السياسية:

لم يكن الكوبي “خوسيه فيغوا” الذي دوخ مكتب التحقيقات الفدرالية في لاس فيغاس، لصا عاديا. كان ثوريا تحول إلى عميل وتعاون مع العصابات، قبل أن يتحول إلى كابوس لكازينوهات القمار.

خوسيه ولد في كوبا عام 1959، وكان متشبعا بالأفكار الثورية منذ مراهقته، وكان يحلم أن يصبح مثل تشي غيفارا، ويوجه الضربات لـ”الإمبريالية الأمريكية” في جميع أنحاء العالم.

خضع في كوبا ثم في الاتحاد السوفيتي لدورات تدريب عسكري، وتقول بعض التقارير أنه قاتل في سن مبكرة في أفغانستان وأنغولا، لكنه ارتد عن أفكاره الثورية في عام 1980، وهرب من الجيش الكوبي ورحل إلى الولايات المتحدة، وهناك تلقفته أيدي مكتب التحقيقات الفدرالية وتم زرعه في أوساط المنفيين الكوبيين الذين يتولون تهريب الكوكايين من بلادهم إلى الولايات المتحدة.

لسبب مجهول تخلى مكتب التحقيقات الفدرالي الأمريكي عن “فيغوا”، بعد أن أطيح بعصابات التهريب تلك، ووضع قادتها وأعضاؤها خلف القضبان بمن فيهم، العميل والثوري الكوبي السابق “خوسيه فيغوا”.

المحكمة قضت بسجنه لمدة 10 سنوات، ولم يتدخل مكتب التحقيقات الفدرالي لإخراجه من تلك الورطة، ولذلك صاح يتوعد الأمريكيين، بحسب إحدى الروايات، في عام 1996 قبل أيام قليلة من إطلاق سراحه بعد قضاء ثلثي مدة عقوبته قائلا: “أنتم وضعتموني في السجن.. حسنا، ستدفعون الثمن”!

ما أن خرج من سجنه حتى سارع إلى تكوين عصابة مع ثلاثة آخرين يفكرون مثله، هم أوسكار سانشيز ولويس سواريز وبيدرو أغورانتي، مضى بهم إلى صحراء نيفادا وقام بتدريبهم على فنون القتال والاختباء وحاول أن يجعل منهم ما يشبه “مجموعة قوات خاصة”.

انطلق الثوري والعميل السابق مع عصابته إلى لاس فيغاس، ونفذ في 20 سبتمبر عام 1998 أول “غاراته” المسلحة، مستهدفا مع الثلاثة الآخرين وهم ملثمون ومسلحون بالبنادق في وضح النهار حراس نقل أموال في أكبر مجمع ترفيهي في لاس فيغاس هو “إم جي إم غراند لاس فيغاس”.

فاجأ الملثمون الأربعة حراس نقل الأموال، وتمكنوا من تجريدهم من أسلحتهم، وانتزاع أكياس الأموال التي يحملونها وكانت تحتوي على مليون ونصف المليون دولار. بعد عملية السطو التي لم تتجاوز مدتها 54 ثانية، فر الملثمون دون أن يتركوا وراءهم أي أثر.

صُدمت مدينة القمار لاس فيغاس من عملية السطو الكبيرة التي جرت في وضح النهار، ولم تتوصل الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى إلى أي دليل يقود إلا الفاعلين رغم حملة التفتيش الواسعة، ومراجعة صور كاميرات المراقبة الكثيرة.

الحراس الذين يتولون نقل الأموال وجهت إليهم تحذيرات مشددة على خلفية عملية السطو الأولى. وحين وجهت عصابة “فيغوا” ضربتها الثانية وكان هدفها حراسا ينقلون الأموال من كازينو “الصحراء”، رفض هؤلاء أوامر المهاجمين الأربعة المقنعين والمسلحين، بإلقاء أسلحتهم، وتبادل الطرفان إطلاق النار، ما تسبب في إصابة ثلاثة حراس، فيما هرب الأربعة في تلك المرة خاليي الوفاض، لكنهم نجحوا في التواري عن الشرطة في سيارات مسروقة أعدت سلفا لهذا الغرض.

شرطة لاس فيغاس ظنت أن العصابة الغامضة ستهدأ وتوقف لفترة من الوقت نشاطاتها، إلا أن ذلك لم يحدث، وفاجأ الملثمون الأربعة حراس سيارة مصفحة لنقل الأموال في موقف للسيارات في كازينو “ماندالاي باي”، وفي غضون 25 ثانية تمكنوا من حمل أكياس بها 100 الف دولار والهرب إلى جهة مجهولة.

الكثيرون من سكان لاس فيغاس تعاطفوا في البداية مع تلك العصابة التي تنهب كازينوهات القمار، إلا أن ذلك انتهى في 3 مارس عام 2000، حين هاجم الأربعة سيارة مصفحة لنقل الأموال في ضاحية هندرسن، وقتلوا ثلاثة من الحراس. مكتب التحقيقات الفدرالي شكّل إثر ذلك وحدة خاصة كلفت بمطاردة هذه العصابة الغامضة والخطيرة.

الثوري الكوبي وعميل مكتب التحقيقات السابق قرر في العملية التالية السطو على “بيلاجيو”، وهو أشهر كازينو قمار في المدينة، وكان مزودا بمئات الكاميرات وبحراسة مشددة.

اقتحم خوسيه فيغوا والثلاثة الآخرون صباح يوم 3 يونيو عام 2000 الكازينو مشهرين بنادقهم، فيما كان زعيمهم يرتدي نظارات سوداء ويخفي ملامح وجهه بقبعة بيسبول.

وصل أفراد العصابة إلى أدراج المال، وملأوا أكياسا بـ 200 ألف دولار، وغادرو المكان. استقلوا سيارتهم ولحقت بهم سيارة للشرطة، إلا أن فيغوا انحنى من النافذة وأطلق النار على عجلات السيارة التي طاردتهم.

عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي راجع تسجيلات كاميرات المراقبة بدقة أكبر هذه المرة، وتصادف أن ألقى نظرة على الصور التي أوخذت من تسجيلات الكاميرات، الشرطي الذي كان عُين في السابق مشرفا على خوسيه فيغوا، أثناء إطلاق سراحه المشروط، فتعرف عليه على الفور.

تم التعرف على شخصيات أفراد العصابة الأربعة، وجرت مراقبتهم وتتبعهم، ثم جرى القبض عليهم، بما في ذلك زعيمهم فيغوا بعد مطاردة مثيرة.

مكتب التحقيقات الفدرالية، ركز على عضو العصابة أوسكار سانشيز، وكان عثر في منزله على كمية كبيرة من الأسلحة ومن الأموال التي سرقت من كازينو “بيلاجيو”.

تمكن عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي من حل عقدة لسانه، وأبلغهم سانشيز بأن “فيغوا”، هو من قتل الحراس الثلاثة في هجومهم السابق الدامي، ما عرضه لعقوبة الإعدام.

من حسن حظ “فيغوا” الذي التزم الصمت ورفض الرد على أسئلة المحققين، أن مكتب التحقيقات الفدرالي لم يتمكن من حماية شاهده الرئيس في هذه القضايا الكبيرة، وعثر على سانشيز مشنوقا في السجن!

أُدخل خوسيه فيغوا إلى المحكمة تحت حراسة مشددة بفرقة كاملة من القوات الخاصة، وكان مكبلا بالأغلال، ويرتدي قفازات خاصة، وحزام صدمات كهربائية يمسك أحد الضباط في القاعة بجهاز تحكم به.

بعد أن أبرم مكتب التحقيقات الفدرالي “صفقة” معه، اعترف فيغوا بجميع التهم الموجهة إليه وعددها 45، وجرى الحكم عليه بالسجن مدى الحياة.

قبيل ذلك، خاطب المحكمة قائلا: “في عالمي، لا يوجد سوى الصيادين والفرائس. أنا صياد، ولاس فيغاس هي فريستي”.

* المصدر: موقع روسيا اليوم
* المادة نقلت حرفيا من المصدر