الديموقراطيون يساندون اليمن
بقلم: جورجيو كافييرو وأندرياس باراسكيفوبولوس
( موقع “لوبلوج الامريكي”, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
كان دعم واشنطن للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن مثيراً للجدل، على أقل تقدير. ويُعزى ذلك إلى حد كبير إلى أن الحرب خلقت أسوأ كارثة إنسانية من صنع الإنسان في العالم. لقد جعلت الحرب سكان اليمن يعانون من المجاعة وسوء التغذية وتفشي الكوليرا. كما أدى النزاع إلى نزوح 3.3 مليون شخص كما خلفت ما يقرب من 18 مليون شخص دون الحصول على مياه الشرب والصرف الصحي. ما يقرب من 80 % من السكان يحتاجون حالياً إلى الحماية والمساعدة, و ما يقرب من ثلثي السكان اليمنيين يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
منذ أن تولى دونالد ترامب رئاسة البيت الابيض، ومنذ مقتل جمال خاشقجي في أكتوبر 2018، يخضع دور أمريكا في حرب اليمن لمزيد من التدقيق داخل بيلتواي ” Beltway” – هو تعبير أمريكي يستخدم لوصف الأمور التي يبدو أنها مهمة- بشكل أساسي من قبل مسؤولي الحكومة الفيدرالية الأمريكية، لمقاوليها وجماعات الضغط، ولوسائل الإعلام التي تقوم بتغطيتها، حيث أدى هذا الصراع المدمر إلى حدوث خلاف متزايد بين كلا من البيت الأبيض من جهة والمشرعين من جهة أخرى.
تنظر إدارة ترامب والسعوديين إلى حرب اليمن من خلال نفس العدسة الأساسية, حيث يمثل المقاتلون الحوثيون، في هذه الرواية امتداداً لنفوذ إيران في العالم العربي والبحر الأحمر، مما يعني أن توطيد سلطتهم في شمال اليمن يهدد المملكة العربية السعودية تماماً مثل حزب الله في لبنان الذي يهدد أمن إسرائيل.
لكن هذه الرواية، التي تقبلتها مؤسسة العاصمة إلى حد كبير عندما تدخل السعوديون في اليمن في عام 2015، تفتقر بشكل متزايد إلى المصداقية بين المشرعين، وخاصة الديمقراطيين.
يعتقد المزيد من السياسيين كما جاء في صحيفة ذا هيل أن التدخل العسكري الأمريكي في اليمن يجب أن يكون موجهاً لمواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، والدولة الإسلامية (داعش) وغيره من المتطرفين السنّة العنيفين، وليس الحوثيين.
من هذه النقطة، كانت الحرب التي تقودها السعودية مضللة استراتيجيا وأخلاقيا وسياسات إدارة ترامب لصالح التحالف العربي كانت متهورة.
رد فعل الكونغرس:
في أبريل، أصدر الكونغرس قراراً مدعوماً من الحزبين لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب. يستند القرار إلى قرار سلطات الحرب لعام 1973, الذي يمنح الكونغرس الولاية القضائية لإجبار الرئيس على إزالة القوات المشاركة في “الأعمال العدائية” في الخارج، إذا لم يصدر الكونغرس “إعلان حرب” رسمي أو تفويض قانوني محدد. ”
على الرغم من الجهود التي بذلها الكونغرس، استخدم الرئيس ترامب حق النقض (الفيتو) ضد قرار سلطات الحرب، ثم احبط جهوداً أخرى بذلها الكونغرس لمنع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وحلفائها.
وعلى وجه التحديد، تم “تعجيل 22 اتفاقية بيع للسلاح بقيمة بلغت حوالي 8 مليارات دولار دون منح الوقت للإشراف عليها من قبل الكونغرس”، مع استخدام ترامب الفيتو ضد جميع القرارات التي تحاول منع المبيعات.
استخدمت الإدارة ذريعة الطوارئ لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقات, حيث قال وزير الخارجية بومبيو إن التأخير في تسليم الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن من شأنه أن يحول دون استقرار المنطقة، ويترك الحلفاء الأمريكيين مكشوفين ودون دفاع في مواجهة العدوان الإيراني.
لتقليل قدرة الرئيس على الاستفادة بشكل مكثف من بند الطوارئ في المستقبل، أقرت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ مشروع قانون يقيد الاحتجاج فقط على القضايا المتعلقة بـ “الحلفاء الأمنيين من الدرجة الأولى”، بما في ذلك أعضاء الناتو، أستراليا، إسرائيل, اليابان, نيوزيلندا وكوريا الجنوبية, فهذا الإجراء لا يزال في الطريق لإقراره من خلال العملية التشريعية.
في وقت سابق من هذا الشهر صوت مجلس النواب, في تحدٍ لترامب، لصالح اتخاذ تدابير لمنع مبيعات الأسلحة البالغة قيمتها 8 مليارات دولار إلى الرياض وأبو ظبي.
على الرغم من أن ترامب في الأيام الأخيرة اعترض على هذه الجهود لتقييد مبيعات الأسلحة الأمريكية، إلا أن هذه الأصوات توضح مدى تحول المواقف في واشنطن بشأن الأزمة اليمنية.
المراهنة على ترامب تشكل خطورة على الرياض:
لقد أثبت ترامب باستمرار التزامه بتحالف واشنطن-الرياض. وعلاوة على ذلك، فقد أظهر قوة علاقته الوثيقة مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان, حيث ظهرت هذه العلاقة مؤخراً في الإعلان عن خطط الولايات المتحدة لنشر 500 عسكري في المملكة، حيث ستستضيفهم الحكومة السعودية كجزء من حشد عسكري أمريكي في الخليج الفارسي يهدف إلى مواجهة إيران.
لكن المسؤولين السعوديين يدركون أنه في يوم من الأيام ستنتهي رئاسة ترامب، ربما في يناير 2021, يواجه محمد بن سلمان، الذي من المتوقع أن يصبح الملك القادم للمملكة العربية السعودية، أزمة متعلقة بالسمعة في واشنطن نتيجة اغتيال خاشقجي، وهذه الأزمة سوف تعمر الى ما بعد فترة ترامب في المكتب البيضاوي.
ومن المرجح أن يضر استمرار الحملة العسكرية السعودية في اليمن بسمعة المملكة في واشنطن بالفعل، حيث أن موقف محمد بن سلمان في وضع لا يستطيع فيه العودة لزيارة العاصمة بسبب الاحتجاج بشأن خاشقجي.
إذا كان للديمقراطيين أن يستعيدوا البيت الأبيض، فقد يعني ذلك مشاكل خطيرة للسعوديين بسبب المواقف التي يتبناها معظم الديمقراطيين في القضايا الرئيسية المرتبطة بالسعودية.
هناك إجماع واسع النطاق بين معظم الديمقراطيين على أن مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية يجب أن يتم تجميدها حتى يعود السلام إلى اليمن وأن على واشنطن العودة إلى الاتفاق بخصوص القدرة النووية الإيرانية.
وفي الوقت نفسه، كان هناك عدد متزايد من المشرعين، معظمهم من الديمقراطيين، يثيرون قلق بشأن بعض القضايا مثل التعاون النووي الأمريكي السعودي، ومحنة نشطاء حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية، و”حملة محمد بن سلمان” ضد الفساد في فندق ريتز كارلتون في عام 2017, الخلاف الدبلوماسي للمملكة السعودية مع كندا في العام الماضي، وملف عبد الرحمن سمير نورة وهلم جرا.
قد تؤدي المراهنة على رئاسة ترامب إلى تحقيق مكاسب قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل للسعوديين. ولكن لحماية مصالحها على المدى الطويل، يجب على المملكة أن تستثمر أكثر في الحفاظ على شراكة المملكة العربية السعودية التاريخية مع الولايات المتحدة كدولة, وليس مع أي رئيس أو إدارة أو حزب سياسي معين.
إن المدى الذي أصبحت فيه القيادة السعودية مؤيدة لترامب (بقدر ما كانت معادية لأوباما) أثارت خطاباً معادياً للسعوديين من جانب المزيد من الديمقراطيين, إذا أصبح الديمقراطيون الحزب المسيطر في واشنطن في عام 2021 ، فسوف يحتاج المسؤولون السعوديون إلى طرح أسئلة مهمة حول نوع العلاقة التي يريدون استمرارها مع حكومة الولايات المتحدة التي تغيرت كثيراً.
بالنظر إلى المستقبل، يجب على السعوديين اتخاذ خطوات لإعادة بناء علاقات قوية مع الديمقراطيين وتجنب وضع كل رهاناتهم على رئاسة ترامب, إحدى الخطوات التي يمكن أن تتخذها قيادة المملكة لتمهيد الطريق لعلاقات أفضل مع الديمقراطيين هي الإشارة إلى مقاربة جديدة لليمن.
ومع ذلك، تشير قراءة أكثر تشاؤماً للوضع إلى أن السعوديين قد يرون أن الفترة من الآن وحتى انتخابات نوفمبر 2020 تشكل نافذة ضيقة من الفرص أمام الرياض للاستفادة الكاملة من رئاسة ترامب ومواقفه المؤيدة للسعودية بشأن القضايا الحساسة, وإذا كان الأمر كذلك، فإن فترة الـ 16 شهراً القادمة قد تكون خطرة بشكل خاص على اليمن.
*أندرياس باراسكفوبولوس متدرب في شركة جلف ستيت أناليتيكس، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر الجيوسياسية ومقرها العاصمة ,واشنطن, و جورجيو كافييرو المدير التنفيذي ومؤسس شركة جلف ستيت أناليتيكس، وهي شركة استشارية في مجال المخاطر الجيوسياسية ومقرها واشنطن, بالإضافة إلى لوبلوج، يكتب أيضاً في المونيتور, ومعهد الشرق الاوسط, ومجلة المصلحة الوطنية الامريكية من 2014-2015 ، كان كافييرو محللًا في Kroll، وهي شركة استشارية للتحقيق في العناية الواجبة, حصل على ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة سان دييغو.