السياسية || محمد محسن الجوهري*

في رحيل الشهيد إبراهيم رئيسي خسارة كبيرة على الأمة الإسلامية، ويتجلى ذلك في حجم الحزن الذي أصاب محور المقاومة وسائر الأحرار في العالم، إضافةً إلى صدى الخبر وتحليل تداعياته بشكلٍ مكثف، سواءً في الإعلام الحر المناهض للصهيونية، أو تلك الوسائل المأجورة الموالية لمعسكر التطبيع والخيانة.

ومن الطبيعي أن يشمت أنصار ذلك المعسكر، فالشهيد رئيسي ليس منظراً سياسياً في رأيهم، بل هو قائدٌ ميداني له ثقله في واقع الصراع، وتظهر بصماته في كل ضربة موجعة يتعرض لها العدو الصهيوني، داخل وخارج فلسطين المحتلة، ومن البدهي أن يحتفل أولئك الأقزام بمقتله، فمعاييرهم الأخلاقية تسمح لهم بموالاة مع العدو الصهيوني، وفي ذلك رذيلة كبرى، وليس على مثلهم حرج إذا ظهر منهم سقوط أخلاقي آخر بعد التطبيع.

وهنا نتساءل: ماذا لو هلك كل الزعماء الموالين للصهاينة؟

هل في هلاكهم خسارة على الأمة الإسلامية، وهل يحظى موت أي واحدٍ فيهم بالصدى الواسع الذي يحظى به قادة المقاومة عند رحيلهم؟

الجواب معروف، ولا حاجة لتدعيم ذلك بالشواهد والأمثلة، فأولئك الخونة مجرد أرقام في كشوفات العمالة، ولا يمثلون أي قيمة فعلية لصالح الأمة الإسلامية وقضاياها الأساسية، وأولها فلسطين، وربما هلكوا على يد الصهاينة أنفسهم، كما هي عادتهم في تصفية الخونة والمرتزقة، ومن المخجل أن يرحلوا هكذا دون أن يكون لهم موقفٌ مشرفٌ أمام الله وأمام التاريخ، فالموت هو الموت والأشرف لنا جميعاً أن نرحل وقد قدمنا مواقف عملية قوية ضد العدو الصهيوني وأذنابه الطغاة.

أما قادة المقاومة، كالشهيد رئيسي، وقبله سليماني وأمثالهم، فهنيئاً لهم أن قضوا وهم ثابتون في مواقف مشرفة، ترفع رأس الأمة في مواجهة أعدائها، ففي موتهم العزيز الشرف بكل معانيه، ويكفي أن ذلك الرحيل خيرٌ من حياة الذلة التي يعيشها أغلب القادة العرب، فقط من أجل البقاء في مناصبهم لأطول فترة ممكنة.

وشتان بين أن يكون موتك يغيظ العدو بعد حياة حافلة بمسرة الصديق، وبين موت لا قيمة له في الواقع، بعد حياة مفعمة بالعمالة والمتاجرة بقضايا الأمة، حتى لو لم يكن هناك من حياة أخرى بعد الموت، فقد كفاهم شرفاً أن يرفضوا كل ترغيب وترهيب الهيمنة الأمريكية، ورضوا بأن يكونوا في صف الحق وإن قلت رجاله، وهذه من شيم الكرام التي فاخروا بها كثيراً في جاهليتهم الأولى.

أما اليوم وفي زمن الجاهلية الأخرى، فإن العربي مسلوبٌ من كل شيء، حتى من معايير الكرامة الفطرية، فالصهاينة لا يقبلون بالندية في علاقاتهم، ولا يكتفون بإذلال عملائهم في الدنيا، بل تتحول عمالتهم إلى خزيٍ يبقى ملازماً لذكرهم، ولو بعد رحيلهم بقرون.

* المقال يعبر عن رأي الكاتب