صنعاء تصنع التاريخ وتقفز فوق الجغرافيا
السياسية || مجيب حفظ الله :
لم تكتفي صنعاء بإطلاق العشرات من الصواريخ البالستية والمسيرات على اقرب نقطة إسرائيلية الى البحر الأحمر في أم الرشراش أو ميناء إيلات لكنها نقلت الحرب التي تتعرض لها غزة الى مربع لم تكن واشنطن او تل ابيب ترغب في الوصول اليه او حتى مجرد التفكير فيه.
قد تبدو الخطوة اليمنية جريئة الى الحد الذي يعجز الكثير من العرب استيعابه فهذه المعركة ليست مفروشة بالورود او غير محاطة بحقول الألغام لكن الولاء اليمني المبدئي للقضية الفلسطينية وحرب الإبادة التي يتعرض لها سكان غزة برعاية أمريكية غربية فرض على صنعاء الانخراط في معركة طوفان الأقصى على الرغم من كل التحديات والصعوبات.
سارعت صنعاء التي تعتبر العداء لإسرائيل منهجاً لا يقبل القسمة على اثنين الى إعلان انها ستقف الى جانب الاشقاء في فلسطين على الرغم من البعد الجغرافي الذي لا يمنحها الأفضلية في الانخراط في المعركة الحالية مع إسرائيل.
بالمقابل فإن واشنطن ظنت ان ارسالها حاملات الطائرات والبوارج العسكرية الى البحر الأحمر والمياه الدولية سيحول دون انخراط أي دولةٍ أو كيان عربي في المعركة الى جانب اهل غزة.
لكن العملية الناجحة التي نفذتها البحرية اليمنية للاستيلاء على سفينة مملوكة لإسرائيل اربك حسابات الامريكان والصهاينة واثبت ان البعد الجغرافي لن يحول دون الولاء اليمني المبدئي للقضية الفلسطينية.
ظن الكيان الصهيوني انه بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع دولٍ عربية جديدة سينتقل تلقائياً الى مرحلة التمدد الأفقي المتسارع ليستكمل خارطته التوسعية التي تغطي حدودها الوطن العربي بأكمله.
لا نتحدث هنا عن الزلزال الذي ضربت به فصائل المقاومة الفلسطينية إسرائيل في السابع من أكتوبر بل عن ارتداداته في المنطقة العربية وتحديداً في اهم الممرات الدولية الساخنة وهي مياه البحر الأحمر.
لم يكن في بال راسمي السياسات الصهيونية في واشنطن وتل ابيب ان أي صدمةٍ مهما كان عظمها ستعيق قطار التطبيع وما يفترض ان يترتب عليه.
بمعنى ان الولايات المتحدة وإسرائيل وبعد هرولة دولٍ خليجية وعربيةٍ نحو التطبيع المجاني مع كيان الاحتلال استيقنت بأن مشروع استكمال خارطة النفوذ الإسرائيلي على كامل المنطقة العربية لن يواجه أي عوائق.
ليس ذاك فحسب بل اعتقدت ان السيطرة الإسرائيلية على كامل الخارطة العربية لم يعد سوى مسالة وقتٍ أو تحصيلٍ حاصل.
لا يلام الامريكان والصهاينة على هذا الظن السيء فالحقيقة اننا شعرنا بنكسة اكبر من نكسات العرب عام 48 و67 لأننا رأينا طريق الكيان الصهيوني بات معبداً الى أغلب العواصم العربية حتى تلك التي لم تركب بعد قطار التطبيع المذل.
لكن امتداد آثار طوفان الأقصى والارتدادات التي حصلت في المنطقة العربية عقب الانتصار الفلسطيني في السابع من أكتوبر شكلت صدمةً ليس للاسرائيليين فحسب بل حتى للامريكان وكل من يدور في فلكهم من العرب والاعراب.
من السابق لأوانه الحديث عن ما سيترتب على الانخراط اليمني المباشر في الحرب ضد إسرائيل وبالتأكيد ان واشنطن وإسرائيل وكل من يدور في فلكها يريد ان يعاقب اليمن على هذه الجرأة التي ظنوا انها انقرضت من قواميس العرب والمسلمين.
لكن المؤكد ان صنعاء تدرك جيداً ان ما يجري في غزة اليوم حركة حماس واهل فلسطين فحسب بل هو مقدمةٌ لكل ما يمكن ان يلاقيه العرب من إسرائيل ان هم تركوا اهل غزة لوحدهم في هذه المعركة المفصلية التي عنوانها إمّا الحياة مع النصر او الاستشهاد مع العزة.
بات العالم كله يدرك اليوم اننا لا نكتفي بالتضامن النفسي والمعنوي مع أهلنا في فلسطين من منطلق عروبي او ديني فقط بل إننا نخوض معهم حرباً لا ننظر الى نتائجها بقدر ايماننا بواحدية مصيرنا العربي والإسلامي فيها.
قد تتسارع الاحداث في المعركة التي تدور رحاها في البحر الأحمر لكن الثابت اننا ننطلق اليوم من موقع الاتكال على الله والايمان بالقضية وادراك قوة الحق.