أمواج البحر الأحمر تنقل المواجهة إلى مستوى جديد.. هل تتحمّل واشنطن نصيحة الميدان؟
السياسية- متابعات:
بعد عدوان جوي واسع، شمل 73 غارة استهدفت العاصمة اليمنية صنعاء ومحافظات الحديدة وتعز وحجّة وصعدة، وأدّت إلى ارتقاء 5 شهداء وإصابة 6 آخرين من عناصر القوات المسلّحة اليمنية، نقلت الولايات المتحدة الأميركية الصراع الدائر في المنطقة إلى مستوى جديد.
أرادت الإدارة الأميركية، عبر خطوتها التصعيدية، أن توجه رسالة حازمة إلى كل محور المقاومة، باستعدادها للتدخل للمحافظة على مصالحها، ومصالح الكيان الصهيوني في المنطقة.
هذا في الصورة. أمّا في المضمون، فإن التحليلات والتقارير المرافقة أشارت إلى أن ما جرى لن يؤدي إلا إلى خلاف ما أرادته تماماً. فلا محور المقاومة سيرتدع عن دوره في مساندة المقاومة الفلسطينية، ولا هذه الضربات ستمنع تطور الحرب وتدحرجها على المستوى المنطقة، بل على العكس من ذلك، ربما تكون الولايات المتحدة، اليوم، دفعت المواجهة إلى مستوى جديد، ستظهر ملامحه وحدوده في الأيام المقبلة.
محور المقاومة: “أوقِفوا العدوان على غزة”
“لمن يسأل ليطمئن علينا في اليمن: إذا (كانت) المقاومة في غزة بخير فنحن بخير”. لعل هذه التغريدة، لرئيس مجلس إدارة وكالة الأنباء اليمنية، “سبأ”، ونائب رئيس الهيئة الإعلامية لأنصار الله، نصر الدين عامر، تختصر كل المشهد في المواجهة الدائرة على مدى ثلاثة أشهر على مستوى محور المقاومة في وجه الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة.
في السابع من أكتوبر، من العام الماضي، اختارت المقاومة الفلسطينية أن توجه صفعتها الكبرى إلى الاحتلال الإسرائيلي، بعد تماديه في تدنيس المسجد الأقصى، والاعتداء على المقدسيين، والتنكيل بالأسرى، وصولاً إلى استشهاد بعضهم في خضم معركتهم في الإضراب عن الطعام – وهو ما كانت تحذر منه المقاومة العدوَّ الإسرائيلي، مراراً وتكراراً – بالإضافة إلى الاعتداءات المتكررة على قطاع غزة، ومخيمات الضفة الغربية.
اندلعت، على إثر تلك العملية، حرب شرسة قادتها الآلة العسكرية الإسرائيلية على المدنيين، والبنى التحتية في قطاع غزة، مرتكبةً واحدة من أكبر وأفظع المجازر والإبادات الجماعية في التاريخ المعاصر.
في صباح الثامن من أكتوبر، ومع بدء الاعتداءات الجوية على القطاع، بدأت فصائل ودول محور المقاومة تنظيم عملياتها المساندة للمقاومة الفلسطينية، والضاغطة على الكيان الصهيوني، من أجل وقف اعتداءاته على المدنيين.
ومعها بدأت الدبلوماسية الأميركية اتصالاتها وزياراتها المكوكية، في محاولة لمنع انخراط مختلف قوى المقاومة في الصراع الدائر، وكبحها عن ذلك. وكان الجواب موحَّداً: “أوقِفوا الحرب.. تتوقفِ العمليات”.
اليمن
انخرط اليمن في المعركة منذ الأيام الأولى، وبالتدريج، بحيث قام بدايةً بإطلاق الصواريخ والمسيّرات المفخخة على قواعد عسكرية في مدينة أم الرشراش المحتلة (“إيلات”)، ثم أعلن نيته الاحتجاز والاستهداف لكل سفينة تملكها شركة إسرائيلية، أو تعمل لمصلحتها.
وافتتحت هذه المرحلة باحتجاز سفينة الشحن “غالاكسي ليدر” المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي رامي أنغر، قبل أن تعود لتعلن حظر الملاحة في البحر الأحمر عن كل السفن المتجهة إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة.
تطور أعلنت صنعاء، منذ بدايته، أنه مرهون بوقف الحرب وإدخال المساعدات لغزة، وفق بيان ألقاه المتحدث الرسمي القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع، في التاسع من ديسمبر 2023.
هذا الموقف نفسه تجدد اليوم بعد العدوان الكبير الذي نفذته الولايات المتحدة الأميركية، وبعض حلفائها على اليمن. وفي بيان صادر عن سريع، اليوم، وبعد أن أعلن حصيلة العدوان الأميركي على اليمن، عاد وأكد أن هذا العدوان لن يثني اليمن عن موقفه، مؤكداً قرار اليمن منع السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة، من الملاحة في البحر الأحمر وبحر العرب.
المقاومة الإسلامية في لبنان
منذ اليوم الأول من اندلاع الحرب، بدأت الاتصالات والضغوط الأميركية تتوالى على قنوات التواصل مع حزب الله في لبنان، لتحذيره من الانخراط في المعركة.
ضغوط لم تقتصر على الجانب الدبلوماسي فحسب، بل تجاوزته لاستجلاب البوارج الأميركية، والتهديد بحرب إقليمية شاملة في حال دخول المقاومة في لبنان المعركة.
تهديدات لم تُثن المقاومة عن البدء، من 8 أكتوبر، بالعمليات العسكرية على الحدود. بصمت، ومن دون تعليق، بدأت هذه العمليات بالتراكم والتصاعد، كماً ونوعاً، إلى أن أطل الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إطلالته الأولى في الثالث من نوفمبر 2023، ليعلن انخراط حزب الله في المعركة واستمراره في خوضها، تاركاً البوح عن التصعيد في توقيته وشكله للميدان.
حينها، خاطب الأميركيين بأن الذي “يريد منع توسع الجبهات في المنطقة عليه وقف العدوان على القطاع”. وصولاً إلى خطابه الأخير في الخامس من يناير هذا العام، بحيث عاد وأكد أنّ “هدف هذه الجبهة كما هو هدف سائر الجبهات التي فتحت في العراق أو في اليمن، أمران: الأول، الضغط على حكومة العدو وإيلامه من أجل وقف العدوان على غزة. والهدف الثاني، هو تخفيف الضغط عن قطاع غزة في الوضع الميداني القتالي”.
هذا الموقف الحاسم لم يقتصر على المقاومة في لبنان فحسب، بل انسحب إلى الموقف الرسمي، بحيث أعلن رئيس الحكومة اللبنانية، نجيب ميقاتي، في مداخلة، مع بدء أول جلسة لمجلس الوزراء في العام الجديد، أن “الحديث عن تهدئة في لبنان فقط، من دون وقف سريع لإطلاق النار في غزة، أمر غير منطقي”.
المقاومة الإسلامية في العراق
وفي إطار العمل المتكامل لقوى محور المقاومة، أعلنت المقاومة الإسلامية في العراق انطلاق عملياتها، دعماً للمقاومة الفلسطينية، وانتصاراً للشعب الفلسطيني في وجه الإبادة التي يتعرض لها.
تدرجت المقاومة في العراق، من استهداف المواقع الأميركية في العراق، إلى استهداف المواقع الأميركية في سوريا، وصولاً إلى استهداف الأراضي المحتلة، بأسلحة متنوعة وتحقيق إصابات.
وذكر الناطق الرسمي باسم كتائب حزب الله العراق، السيد جعفر الحسيني، في مقابلة خاصة بالميادين، أنّ “المقاومة الإسلامية في العراق ماضية في توسِعة جغرافيا هذه الأهداف ونوعيتها، ما دام الاحتلال الإسرائيلي مستمراً في عدوانه على غزّة”.
وكذلك موقف المقاومة في العراق، رافقه الموقف الرسمي، الذي عبر عنه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، الذي صرّح في حوار له مع وكالة “رويترز” في العاشر من يناير الجاري، بأنّ “إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة هو وحده الكفيل بوقف خطر التصعيد الإقليمي”.
هكذا، بات من الواضح أن عناصر محور المقاومة المتعددة، قبل استهداف القرى الجنوبية، واستهداف قادة المقاومة في لبنان وبعدها، وقبل استهداف الحشد الشعبي في العراق وبعده، وقبل استهداف الأراضي اليمنية وبعدها، مجمعة على أنّ ما يوقف مشاركة أيٍّ منها في الحرب هو توقف الحرب، ولا شيء غير ذلك.
جاهزية قوى محور المقاومة
واقع جديد أظهرته الاعتداءات الأميركية على اليمن فجر الأمس. فقوى محور المقاومة ليست متحدة في الوقوف في وجه العدو الإسرائيلي دفاعاً عن فلسطين والشعب الفلسطيني فحسب، وإنما هي حاضرة أيضاً لمواجهة أي خطر قد يحدق بأيٍّ منها.
واقع ابرزته أولاً تصريحات الحسيني، بحيث أكّد على أن “أيّ اعتداء على اليمن “سيضع كل الحسابات والاعتبارات جانباً، وستكون جميع الخيارات مفتوحة أمامنا، وستكون هناك ردود من المقاومة الإسلامية في العراق”.ثم ظهر جلياً في البيانات الصادرة تباعاً، بعد الاعتداء، عن قوى المقاومة جميعاً من دون استثناء. فمن بيان المقاومة الإسلامية في العراق، إلى بيان حركة المقاومة الإسلامية، حماس، وصولاً إلى حركة الجهاد الإسلامي، ومعها بيان حزب الله في لبنان، الذي أكد أنّ هذا العدوان “لن يفتّ في عضد اليمن، بل سوف يزيده قوةً وعزيمةً وشجاعةً على مواجهته والدفاع عن نفسه”.
واشنطن جزء من حرب لا تريد التورط فيها
لم يحقق أي عدوان على أيٍ من قوى محور المقاومة هدفه في منعها من استهداف “إسرائيل” والمصالح الإسرائيلية في المنطقة، لكن الضربة، التي وُجهت فجر الأمس إلى اليمن، لها أثار أكثر خطورة.
فهي أولاً، ستزيد في خشية شركات الملاحة من الشحن إلى الموانئ الفلسطينية المحتلة. كما أنها لها أثار كبيرة على مستوى الأمن الاقتصادي العالمي، بالإضافة إلى إثارة مخاوف دول عربية صديقة للولايات المتحدة، ودفعها إلى الوقوف على الحياد بعيداً، حفاظاً على مصالحها.
وفوق كل ذلك، تزج ضربة الولايات المتحدة بواشنطن لتكون شريكاً مباشراً في صراع، كانت تسعى لتطويقه وعدم امتداده وتحوله إلى حرب إقليمية.
وفي هذا الإطار، أكّدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، اليوم، أنّ مسؤولين أميركيين توقعوا أن يواصل اليمنيون “ضرب السفن بعد فترة وجيزة من الضربات الأميركية”، للإشارة إلى أنّه “لن يتم ردعهم وسيستمرون في تشكيل تهديد للسفن المبحرة في البحر الأحمر”.
وأضافت أنّ “هناك مخاوف من أن تتصاعد الضربات على اليمن إلى ضربات متبادلة بين السفن البحرية الأميركية والقوات اليمنية”.
وقالت “نيويورك تايمز” إنه بعد الهجمات التي قادتها الولايات المتحدة في اليمن “لم يعد السؤال عما إذا كانت الحرب بين إسرائيل وحماس سوف تتصاعد إلى صراع أوسع. السؤال هو ما إذا كان من الممكن احتواؤه”.
وفي هذا إشارة إلى أنّ “التدخل العسكري الأميركي الأعمق يضيف إلى التصور السائد في العالم، أن الولايات المتحدة تتصرف بصورة مباشرة نيابة عن إسرائيل، وهو ما يخاطر بمزيد من الضرر للمكانة الأميركية والغربية مع ارتفاع عدد القتلى في غزة”.
كذلك، نشرت صحيفة “واشنطن بوست” أن “من شبه المؤكد أنّ هجمات يوم الخميس في اليمن، ستؤدي إلى زيادة التوترات في جميع أنحاء الشرق الأوسط”.
أما صحيفة “بلومبرغ” فقالت إنّ الغارات الجوية تُعَدّ “مقامرة بالنسبة إلى الولايات المتحدة التي قالت مراراً وتكراراً إنّ الأولوية وسط القتال بين إسرائيل وحماس هي لمنع الصراع من التصاعد إلى حرب إقليمية أكبر”.
وقالت: “مع احتمال حدوث مزيد من الضربات المتبادلة، سيكون البحر الأحمر طريقاً أقل جاذبية لشركات الشحن”.
وبمجرّد إعلان الضربة الجوية على اليمن، ارتفعت أسعار برميل النفط أكثر من 2%، مع التوقعات بارتفاعها أكثر. كما أعلنت شركة ناقلات الوقود الدنماركية “تورم” توقف جميع عمليات العبور عبر جنوب البحر الأحمر.
وأعلنت وزارة الخارجية السعودية أنّ المملكة “تتابع بقلق العمليات العسكرية التي تشهدها منطقة البحر الأحمر والغارات التي تعرضت لها مواقع في اليمن”.
وأضافت أنّ المملكة “تؤكد أهمية المحافظة على أمن منطقة البحر الأحمر واستقرارها”، داعيةً إلى “ضبط النفس وتجنب التصعيد”.
الميدان “ينصح” واشنطن؟
بغض النظر عن طبيعة الأهداف التي أرادت الولايات المتحدة الأميركية تحقيقها من خطوتها التصعيدية فجر الأمس، إلا أن الواضح، حتى الآن، أن رياح البحر الأحمر لن تجري كما تشتهي السفن الأميركية.
الحصار البحري للموانئ الإسرائيلية مستمر. وعمليات قوى محور المقاومة لن تتوقف. وسعي الولايات المتحدة لعدم توسع الحرب بات أكثر صعوبة بعد انخراطها المباشر فيها بهذا الشكل “نيابة عن إسرائيل” في عدة محاور، بالإضافة إلى الأثار الدبلوماسية المتمثلة بابتعاد حلفائها العرب في المنطقة، خطوتين إلى الخلف. والأثار الاقتصادية على مستوى الملاحة في البحر الأحمر، وأسعار النفط عالمياً.
في حين كانت الولايات المتحدة الأميركية تدعو الحكومة الإسرائيلية إلى “التعقل” وعدم الانجرار خلف غضبها، وإدارة المعركة بـ”هدوء”، يبدو أنها تحتاج الى من ينصحها بذلك، أو ربما سيتولى الميدان المهمة… لكنها ستكون نصيحة مكلفة!
– مصطفى خليفة
– المصدر: الميادين نت
– المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع