بين المضيق والقطاع
د. علي أكرم زعيتر*
قراران اتخذتهما القيادة الصهيونية مؤخراً يؤشران إلى وقوع أمر بالغ الأهمية، لم تتكشف حيثياته حتى الآن:
– الأول، قرار قيادة العدو العسكرية بتسريح خمسة أولوية احتياط.
– الثاني، إعلان وزير الخارجية الصهيوني إيدي كوهين، عن نية حكومته السماح للسفن الأوروبية بإيصال المساعدات للفلسطينيين في غزة.
فما السر وراء هذين القرارين؟ وهل من رابط بينهما؟
في حين يعزو عدد من الكتاب والمحللين قرار سحب الألوية الخمسة وتسريحها إلى عجز جيش العدو الصهيوني عن مواصلة المعركة واقتراب موعد انتهائها، بعدما فرغ بنك أهدافه دون أن يحقق منها شيئاً، يرى آخرون أن الأمر متعلق أولاً وأخيراً بالعجز الذي يرزح تحت وطأته الاقتصاد الصهيوني، جراء حالة الشغور في الوظائف والأعمال، والتي تسبب بها ــ كما بات معلوماً ــ تسرُّب ما يزيد عن ٢٢٠ ألفاً من الموظفين والعمال والصناعيين والتقنيين والخبراء الصهاينة والتحاقهم بجبهة غزة.
والحقيقة، أن كِلا الرأيين لا يخلوان من الصحة، فحاجة الاقتصاد الصهيوني المترنح ليد عاملة ولتقنيين وصناعيين وموظفين، فضلاً عن الإخفاقات الميدانية المتكررة، وتكبد قوات الاحتلال الكثير من الخسائر، كل ذلك مضافاً إليه وصول العملية العسكرية إلى حائط مسدود نتيجة فشلها في تحقيق أي من أهدافها، حدا بقيادة جيش الاحتلال إلى سحب الألوية الخمسة إياها، على أمل إعادة إنعاش الاقتصاد الصهيوني ، والتخفيف من حدة الاستنزاف المالي.
إن ترك أكثر من 220 ألف عامل وموظف، وظائفهم وأعمالهم المدنية والتحاقهم بعديد الجيش، يعني في لغة الاقتصاد ما يلي:
تحمل أعباء مالية إضافية، فالجندي أيما جندي، سواء كان في الاحتياط أو الخدمة الفعلية، يتقاضى راتبه، دون أن يضيف شيئاً إلى عجلة الإنتاج، ما يعني أن الحكومات التي تستدعي جنودها خلال الحروب، إنما تزيد على كاهلها أعباءً إضافية، فما بالك إذا كان هؤلاء المستدعون ممن يشغلون وظائف وأعمال ويديرون مؤسسات؟ لا شك أن الأعباء ستكون مضاعفة.
ولعل ما زاد من معاناة اقتصاد الكيان الصهيوني المترنح أساساً، بفعل تداعيات الحرب واستدعاء قوات الاحتياط، هو توجيه رجال البحرية اليمنية ومجاهدي أنصار الله عدداً من الضربات القاصمة للسفن الصهيونية أو حتى تلك التي تنقل بضائع إلى كيان الاحتلال دون أن يكون مالكوها صهاينة، ما رفع من أسعار السلع المستهلكة، وفاقم من معاناة المستوطنين.
إن الاقتصاد الصهيوني الذي يعتمد بنحو ٧٠٪ منه على الاستيراد يجد نفسه عاجزاً عن التعايش مع ارتفاع كلفة الاستيراد، ما حدا بالمسؤولين السياسيين في كيان الاحتلال إلى البحث عن طرق بديلة لتفادي المرور في المياه الإقليمية اليمنية ومناطق نفوذ أنصار الله، ولمّا كان الأمر بدوره مكلفاً، فقد اضطر هؤلاء إلى التراجع قليلاً، فأوعزوا إلى وزير خارجيتهم، كيما يخرج على الإعلام ويدلي بما أدلى به.
إن خسائر الميدان، مضافاً إليها خسائر الاقتصاد الناجمة عن الحرب وعن الحصار البحري الذي ضربه اليمن على كيان الاحتلال، دفع بقادة هذا الكيان إلى العمل على محورين، بغرض التخفيف من وطأة المعاناة، فكانوا أن أمروا بتسريح نحو مئتي وعشرين ألف جندي احتياط أولاً، ثم صرحوا بنيتهم تخفيف القيود المفروضة على إيصال المساعدات لغزة، ما يعني أن الغزاويين واليمنيين ومحور المقاومة عموماً أمام فتح جديد، جاء هذه المرة من بوابتين مختلفتين، بوابة المضيق وبوابة القطاع.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب