الإمبراطورية الرملية لدولة الإمارات العربية المتحدة
يجب أن يفهم القادة الإماراتيون أن الحرب والفوضى لم تعد إستراتيجيات نموذجية في السياسة الخارجية.
بقلم : خليل العناني
(موقع “ميدل آس أي- middleeasteye” البريطاني, النسخة الفرنسية, ترجمة : أسماء بجاش – سبأ)
منذ بعض الوقت، أتيحت لي الفرصة لمقابلة باحث يعمل في مركز أبحاث إماراتي على هامش مؤتمر جامعي في أوروبا, طلبت منه تحليل السياسة الخارجية العدوانية التي تنتهجها دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة منذ بداية اندلاع ثورات الربيع العربي.
كان رده أن صناع القرار الإماراتيون مقتنعون بأن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم, وأنه من الأفضل لبلدهم مهاجمة الربيع العربي، ومطالب التغيير والديمقراطية خارج حدودهم, قبل أن تصل إليهم.
قدم الباحث السياسي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، الجواب نفسه عدة مرات في صحيفة نيويورك تايمز في محاولة لتبرير موقف دولة الإمارات العربية المتحدة منذ بداية الربيع العربي.
الانتفاضة السودانية
هذه هي الطريقة التي يعمل بها الإماراتيون والخبراء العرب والأجانب في محاولة لتبرير السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة, حيث تظهر آخر مظاهر التدخل الإماراتي جلياً في شؤون البلدان العربية بصورة واضحة في السودان، الذي شهد اندلاع انتفاضة سلمية منذ ديسمبر الماضي.
منذ الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير، وقفت دولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية ومصر، إلى جانب المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى زمام امور السلطة في 11 أبريل, حيث زار هذه البلدان لأول مرة رئيس المجلس العسكري الانتقالي عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو، الملقب بـ حميدتي.
وبعد أيام قلائل من تلك الزيارات, تم تفريق المظاهرات بالقوة أمام مقر الجيش السوداني, حيث خلفت وراءها أكثر من 100 قتيل, كما تم الإبلاغ عن عشرات حالات التحرش.
أشارت صحيفة نيويورك تايمز، قدم القادة السعوديون والإماراتيون الأموال والأسلحة والمشورة لنائب رئيس المجلس العسكري “حميدتي”، على الرغم من الشكوك التي تحوم حول تورط الميليشيات التي تحت قيادته في عمليات الإبادة الجماعية في أقليم دارفور, حيث سلطت الصحيفة الضوء على انتشار المركبات المسلحة الإماراتية في شوارع الخرطوم، حيث يتم التحكم بقيادة قوات الدعم السريع من قبل ” حميدتي”, كما أفاد طيار سوداني سابق، أن طائرات شحن سعودية وإماراتية هبطت في مطار الخرطوم تحمل على متنها معدات عسكرية.
من اليمن إلى ليبيا
قبل الأحداث الأخيرة التي شهدها الشارع السوداني، تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة في الصراع الدائر في اليمن منذ اربع سنوات وحتى الآن, حيث اختارت أن تشد عضد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان, الذي يسعى إلى تحسين وضعه السياسي.
كما قدم الإماراتيون الدعم الكامل للجنرال عبد الفتاح السيسي الذي قاد انقلاباً ضد الديمقراطية الناشئة في مصر في يوليو 2013, من خلال ضخ مليارات الدولارات لضمان ولائه وضمان القضاء على المعارضة السياسية، وخاصة جماعة الاخوان المسلمون.
فعلوا الشيء نفسه في ليبيا من خلال دعم أمير الحرب خليفة حفتر، الذي ارتكب مجازر في بنغازي, حيث تقاتل ميليشياته للسيطرة على طرابلس منذ أوائل أبريل المنصرم.
ليس من قبيل الصدفة أن الهجوم الذي قاده خليفة حفتر على طرابلس جاء بعد أيام قلائل من الانتفاضة الشعبية الجزائرية التي بدأت في فبراير، والتي أدت إلى استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والهدف من ذلك هو منع احتمال عودة الربيع العربي.
قامت دولة الامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر قبل عامين بمقاطعة قطر المجاورة, حيث كان هذا الإعلان بمثابة امر مدهش, حيث تسعى دول الحصار إلى تشويه سمعة قطر وتشويه صورتها على الصعيد الدولي من خلال إصدار اتهامات لا أساس لها بأنها تمول الإرهاب.
فشل ذريع
لكن هل حققت دولة الإمارات العربية المتحدة أهدافها في السياسة الخارجية الإمبريالية؟ الجواب بكل بساطة: لا.
فقد بآت كل المحاولات الإماراتية للتدخل في دول الربيع العربي بالفشل, ليس هذا فحسب, بل وأفسدت سمعتها بدلاً من ذلك.
أدى تفريق الجيش للاعتصام بالقوة في السودان والذي أودى بحياة العشرات إلى تأجيج نيران الاحتجاجات الشعبية.
تم تسليط الضوء مرة أخرى على الوجه المثير للاشمئزاز الذي يخفيه الجيش السوداني, عندما حاول برهان حميدتي خداع المحتجين بإعلان أنفسهم مدافعين عن الثورة السلمية, حيث توالت العديد من الإدانات الدولية من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأفريقي ضد المجلس العسكري الانتقالي.
في اليمن، أصبح من الواضح أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي أكثر من مجرد حليف للمملكة العربية السعودية, حيث أنها تواصل تنفيذ الأجندة الخاصة بهم.
ومع ذلك، فإن هذا البرنامج الذي تسعى دولة الامارات إلى تنفيذه يتأرجح يوماً بعد يوم, حيث يكثف الجيش الإماراتي مشاركته في حرب غير مجدية ولا طائل منها, فهذه الحرب، التي جلبت الموت والمرض والمجاعة على نطاق واسع، حيث أظهرت دولة الإمارات العربية المتحدة بصورة سلبية.
وفي مصر، على الرغم من الاستقرار السطحي الذي تشهده البلد، إلا أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي يقترب من نقطة تحول.
في ليبيا، لم تتمكن القوات العسكرية الموالية “لخليفة حفتر” حتى الآن في فرض سيطرتها على طرابلس، على الرغم من الدعم العسكري والسياسي واللوجستي المقدم من الإمارات العربية المتحدة ومصر والسعودية ودول أوروبية بما في ذلك فرنسا.
أما بالنسبة للملف القطري الذي مُني بالفشل الذريع، فقد ظهرت قطر بعد عملية المقاطعة والحصار بثقة وتأثير أكبر في المنطقة, حيث أدت جميع الجهود التي بذلتها دولة الإمارات العربية المتحدة لعزل قطر على الصعيدين الإقليمي والدولي, عكس ما كان متوقع لها.
أطلق على دولة الإمارات العربية المتحدة لقب “سبارتا الصغيرة”، في إشارة إلى المدينة التي يسيطر عليها الجيش اليوناني والتي تبنت سياسة توسعية خلال الحرب.
لكن ما قد لا يعيه صناع القرار في دولة الإمارات هو أن الحرب والفوضى لم تعد نموذجاَ للاستراتيجيات السياسة الخارجية ومن المرجح أن تكون أحد منابع الهزيمة والفشل على المدى الطويل.
*خليل العناني أستاذ مشارك للعلوم السياسية ورئيس برنامج السياسات والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للخريجين.
الآراء المعبر عنها في هذا المقال هي آراء المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لموقع “ميدل آس آي”