مأزق محمد بن سلمان في اليمن
بقلم : توماس ليبمان*
(صحيفة “فرايتاج” الألمانية نقلا عن موقع مؤسسة “لوبلوج” الأميركي التابع لمعهد الدراسات السياسية بواشنطن، ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ)-
من غير المرجح أن ينهي قرار الإمارات العربية المتحدة بسحب معظم قواتها التي تقاتل المتمردين الحوثيين في اليمن النزاعات المتعددة التي تدور رحاها في هذا البلد التعيس، ولكن يمكن أن يكون له آثار أوسع على العلاقات بين الإمارات وشريكها الإقليمي الأكثر أهمية، السعودية.
المملكة العربية السعودية، متمثلة في شخص ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ملتزمة بالحرب ضد الحوثيين ويتم وصفها بأنها هي من يقود “التحالف” الذي ينفذ العملية العسكرية الطويلة ضدهم. لكن الإمارات العربية المتحدة هي التي نفذت معظم العمليات القتالية على الأرض. فقد حصر السعوديون أنفسهم كليا تقريبا في الضربات الجوية.
حتى مع وجود دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل كامل، فإن السعوديين ليسوا أقرب إلى تحقيق أهدافهم عما كانوا عليه عندما تدخلت في النزاع اليمني قبل أربع سنوات. الآن يظلون ملتزمين بالحملة لكنهم يفتقرون إلى الأداة الأكثر أهمية لشنها.
قال المسؤولون الإماراتيون إن قرار الانسحاب كان قيد المناقشة منذ فترة، وأن السعوديين كانوا على علم بذلك ، وحتى الآن لم يصرح السعوديون بغير ذلك، على الأقل علناً. لكن من الصعب تجنب الاستنتاج بأن انسحاب الإمارات قد ترك المملكة العربية السعودية لوحدها في الساحة تعاني من ضعف كبير.
وقد وضح تقرير حديث في صحيفة نيويورك تايمز الأمر بكل صراحة وقال أنه في حين قاتل السعوديون بالكامل تقريباً من الجو، قاد الإماراتيون، المتمرسين بسنوات من القتال إلى جانب الجيش الأمريكي في أفغانستان وغيرها، كل تقدم بري ناجح تقريباً. ومن خلف الكواليس، لعب الضباط الإماراتيون والأسلحة والمال دوراً مهماً بنفس القدر في تجميع تحالف متشعب من الميليشيات اليمنية التي تتبادل العداء فيما بينها، والتي بدأت بالفعل تتصارع لملء فراغ السلطة الذي خلفه الإماراتيون. كما أن الانسحاب الإماراتي أضعف بشدة قدرة التفاوض لدى السعوديين ، مما رفع التكلفة المحتملة للأمير محمد لأي مفاوضات لإنهاء هجمات الحوثيين.
ومع ذلك، توقع السفير الأمريكي السابق في اليمن جيرالد فييرشتاين مؤخراً أن السعوديين “سيواصلون حملتهم بغض النظر عن ما يفعله الإماراتيون أو الولايات المتحدة” لأنهم يعتقدون أنهم ليس لديهم بديل. لقد سعى الحكام في السعودية لإقناع الجمهور السعودي بأنهم ينظرون إلى الصراع مع الحوثيين على أنه حرب ضرورية، وليس حرب اختيارية ، وبكل المقاييس. السعوديون ليسوا مستعدين للتسامح مع وجود قوة عسكرية مدعومة من إيران في الجانب الآخر من الحدود الجنوبية ، خاصة وأن الحوثيين يطلقون الصواريخ على المطارات والمدن السعودية.
في مايو الماضي، بعد اجتماع في واشنطن مع وزير الخارجية مايك بومبو ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جون بولتون لم يشر وزير الخارجية الإماراتي ، عبد الله بن زايد آل نهيان إلى أن بلاده تستعد للانسحاب من الحرب ضد الحوثيين أو من الصراع المنفصل في وسط اليمن ضد تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية.
ترحب دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون المستمر مع الولايات المتحدة في اليمن لمواجهة الحوثيين المدعومين من إيران ومواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي شن هجمات متعددة ضد المواطنين والمصالح الأمريكية”.
ومع ذلك، يقول الإماراتيون الآن إنهم بحاجة إلى إعادة نشر بعض قواتهم في الوطن في حالة أي عدوان من قبل إيران، الدولة المحاصرة بالعقوبات الأمريكية المشددة و التي تواجه الانتقادات على الشركاء والحلفاء الأمريكيين. قال المسؤولون الإماراتيون إنهم دربوا عدداً كافياً من الجنود اليمنيين بحيث يستطيع اليمنيون تحمل المزيد من الأعباء.
وفي حين أن الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية دعمتا مختلف الفصائل في الصراع اليمني المعقد ، إلا أنهما كانتا تتصرفان بخلاف السياسة في جميع أنحاء المنطقة، وليس فقط في معارضة إيران. كان محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد إمارة أبوظبي، مرشداً وصديقاً لنظيره السعودي الشاب.
وكانا هما من المخططان للمقاطعة التي فرضتها بلادهما على قطر المجاورة إلى جانب مصر والبحرين. وقد توحدا في الدعم المالي للنظام المصري الاستبدادي لعبد الفتاح السيسي. مقاطعة قطر تماماً مثل الحملة اليمنية، فشلت في تحقيق الهدف المرجو وهو إجبار قطر على التخلي عن دعم التنظيم المعروف باسم جماعة الإخوان المسلمين، بل دفع ذلك قطر إلى تعاون اقتصادي أوثق مع إيران. كما أن قطر لم تغلق شبكة الجزيرة الإخبارية أو تطرد الفريق العسكري التركي منها، كما طالب السعوديون والإماراتيون.
أدت المقاطعة إلى تعطيل الحياة الطبيعية وأنماط العمل والسفر جواً إلى جميع أنحاء الخليج ، لكن القطريين سرعان ما تكيفوا على ذلك . استبدلوا البضائع من تركيا وإيران بالمنتجات التي اعتادوا شرائها من المملكة العربية السعودية ، وهم يقومون بأعمال التصدير المربحة للغاز الطبيعي كما كان من قبل. كان الإنجاز الحقيقي الوحيد للمقاطعة هو الانهيار الشامل لمجلس التعاون الخليجي ، وهو تجمع يضم ستة من الممالك التي تقع على الجانب العربي من الخليج بهدف تعزيز التكامل التجاري والاقتصادي. و مع توحد الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين في مقاطعة قطر ، تُرك العضوان المتبقيان، الكويت وعمان، لجهود عقيمة في عملية الوساطة.
لقد مرت تسعة أشهر منذ أن دعا وزير الخارجية بومبيو إلى إنهاء الحرب في اليمن. وقال إن الولايات المتحدة “تدعو جميع الأطراف إلى دعم المبعوث الخاص للأمم المتحدة مارتن غريفيث في إيجاد حل سلمي للنزاع في اليمن على أساس المراجع المتفق عليها. لقد حان الوقت الآن لوقف الأعمال القتالية، بما في ذلك ضربات الصواريخ والطائرات بدون طيار من المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبعد ذلك ، يجب أن تتوقف الغارات الجوية للتحالف في جميع المناطق المأهولة بالسكان في اليمن “.
ولا يزال غريفيث يعمل، ويبحث عن صيغة سياسية يمكن أن تنهي الحرب، لكنه فشل حتى الآن لأنه لم يتضرر أي من الأطراف بما يكفي ليشعر بأنه مضطر إلى الاستقرار. الآن يمكن أن يزداد الضغط على المملكة العربية السعودية لإيجاد مخرج لها لحفظ ماء الوجه.
بعد أربع سنوات من ما كان من المفترض أن يكون حرباً سريعة ضد الحوثيين، ليس لدى الحكومة السعودية سوى القليل من النجاحات التي يمكنها أن تقدمه للجمهور السعودي من نجاحات في اليمن؟ ناهيك عن أن القوات المسلحة السعودية تكبدت بعض الخسائر في اليمن. قام الإماراتيون وعدة آلاف من القوات السودانية بمعظم العمليات القتالية على الأرض، ووفقًا للمحللين العسكريين، يتجنب الطيارون السعوديون إطلاق النار المضاد للطائرات من خلال الطيران على ارتفاعات لا يمكن أن تصل إليها البنادق – مما يؤدي مع الأسف إلى استهداف غير دقيق وإلى سقوط ضحايا من المدنيين.
إن تراجع الإمارات عن التزامات الحرب ضد الحوثيين قد لا يشهد أي خرق أكبر الأمير محمد بن سلمان والأميرمحمد بن زايد. ولكن إذا حدث ذلك، فقد يجبر محمد بن سلمان العنيد إلى خلق برنامج لإعادة ترتيب مواقف المملكة العربية السعودية في جميع أنحاء المنطقة. فهو إن لم يتمكن من الاعتماد على محمد بن زايد في الوقوف معه، على من غيره سيعتمد؟!!!
———–
*توماس ليبمان مؤلف وصحفي مقيم في واشنطن يكتب في شؤون الشرق الأوسط والسياسة الخارجية الأمريكية لأكثر من أربعة عقود، متخصص في الشؤون العربية السعودية والعلاقات الأمريكية السعودية والعلاقات بين الغرب والإسلام. وهو مدير مكتب الشرق الأوسط السابق التابع لصحيفة واشنطن بوست، كما شغل منصب مراسل النفط والطاقة في تلك الصحيفة. طوال التسعينيات، عمل على تغطية السياسة الخارجية والأمن القومي وقام بزيارات كثيرة للمملكة العربية السعودية ودول أخرى في الشرق الأوسط كما أنه باحث مساعد في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، حيث يعمل كجهة اتصال إعلامية رئيسية في المملكة العربية السعودية والعلاقات الأمريكية السعودية.