزال المساعدات أو التأكيد على أن خطة اجتياح رفح التي يكررها نتنياهو يجب أن "تتضمن أمن المدنيين" بينما ذهب ترامب في تصريحات حديثة له أن على "إسرائيل" أن "تكمل المهمة" أي القضاء على المقاومة. وقد يكون اتساع نطاق الحرب وانغماس الولايات المتحدة فيها عاملاً مساعداً لبايدن، إذ أن أغلب الرؤساء الذين ترشحوا مرة ثانية خلال الحروب فازوا بها، لكن ذلك يبقى في نطاق محدودية الشأن الخارجي.

والملاحظ أن الانقسام داخل الديموقراطيين في موضوع الحرب في غزة أكثر وضوحاً منه في صفوف الجمهوريين الذين يبدون أكثر تناغماً في موقفهم من هذه الحرب، فالجناح اليساري في الحزب الديموقراطي وبعض التيارات اليهودية مثل "الصوت اليهودي للسلام Jewish Voice for Peace، وحركة "إنْ لم يكن الآن IfNotNow" تشكل قوة قد تؤثر على شعبية بايدن في الانتخابات.

ولعل متغير العمر للناخب يمثل أحد الأبعاد ذات الدلالة، فالملاحظ أن هناك علاقة واضحة بين العمر ودرجة التأييد لـ"إسرائيل"، وهو ما اتضح في معركة طوفان الأقصى، فكلما تقدم الفرد في العمر كان تأييده لـ"إسرائيل" أعلى والعكس صحيح، وهو ما يفسر عدم اتساق الأمريكيين من عمر 30 عاماً فما دون مع مواقف بايدن من الحرب في غزة، كما أن السود من الأمريكيين أصبحوا أكثر نقداً لـ"إسرائيل"، وهو تيار تنامى بهدوء منذ حرب 1967، ويعمل على المقارنة بين الاضطهاد والعنف في المجتمع الأمريكي تجاه السود وبين العنف الصهيوني تجاه الفلسطينيين.

وعليه، فقد أثرت معركة طوفان الأقصى في مواقف شرائح معينة (المسلمون، والسود، وجماعات يهودية، والشباب، ويسار الحزب الديموقراطي)، لكن الفارق بين المرشحين ضئيل للغاية في آخر الاستطلاعات (49% لبايدن، و47% لترامب)، وهو ما سيجعل التحول في أي شريحة صغيرة أمراً قد يقلب النتائج، وهو ما يمكن أن يكون عليه الحال بخصوص شريحة "غير المقررين" توجهاتهم الانتخابية حتى الآن، والذين يشكلون نحو 17% من الناخبين، وكلما كان الفارق أقل كلما كانت الجماعات الصغيرة أو جماعات الضغط أكثر قدرة في التأثير على النتائج.

من جانب آخر، إذا كانت بعض الشرائح في المجتمع الأمريكي قد تراجعت عن تأييد بايدن بسبب موقفه من "إسرائيل"، فإن موقف ترامب من الحرب الأوكرانية الروسية قد يفقده قدراً من تأييد الناخب الأمريكي نظراً لمعارضته مساندة أوكرانيا، إلى جانب مديحه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. أما بخصوص أصوات اليهود فإن كلاً من المرشحين (بايدن وترامب) لا يحبذان بقاء نتنياهو في السلطة، وهو ما يؤثر بقدر بسيط على التصويت لأي منهما من قبل اليهود الأمريكيين المساندين لنتنياهو.

لكن الظرف العام في الولايات المتحدة وشخصية ترامب قد تنطوي على احتمال وقوع "اضطرابات اجتماعية" حادة خلال أو بعد الانتخابات، مما يعزز من انكفاء الولايات المتحدة نحو أوضاعها الداخلية.

إن مسار وتداعيات معركة طوفان الأقصى ما تزال غير واضحة، لكن المؤكد أن تأثيرها على النتائج الانتخابية سيبقى هامشياً، لكنها ستكون أكثر دلالة في نتائجها إذا تأكدت نظرية التراجع الأمريكي العنيف الذي تتزايد مؤشراته في الأدبيات السياسية الأمريكية.

* المصدر: موقع الخنادق
* المادة نقلت حرفيا من المصدر