بقلم : توماس باني

(مجلة “تيليبوليس” الألمانية، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)

 

لا شك في أن سيطرة الانفصاليين على مدينة عدن في جنوب اليمن يؤكد الخلاف بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

ميليشيا الانفصال في جنوب اليمن، التي احتلت القصر الرئاسي في عدن، المقر الهام للحكومة، وبالتالي سيطرت على المدينة، لا تريد الانسحاب كما أعلن المتحدث باسم المجلس الانتقالي الجنوبي.

قال زعيم الانفصاليين، عيدروس الزبيدي، على الإنترنت، وفقًا لما ذكرته صحيفة المصدر أونلاين، إن هناك المزيد من المناطق، على سبيل المثال في وادي حضرموت، خارج سيطرة القوات الحكومية، ومكيراس خارج سيطرة الحوثيين. في الواقع، يقول مراقبو الصراع في اليمن، إن ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي قد ظفرت بالفعل بالسيطرة الفعلية على مناطق واسعة، ولكن لا يدور الحديث عن ذلك.

لقد سبق وكتبت في نهاية يناير من هذا العام بأن الأعداء لحكومة هادي، المدعومة من المملكة العربية السعودية في ازدياد كونها دخلت في عراك على نحو أوسع مع ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي إلى جانب معاركها مع من يسمونهم “المتمردين الحوثيين”.

وكانت الأخبار تتحدث في ذلك الوقت عن غزو الانفصاليين لنصف مدينة عدن في جنوب اليمن. والآن نجد العديد من التقارير المندهشة من “الانقلاب”، وتردد ما تقوله الحكومة الرسمية التي لا يزال رئيسها عبد ربه منصور هادي، في المنفى بالمملكة العربية السعودية.

العصبية تسود في الجبهة المعادية لإيران

إن “الانقلاب” الحقيقي هو أن الانشقاق بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أصبح أكثر وضوحا.

تدعم الإمارات “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي يعارض بدوره الحوثيين أيضاً، وهو بالطبع يسير وفق خططه الخاصة ويبدو أن تلك الخطط تتناسب مع مصالح دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل أفضل من أجندة المملكة العربية السعودية في الصراع اليمني.

بالفعل عندما أعلنت الإمارات قبل بضعة أسابيع أنها ستنسحب من التحالف السعودي في اليمن، فإن هذا الأمر أثار بعض التوتر داخل الجبهة المناهضة لإيران، كما هو موضح في تعليق لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية: ” لقد تخلت الإمارات عن الحرب في اليمن، وفشلت جهود المملكة العربية السعودية، ولا تزال اليمن منقسمة وبائسة وقد حقق الإيرانيون أشياء رائعة، وهذه أخبار سيئة للتحالف المناهض لإيران”.

على ما يبدو، بدعم من “المجلس الانتقالي الجنوبي”، ستدرس دولة الإمارات العربية المتحدة نهجاً موسعاً لحل النزاعات في اليمن. لقد قطعوا الجبهة الثنائية القطبية عن حكومة هادي ضد الحوثيين المدعومين من إيران.

من الممكن تماماً أنهم، بدعمهم للانفصاليين في جنوب اليمن، يبحثون عن حل فيدرالي يعطي وزناً أكبر لمطالبهم السياسية. حيث أنه في نهاية اتفاق ستوكهولم العام الماضي بشأن الحل السلمي للنزاع في اليمن، لم تكن مطالب الانفصاليين مهمة على الإطلاق.

طرق التجارة

الآن بات من الواضح انه إذا كنت ترغب في اتخاذ حل شامل لكل النواحي، ينبغي أخذ قوى الجنوب بعين الاعتبار. لقد أصبحت الظروف في اليمن الآن أكثر تعقيداً، وهذا أمر بات الجميع مجمعين عليه. يشير مقال لقناة الجزيرة إلى اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بالطرق البحرية والتجارية.

لبعض الوقت الآن، وعلى خلفية التغطية التي تحظى باهتمام كبير، هناك دلائل تشير إلى أن أبو ظبي تخشى أن تكون الجبهة المتشددة ضد إيران، المكونة منها ومن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وإسرائيل، تعرض طرق التجارة للخطر. فبالنسبة إلى الإمارات، تعتبر طرق التجارة هذه ذات أهمية اقتصادية مركزية، ولهذا السبب من الواضح أنها كانت تبحث عن حلول بديلة تتجاوز “الإملاءات السياسية” للجبهة العربية السعودية الأمريكية.

وعلى ما يبدو، كانت الإمارات أقل اقتناعاً بجودة حكومة هادي وعبرت عن رغبتها في تقديم دعم دائم للحل الذي تقدمه الجبهة المعادية لإيران. وبدأ التراجع ببطء وهذا الأمر اتضح في الأحداث الأخيرة.

أصبح الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للمملكة العربية السعودية. عدن واقعة تحت سيطرة ميليشيات العدو، و”ميناء الحديدة “خط الإمداد” ما يزال النزاع عليها مستمراً، حيث يسيطر الحوثيون على أجزاء مهمة من المدينة الساحلية، والعاصمة صنعاء هي تحت سيطرتهم تماما.

تمديد معاناة السكان

راينر هيرمان، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة فرانكفورترالجماينه تسايتونج، ليس الصحفي المحلل الوحيد الذي يتوقع دخول مرحلة جديدة من الحرب بالنظر إلى الأحداث الأخيرة والتي ستطيل من معاناة السكان. وأشار في تقريره إلى أن انسحاب الإمارات سيكون له أيضا آثار مالية.

بالإضافة إلى ذلك، قد يُنظر للإمارات في جنوب اليمن بشكل متزايد على أنها محتلة، وكان الناس يخرجون إلى الشوارع للتظاهر في المدن الكبرى وفي جزيرة سقطرى، حيث أرادت أبوظبي بناء قاعدة عسكرية”.

من الملفت أن هيرمان يفترض أن الإمارات العربية المتحدة ترغب في تجميع “موارد للصراع مع إيران، لأن هذا يحظى” بأولوية أعلى من الحرب في اليمن”. وسيتضح لنا ما إذا كانت الروابط التجارية أكثر أهمية. يقال أن هناك أيضا حلول مقترحة للصراع اليمني تريد إيران طرحها على طاولة المفاوضات. ولكن يعتبر هذا الأمر حتى الآن من المحرمات ولا يمكن تصوره بالنظر إلى استراتيجية الضغط القصوى لترامب. لكن المفاجآت في الشرق الأوسط ليست مستبعدة.

أما بالنسبة للوضع الحالي في عدن، لم ينكشف الستار بعد عن ما تمخضت عنه المحادثات بين ولي عهد أبوظبي، محمد بن زايد آل نهيان، والملك السعودي سلمان وابنه وولي العهد، محمد بن سلمان. فوفقا لموقع “عرب نيوز”، تم التأكيد على أن العلاقة بين “البلدين الشقيقين” كانت مستقرة. ولكن لبعض الوقت، أصبح من الواضح أن الأخ الأكبر المملكة العربية السعودية قد تعرض للعصيان من أخيه المنافس الأصغر.