منير الشامي

أصبح في عصرنا رهان أعداء الأُمَّــة للسيطرة على أنظمتها وشعوبها على الاحتلال الفكري واستعمار العقول سواء عقول الأنظمة أَو عقول فئات شعوبها وفي مقدمتها عقول أجيالها بمختلف فئاتهم العمرية ومراحل تعليمهم المختلفة، مستغلين التطور التكنولوجي والثورة في عالم المعلومات والاتصال الذي شهده العالم وحوله من عالم مترامي الأطراف إلى قرية صغيرة، بعد أن نشروا وسائل الاتصال الحديثة كالحواسيب والهواتف المحمولة المزودة بأحدث البرامج التي تضمن نجاح مؤامراتهم والقنوات الفضائية لإيصال موادهم الفعالة عبر هذه الأجهزة، وبعد تأكّـدهم من وصولها إلى كُـلّ بيت وكلّ فرد فيها سخروها لتحقيق مؤامراتهم الهادفة إلى إحلال ثقافة الخنوع والخضوع والتدجين التي أعدوها بناء على دراسات نفسية وعلمية دقيقة في مجتمعات الأُمَّــة وأفرادها بدلاً عن ثقافتهم الأصيلة وموروثهم الفكري القوي والأصيل، وبما يضمن تجريدهم عن هُــوِيَّتهم الإنسانية والدينية والإيمَـانية المحافظة والمحصنة لها بهُــوِيَّة الانحلال والتفسخ والتجرد عن الإنسانية وكلّ ما يمت إليها بصلة لهدم النفس البشرية واستهداف باطن الإنسان وفكره ونفسه البشرية بتأجيج غرائزها وإثارة شهواتها وجذب هواها إلى التفسخ والانحلال ودفعها نحو السقوط إلى ما دون الحيوانية؛ فيصبح الإنسان مسخاً حيوانياً وكائناً شاذاً، لا يحمل مبدأ ولا خلقاً ولا قيمة، يأتي الرذيلةُ والجريمة ويدعو إليها ويدافع عنها، ويرى الفضائل قبائح والأخلاق تخلُّفاً والروابط الاجتماعية قيوداً يجب أن يتخلَّصَ منها؛ فينهار المجتمعُ وتندثر القيم وتتهاوى علاقاته ويتحول إلى قطيع خنازير كُـلّ تفكيره في الشهوات والملذات وكلّ تحَرّكه وهمه لإشباعها بأية طريقة وبأي سبيل؛ فيسهل عليهم السيطرة عليهم وتوجيه حركتهم نحو السقوط والضياع والتحكم الكامل بكل شؤونهم وبكل تحَرّكاتهم، لذلك فلا يمكن أن يسكتوا عن أي تحَرّك من أي مجتمع لمواجهة مشروعهم التدميري وإفشال مؤامرتهم الخبيثة، وأصبح تحَرّك أي مجتمع لحماية أبنائه من استهدافهم مصيبتهم الكبرى وكارثتهم العظمى، ومما لا شك فيه أن الدورات الصيفية التي حرصت قيادتنا على تنشيطها خلال العطلة الصيفية من كُـلّ عام أقوى الأسلحة وأشدها فتكاً وتدميراً لمشروعهم الخبيث وكلّ حروبهم الناعمة، وإفشالاً لمؤامراتهم المستهدفة لأجيالنا، خُصُوصاً بعد أن أفشلت ثورة الـ21 من سبتمبر المباركة مؤامرتهم الفظيعة في تعديل المناهج الدراسية وفق الرؤية التي تخدمهم وتحقّق غايتهم.

لذلك فلا غرابة أن أصبحت الدورات الصيفية كابوسهم الفظيع الجاثم على صدورهم، الذي يؤرق مضاجعهم ويثير غضبهم، ويفاقم من قلق نفوسهم ويضاعف رعبهم وحزنهم؛ بسَببِ قدرتها على هزيمة مشروعهم وصد حروبهم وتأمين أبنائنا منها بثقافة قرآنية تحصنهم أمام أقوى محاولاتهم، ووعي إيمَـاني تتساقط كُـلّ إمْكَانياتهم أمامه وتضيع جهودهم سدى أمام صلابته، ثقافة إلهية قويمة تبني أجيال الأُمَّــة وتعزز من قوتها وتماسك مجتمعها، وتعجل بانهيار أحلامهم التدميرية وتهاوي كُـلّ أمانيهم المرجوة، ولذلك اعتدنا كُـلّ عام أن نرى أعداء مجتمعنا اليمني في الداخل والخارج يشنون حملات مسعورة على أعلى مستوى ضد الدورات الصيفية ويصفونها بأقبح الصفات وأبشع العبارات، ويدسون فيها عشرات الشائعات الكاذبة المعاكسة تماماً لثمارها العظيمة، ويوجهونها بصفة خَاصَّة نحو الآباء والأُمهات تخويفاً لهم من التحاق أبنائهم بهذه الدورات وتحريضاً لهم ودفعاً لمنعهم من الالتحاق بها وعلى مستوى كُـلّ المنابر الإعلامية ومختلف أنواعها؛ بسَببِ قلقهم الكبير من هذه الدورات التي تستثمر مساحة كبيرة من فراغ أبنائنا في العطلة الصيفية فلا تذهب سدى ولا تستغل لاستهدافهم، بل تستثمر لإكسابهم وعياً راسخاً وحصناً إيمَـانياً قوياً، وتفقد هؤلاء الأعداء فرصتهم الثمينة في أبنائنا ولو توفرت لهم لحقّقت مرادهم وأثمرت حربهم الناعمة نجاحاً كَبيراً وملموساً.

إن هذه الحقائق الجلية توجب على كُـلّ أم وأب أن يبادروا في دفع أبنائهم للالتحاق بالدورات الصيفية المغلقة إن أمكن ذلك؛ فهي أكثر فائدة وأعظم أثراً في تسليح أبنائهم بثقافة القرآن وتأمينهم أمام أقوى أساليب الحروب الناعمة وإكسابهم حصانة تتحطم أمامها كُـلّ أساليب الاستهداف الدنيئة، فإن لم يتمكّنوا من إلحاق أبنائهم بالدورات المغلقة فإلى الدورات المفتوحة وليحرصوا على متابعة تواجدهم وانضباطهم خلال فترة إقامة الدورة الصيفية من كُـلّ يوم فلها نفس الفوائد وتحقّق نفس الأهداف وتتضمن نفس المواد الدراسية المقرّرة في الدورات المغلقة تقريبًا من قرآن كريم وتجويد وثقافة قرآنية وإسلامية ودينية ودروس تقوية في اللغات والمواد العلمية الأُخرى والأنشطة الأُخرى المرافقة واكتشاف الموهوبين والمبدعين وتشجيعهم، ووفق مناهج سليمة وهادفة إلى غرس القيم والأخلاق وتنمية الوعي الإيمَـاني والوطني والتربوي، وتعزز ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى، وبرسوله -صَلَّى اللهُ عَـلَيْـهِ وَعَـلَى آلِـــهِ- وتقوي إيمَـانهم به وتؤصل ثقافة مجتمعهم الأصيلة المستمدة من جواهر موروثهم الفكري والحضاري القرآني والنبوي المؤكّـد الذي يبني الأجيال ويصنع الرجال.

- المصدر: صحيفة المسيرة
- المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع