السياسية:

فتحُ الجبهة الجنوبية في غزة شكّل سبباً في مزيد من الخسائر البشرية والمادية في صفوف قوات الاحتلال المتوغلة في القطاع خلال العدوان البري، وهذا ما يفسّر الارتفاع الكبير في أرقام القتلى والجرحى العسكريين الصهاينة في الأيام الأخيرة.

يزداد التوغل البري في غزة صعوبةً بالنسبة إلى قوات الاحتلال، مع استمرار “الجيش” الصهيوني في دفع مدرعاته وجنوده في اتجاه السيطرة على مراكز الكتل العمرانية الأساسية في قطاع غزة، وهو ما لم يتمّ تحقيقه حتى الساعة، سواء في الشمال أو في الجنوب، بسبب تصدي المقاومة.

وبينما لم يتمكن الصهيوني بعدُ من تحقيق انتصار في المعركة شمالاً، ومن السيطرة على المراكز العمرانية ومناطق واسعة غير عمرانية في الشرق، من جهة جباليا ومدينة غزة، قررت قيادة الاحتلال فتح المعركة في الجنوب تحت ضغط غياب الإنجازات العسكرية الحقيقية في الشمال، وصعوبة حسم المعركة وضغط الوقت.

فبعد شهرين من الحرب، ومع إعلان نتنياهو ووزيري كابينت الحرب، غالانت وغانتس، ومستشاريهم، أنّ الهدف من العملية البرية هو سحق حماس وسلطتها في غزة واستعادة الأسرى، لا يبدو أنّ الصهيوني حقّق من هذه العملية سوى دمار هائل في القطاع، وإبادة جماعية للمدنيين، حذّر كبار المسؤولين في الولايات المتحدة، من أنها سترتدّ على سمعة “إسرائيل” المشوّهة دولياً وعلى مستقبلها.

وشكّل فتح الجبهة الجنوبية سبباً في إضافة عبء جديد وخسائر بشرية ومادية إضافية في صفوف قوات الاحتلال المتوغلة في القطاع خلال العدوان البري، وهذا ما يفسّر الارتفاع الكبير في أرقام القتلى والجرحى، الذين أعلنهم جيش الاحتلال الصهيوني ، في الأيام الأخيرة.

معدّل قتلى الاحتلال اليومي المعلن يرتفع نحو 40%
وصل عدد قتلى الاحتلال إلى أكثر من 442 جندياً صهيونيا منذ إطلاق عملية طوفان الأقصى، في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، بحسب جيش الاحتلال، بينهم 119 جندياً على الأقل، قُتلوا خلال تصدي المقاومة الفلسطينية للاجتياح البري، 47 منهم قُتلوا في الأيام التي تلت انتهاء الهدنة المعلنة، وأكثر من ثلثهم من الضباط، ومن أصحاب الرتب المتوسطة والرفيعة.

وبالتالي، يمكن القول إنّ معدّل القتلى اليومي بين جنود الاحتلال، بسبب تصدي المقاومة في غزة خلال العملية البرية، ارتفع من نحو 2.5 يومياً خلال الأيام الـ28 الأولى من العملية في الشمال إلى نحو 3.8 خلال الأيام العشرة الأخيرة في الشمال والجنوب.

كما أنّ الإعلام الصهيوني كشف، بعد تكتم الاحتلال طوال الشهر الفائت، أنّ عدد الجنود المصابين منذ “طوفان الأقصى” فاق 5000 مصاب، بينهم نحو 2000 أُصيبوا بإعاقات دائمة، ونحو 250 أُصيبوا بعمى تامّ أو جزئي، على الرغم من أنّ جيش الاحتلال لا يزال يصرّ على أنّ الرقم أقل من 1550، وفق سياسة تعتيم بدأ الإعلام الصهيوني يشكو كونه غير قادر على مجاراتها.

وأكّدت هذه التقارير أنّ نحو 60 جندياً صهيونيا يدخلون يومياً المستشفيات نتيجة إصابات متعددة من جرّاء القتال في غزة ضد المقاومين الفلسطينيين، إصابات نحو ثلثهم متوسطة أو خطيرة.

ومع تزايد مساحة الاشتباكات مع المقاومين، الذين لا يُظهرون أي تراجع عن استهداف قوات الاحتلال بكل الوسائل الممكنة، يمكن الحسم عبر القول إنّ الأيام المقبلة ستحمل مزيداً من القتلى والجرحى الصهاينة، الذين سيُثقلون فاتورة نتنياهو وحكومة حربه أمام “الرأي العامّ” الصهيوني ، في ظلّ عدم تحقيقه الإنجازات التي وعد بها.

وصباح أمس الثلاثاء، أظهرت المقاومة قدرة مقاتليها على تنفيذ عمليات معقدة، مع الإعلان عن كمين حي الشجاعية المزدوج وتأكيد جيش الاحتلال اليوم سقوط 8 قتلى بينهم 4 ضباط من لواء غولاني، أبرزهم قائد كتيبة وقائدي سرية.

ولا شك أن أثر هذا الكمين ظهر مباشرة في الاحباط الذي خلفه في وسائل إعلام الاحتلال، والحديث عن “الصباح الأصعب” منذ بدء العدوان والتوغل البري في غزة، وهو ما يعكس صمود المقاومة ويدحض مزاعم الاحتلال حول تراجع قواتها أو استسلام مقاتليها، لا سيما وأن الحديث يدور عن معارك ما تزال تجري في شمال قطاع غزة، لا في جنوبه.

فشل عمليات تحرير الأسرى زاد في أزمة نتنياهو
شكّلت عملية الكومندوس الفاشلة، والتي سعت قوات خاصة إسرائيلية لتنفيذها في القطاع، بهدف استعادة أسير محتجز لدى قوات القسام، قبل أيام، سبباً جديداً في سدّ آفاق تحقيق أي صورة من صور النصر السريع في غزة لنتنياهو، إذ أدت إلى مقتل الأسير وإصابة عناصر من القوة الإسرائيلية الخاصة بجروح بليغة.

كما أدت العملية التي قتل فيها غال آيزنكوت مع مقاتل آخر في وحدة عمليات الإنقاذ القتالية الصهيونية ، لتحرير أسيرين صهاينة، إلى مقتل الأسيرين واستعادتهما جثتين، وهو ما يعدّ فشلاً مركباً.

ويعني ذلك أنّ خطط الاعتماد الصهيوني على عمليات الكومندوس لتحرير الأسرى، على غرار ما قامت به قوات أميركية في بعض الدول، تراجعت أسهمها بصورة كبيرة، مع بروز قدرة مقاتلي وحدة الظل في القسام على مواجهة القوات الخاصة الصهيونية ، وإفشال عملياتها.

عمليات المقاومة تشتدّ كماً ونوعاً
في موازاة ذلك، تزداد عمليات المقاومة فعاليةً مع استدراج القوات المدرّعة الصهيونية إلى داخل المدن والكتل العمرانية، وهو ما ظهر في تكبّد الاحتلال خسائر متفاقمة، بشرياً ومادّياً.

وأظهرت الأيام الماضية زيادة في قدرة المقاومين الفلسطينيين، في كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب المجاهدين والأقصى وغيرها من الفصائل الموجودة في أرض المعركة، على القيام بمناورات هجومية منسَّقة، والعمل براحة أكبر في مواجهة قوات الاحتلال المتوغلة في مناطق الشمال والجنوب في قطاع غزة.

وبدأت قوات المشاغلة في المقاومة الفلسطينية العمل، على نحو فعّال أكثر، بعد أن أصبح الوصول إلى القوات الصهيونية أسهل عبر استدراجها إلى المعارك داخل المدن.

وبرز استخدام المقاومين للعبوات المتعددة، وتتضمّن عبوات “تلفزيونية” مضادة للأفراد، وعبوات صدم ضد التحصينات، “رعدية”، وعبوات خارقة للدروع، من نوع “ثاقب”، وعبوات ناسفة برميلية.

وأكّدت المقاومة أنها أجهزت على قوتين صهاينة ، إحداهما كانت في مدرعة تمّ استهدافها بعبوة برميلية، أدّت إلى انفجارها ومقتل من فيها، والأخرى تمّ استهدافها بعبوات ناسفة، عبر تفخيخ المنزل الذي كانت تتحصّن فيه.

أهمية حروب التفخيخ والتفجير “التخريب”
تكتسب هذه العمليات أهمية كبرى، لأنها الأهم في إظهار قدرة المقاومين الفلسطينيين على تسخير الميدان لمصلحتهم، والعمل على مواجهة الاحتلال، على نحو يدمّر ثقته بالأمن والحماية خلال القتال، وهو ما تقوم عقيدة القتال الصهيونية عليه في الميدان، عبر إقناع الصهيوني بأنه يقاتل في العربة الأكثر تدريعاً، وهي الميركافا 4، المحدَّثة والمزوَّدة بنظام الدفاع النشط، “تروفي”، وأن خلفه منظومة طبية جاهزة لإسعافه في حال أُصيب.

وتكتسب حرب التفخيخ والألغام والعبوات قيمة كبرى في الدفاع وإحباط العمليات الهجومية، بعد أن كانت غير واضحة المعالم في المرحلة الأولى للعدوان، بسبب اعتماد العدو على تدمير مناطق بكاملها قبل محاولة دخولها، وهو ما أثبت فشله في تحطيم إرادة المقاومة في الشمال، وصعّب على الاحتلال عملية الدخول لمناطق مليئة بالردم والأنقاض.

الجندي الذي بات يعلم بأنه قد تنفجر بمدرعته أو دبابته عبوة ناسفة كبيرة، يمكن أن تخترق عربته، مهما كان مستوى تدريعها، سيتباين قتاله بصورة كبيرة عن أي جندي يراهن على درع نشِطة، أو تدريع كثيف ومعزّز، لمواجهة القذائف الصاروخية المضادة للدروع، على سبيل المثال.

وسيكون لتفخيخ البيوت والطرقات بعبوات مضادة للأفراد أو التحصينات أثر كبير في ثقة المشاة الإسرائيليين بالتحرك في شوارع غزة ومناطقها العمرانية، بصورة خاصة، وسيزيد صعوبة الاعتماد على الأبنية للاحتماء من المقاومين ونيرانهم.

وبرز استخدام المقاومين للذخائر غير المحلية، ولا سيما في جنوبي غزة، وهو ما يشير إلى نية المقاومة استخدام إمكاناتها لإيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف الأعداء. وأظهرت المقاطع المنشورة استخدام مقاومين قذائف تاندوم “ترادفية”، من عيار 85، كورية شمالية، أظهرت فعالية خاصة في اختراق تدريع الآليات الصهيونية .

يُضاف إلى ذلك ظهور المسيّرات العمودية المسلحة بقذائف ضد الدروع في المعركة مجدداً، وهو ما سيزيد في تعقيد ميدان المعركة بالنسبة إلى الجندي الإسرائيلي، الذي سيحارب تهديدات تحت الأرض وفوقها ومن السماء.

وأظهرت مشاهد تزويد القوات الصهيونية في الجنوب بدعم لوجستي عبر الإنزالات المظلية تعقيد الوضع بالنسبة إلى عدم وجود مسارات متوافرة بشأن الدعم والتأمين للقوات الصهيونية ، وهو ما يؤكد هشاشة التموضع الميداني الصهيوني في هذه المناطق.

لماذا سيزداد عدد القتلى والإصابات في صفوف جيش الاحتلال في الأيام المقبلة؟
مع ازدياد مساحة التماس مع قوات الاحتلال، ستزداد قدرة المقاومة على المواجهة بصورة أكثر فعالية، وستزداد إمكانات نجاح عمليات التسلل والمباغتة بسبب استكمال عمليات الرصد وجمع المعلومات بصورة أكبر، وتوزيع الأدوار والوظائف بين القوات الموجودة في الأرض، على نحو أفضل، ولا سيما مع وضوح مسارات التوغل والمحاور والتكتيكات المعتمدة لدى الاحتلال، بصورة أدقّ.

وبالتالي، فإنّ الحصيلة، التي وصلت إليها أعداد القتلى في المعركة البرية حتى الآن، وهي أكثر من 110 قتلى و2000 مصاب إصابة بليغة، مرشّحة للارتفاع بصورة أكبر وعلى نحو أكثر تسارعاً في الأيام المقبلة، ولا سيما في حال إصرار الاحتلال على محاولة السيطرة على كامل مناطق القطاع، وهو ما سيعني أنّ قوات القسام وسرايا القدس وفصائل المقاومة لن يكون لديها أي خيارات سوى الاستماتة في القتال والدفاع عن وجودها.

ويخشى جيش الاحتلال، الذي تظهر قيادته أنها لا تبالي بأعداد القتلى والجرحى في صفوفه في مقابل تحقيق أهداف العملية البرية في غزة، أن يؤدي تزايد عدد القتلى إلى إثارة “الرأي العام” بين السياسيين والمستوطنين ضد استمرار الحرب، ولا سيما أن “إسرائيل” فشلت حتى الآن في تحقيق أهدافها في استعادة أي أسير أو تصفية حماس بعد شهرين من الشلل الاقتصادي وغياب الأمن والاستنفار، على النحو الذي الذي وصل إلى مستويات قياسية في كيان الاحتلال، فضلاً عن خسارة كبيرة على مستوى الرأي العام العالمي، يتوقّع كُثُر أن تكون لها ارتدادات كبيرة على “إسرائيل” مستقبلاً.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المادة نقلت حرفيا من المصدر