عاد “الجيش الأميركي” إلى المملكة العربية السعودية بعد غياب دام  16 عاماً وسط ارتفاع وتيرة التوترات مع الحكومة الإيرانية، في حين لا يزال البلد منهمكاً في عمليات التدخل العسكري في اليمن, وبالرغم من كون هذا القرار كان محل خلاف في الإدارة الامريكية, إلا أن عمليات الانتشار هذه لم تلق أي رفض أو سخط  من جانب الرأي العام السعودي.

بقلم: هوغو سيمون

( صحيفة “لاكروا- la-croix” الفرنسية– ترجمة: أسماء بجاش– سبأ )

اعطى الملك سلمان بن عبد العزيز في 19 من يوليو الضوء الأخضر لعودة القوات الامريكية إلى الاراضي السعودية, فهذا القرار جاء بعد ستة عشر عاماً على مغادرة  القوات الأمريكية للاراضي السعودية.

ومن جانبها, أشارت شبكة CNN الأمريكية, نقلاً عن مسؤول دفاعي أمريكي, أن من المتوقع أن ينضم 500 جندي إلى قاعدة الأمير سلطان الجوية جنوب الرياض على المدى القريب, وفقاً للجنرال كينيث ماكنزي الذي قام بزيارة للموقع في الأسبوع الماضي، أن على هذه القوات العمل بوتيرة عالية لضمان سلامة الشحن في منطقة الخليج, فمن خلال هذه القاعدة يمكنهم الإعداد لاستيعاب النشر المستقبلي للقوات الجوية.

تحي الإدارة الأمريكية فكرة الوجود الامريكي على اراضي المملكة العربية السعودية في وقت معين, حيث يضم قوام الجيش الأمريكي في دول أخرى في المنطقة ما يصل إلى 35.000 جندي, وذلك في سياق التوترات المتصاعدة مع إيران منذ قرار الرئيس ترامب في مايو 2018 بالانسحاب الأحادي الجانب من الصفقة النووية الإيرانية.

سياق التوترات الإقليمية والدولية:

في الآونة الأخيرة، وبالتحديد في أوائل يوليو، علقت طهران البعض من التزاماتها، كما مارست ضغوطاً على الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية, حيث عملت المملكة المتحدة على احتجاز ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق بناءاً على نصيحة من الولايات المتحدة الأمريكية, و ردا على ذلك، استولت إيران في 19 يوليو على ناقلة نفط بريطانية في مضيق هرمز.

ولحل هذه الازمة, اقترحت إيران تبادل ناقلتي النفط، كما قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ” أن إيران لا تريد المواجهة”.

ولكن هذا الاحتمال لم يعد مستبعد بسبب هذا التصعيد وقرار الولايات المتحدة إعادة نشر قواتها في المملكة العربية السعودية.

أبهج قرار إعادة نشر القوات الأمريكية ولي العهد  ووزير الدفاع السعودي الأمير محمد بن سلمان, الذي ينظر إلى هذا الدعم الذي أبدته الولايات المتحدة الأمريكية بشكل إيجابي، على الرغم من أنه يبدو أنه وضع نفسه في مأزق.

اهتزت صورة ولي العهد السعودي على المستوى الدولي بعد عملية اغتيال الصحفي السعودي  جمال خاشقجي في القنصلية بلاده في مدينة اسطنبول التركية  مطلع أكتوبر من العام 2018, بالإضافة إلى المأزق الذي وقع فيه جراء عمليات التدخل العسكري في اليمن, والتي تعثرت فيها المملكة السعودية, حيث أن المملكة معرضة لخطر التهديد الحوثي.

زاد التمرد اليمني، الذي يحظى بدعم تقني من إيران وحزب الله، في الأسابيع الأخيرة من هجمات الطائرات بدون طيار، بما في ذلك مطار أبها السعودي.

اعلنت المملكة العربية السعودية في 25 يوليو، اعتراض طائرة بدون طيار إستهدفت مدينة في جنوب المملكة العربية السعودية.

تضاعف التمرد اليمني، الذي يحظى بدعم تقني من إيران وحزب الله اللبناني، في الآونة الأخيرة, بعد أن شن التمرد الحوثي سلسلة من طائرات بدون  طيار، استهدفت خلالها مطار “أبها الدولي”, ومن جانبها, أعلنت المملكة العربية السعودية في 25 من هذا الشهر اعترض طائرة بدون طيار استهدفت أحدى المدن جنوب المملكة.

أول عملية نشر صعبة في عام 1990:

بالإضافة إلى هذا السياق الحالي من التوتر الشديد، فإن عودة القوات الأمريكية إلى المملكة العربية السعودية تحمل رمزاً قوياً للغاية.

ففي عام 1990, إرسال الرئيس جورج بوش الأب على الفور نصف مليون جندي أمريكي كجزء من عملية “درع الصحراء”, حيث خاضت هذه القوات عمليات عسكرية ضد الجيش العراقي الذي اجتاح دولة الكويت.

استضافت قاعدة الظهران التاريخية, والتي عرفت فيما بعد بقاعدة الملك عبد العزيز الجوية الواقعة على الساحل الغربي للخليج الفارسي, ونظراً لكون أن هذه القاعدة تقع في منطقة حضرية، فقد عزز هذا التواجد بين السكان الشعور بالاحتلال الأمريكي.

في الواقع، كان هذا الانتشار الأمريكي الأول في المملكة العربية السعودية خلال حرب الخليج الأولى موضوع احتجاج شديد من قبل الشارع السعودي, حيث أطلقوا على الجنود الأجانب غير المسلمين اسم “الكفار”, وفي يونيو 1996, هاجم إرهابي شيعي سعودي مدعوم من إيران أبراج الخُبر – وهو مجمع سكني, كان يستخدم لإيواء الأفراد العسكريين الأجانب، بمن فيهم الأمريكيون- خلف الهجوم عدد من الضحايا ما بين قتيل وجريح, حيث بلغت الإحصائية النهائية  19 قتيل في حين أصيب 500 آخرون.

في ذلك الوقت تم تشديد المراقبة على الأنشطة المشبوهة بالقرب من أسوار ومحيط مجمع أبراج الخُبر من قبل قوات الأمن وقوة الأمم المتحدة، ومع ذلك، فإن القوات منعت من قبل الحكومة السعودية من المراقبة خارج محيط المجمع, لتخفيف السخط الذي عم الشارع السعودي.

كان العام 2003, شاهداً الإطاحة بنظام الرئيس صدام حسين ومغادرات القوات الأمريكية للأراضي السعودية.

وافقت قطر على استضافة الجيش الأمريكي على اراضيها في قاعدة العديد الجوية الواقعة، جنوب غرب العاصمة الدوحة, حيث  تستضيف الآن حوالي ثلث القوى العاملة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

خوف الكونغرس وارتياح النظام السعودي:

لم يولد استقبال القوات الأمريكية هذه المرة نفس حالة السخط التي حدثت في المملكة في العام 1990, حيث أشار جميل الذابي، رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية اليومية: “إن وجود القوات الأمريكية يبعث برسالة قوية جداً إلى النظام الإيراني (…) نظراً لكون إيران لا تفهم سوى لغة القوة ولا تهتم بالحوار ولا التشاور”.

من ناحية أخرى, لم تكن هذه  الأخبار موضع  ترحيب في الولايات المتحدة, حيث أصدر الكونغرس, الذي يتكون مجلس نوابه في الغالب من الحزب الديمقراطي، عدة قرارات تحث الرئيس دونالد ترامب على التوقف عن مساعدة أي تحالف تقوده السعودية في اليمن, وبالرغم من كل ذلك, رفض الرئيس الأمريكي قرارات الكونغرس التي تمنع مبيعات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية وغيرها من حلفاء آخرين, حيث برر الرئيس ترامب في رسالة بعث بها إلى مجلس الشيوخ، أن هذه القرارات “ستضعف القدرة التنافسية للولايات المتحدة الأمريكية في العالم, كما ستضر ايضاً بالعلاقات المهمة التي تربطنا بحلفائنا وشركائنا في المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة,باعتبارها الحصن المنيع ضد الأنشطة الضارة لإيران وشركائها في المنطقة.