بقلم: بقلم: فرانك بينجام

(موقع “اجورافوكس- agoravox” الفرنسي-ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

الحكومة الفرنسية لا تزال تؤكد بان أسلحتها لا تقتل المدنيين في اليمن

المجمع الصناعي العسكري الفرنسي:

بالإضافة إلى الدعم التشغيلي الذي توليه فرنسا على أرض الواقع، يشارك قصر الاليزية أيضاً على نطاق واسع في المجهود الحربي لدول التحالف الأطلسي – الوهابي من خلال توفير التقنيات العسكرية الفرنسية.

إذا كانت الأسلحة تستخدم دائماً للقتل، فلن تكن المشاعر الطيبة هي من ستحتوي صناعات الأسلحة في عالم يحكمه عوائد رأس المال, لذا لن تكون ملاحظاتنا محل تشكيك في تسويق هذه الأسلحة ذات القيمة المضافة العالية, ولكن عدم المشاركة في الحروب غير المشروعة المرتبطة بها.

ولكي تكون فعالة، من الواجب أن يركز نقاد صناعة الأسلحة على مسألة المواءمة المنهجية لسياستنا الخارجية مع البلدان الثالثة: إذا كان ينبغي القيام بذلك لبيع أسلحتنا في إطار تعارض غير قانوني، لذلك يجب إصلاح هذا الحد هنا.

علماً أن عقود التسلح غالبا ما تشمل مختلف الخدمات والدعم التقني من: قطع الغيار, والتدريب, وتحديث المعدات, والصيانة, والاستشارات، والمناطق الأمنية، وما إلى ذلك….. وبالتالي, فهذا الموقف يعتبر توليفة من المصالح الاقتصادية والأخلاق الحربية.

ومن المرجح أن غياب الدعم الدبلوماسي في هذا النوع من الصراعات سيكون بحد ذاته كافياً للضغط على عملائنا نظراً إلى الثقل الذي تتمتع به فرنسا.

يجب تقديم التنازلات في مكان آخر مقابل ذلك, وهنا يكمن الدور الدبلوماسي, كما هو الحال مع دول مثل المملكة العربية السعودية, حيث سيكون هناك دائما خلافات أخلاقية ومعنوية مع موقفنا الرسمي من الديمقراطية لحقوق الإنسان.

وبالنظر إلى أن الكثير من الأسلحة تم بيعها قبل اندلاع الصراع، تكمن المشكلة في كيفية تجاوز العقود المستقبلية لمبيعات الأسلحة والخدمات ذات الصلة بمجرد ارتكاب الأخطاء وعدم شرعية الطرف الآخر في الصراع.

تخضع سياسة تصدير الأسلحة الفرنسية بالفعل لرقابة صارمة, بيد أنها غير كافية بين الوزارات: “وبذلك يتم تسجيل طلبات الحصول على التراخيص من قبل الإدارة العامة للأسلحة، بناءاً على تعليمات من وزارات الشؤون الخارجية, والقوات المسلحة, والاقتصاد والمالية، ومن ثم من قبل الأمانة العامة للدفاع والأمن القومي (SGDSN).

في ختام الجلسة العامة للجنة الوزارات المشتركة لدراسة صادرات المواد الحربية (CIEEMG), يشار إلى منح التراخيص من قبل المديرية العامة للجمارك والضرائب (DGDDI), وفي نهاية الجلسة، يصادق رئيس الوزراء على الموافقة النهائية.

وبالتالي، فإن الرقابة البرلمانية على مبيعات الأسلحة غير موجودة، خلافاً للكونغرس الأمريكي، على سبيل المثال، الذي ينبغي من الناحية النظرية استشارته حول مثل هذه المسائل.

يقول النائب السابق من غارون العليا, سيباستيان نادوت, انه لا يوجد في فرنسا لجنة تحقيق حول ملف مبيعات الأسلحة المستخدمة في اليمن بسبب المخاطر الاقتصادية والدبلوماسية الهامة.

تحظى لجنة الشؤون الخارجية “بعثة تقصي الحقائق البرلمانية” بسلطة أقل للسماح بمزيد من السيطرة دون التشكيك أو المساس بملف مبيعات المجمع الصناعي العسكري الفرنسي.

وفي قادم الايام، يمكن أن تكون صياغة عقود الأسلحة مع شرط التعليق في حالة انتهاك القانون الإنساني الدولي والسماح للبرلمان أو حتى المواطنين باستخدام حق النقض (الفيتو) وفي مثل هذه الحالات يمكن أن تكون بمثابة حلول ناجعة.

تحتفظ فرنسا بحق بيع الأسلحة بهدف دفاعي، حتى في حال قرر المشترين استخدامها في وقت لاحق لأغراض هجومية. انظر مدى الدقة.

وقعت فرنسا على الموقف المشترك للاتحاد الأوروبي في العام 2008 والمعاهدة الدولية لتجارة الأسلحة في العام 2014، ولكن دون تحويل هذه المعاهدات إلى قانون وطني، والذي لا يعطي إمكانية للمواطن الفرنسي أو اليمني لمقاضاة الحكومة الفرنسية في المحكمة في حال مخالفتها التزاماتها الدولية.

ومع ذلك، فإن الخطر القانوني لا يزال موجود، لأن مساعدة الشركات الفرنسية للجيش السعودي والإماراتي يمكن أن تكون جزءاً من التواطؤ في ارتكاب جرائم حرب في حال تم استخدام هذه المعدات ضد المدنيين.

ينص  الخطاب الحكومي الفرنسي من الناحية الرسمية، أنه من الصعب بشكل رسمي إثبات أن المدنيين اليمنيين قد قتلوا بنيران الأسلحة الفرنسية الصنع، بينما أن دور اللجنة المشتركة بين الوزارات لدراسة صادرات المواد الحربية (CIEEMG) يكمن في دراسة الوضع الداخلي للجهة النهائية المستوردة وممارساته فيما يتعلق بمجال حقوق الإنسان.

نبه مرصد التسلح مطلع أبريل من العام 2018 إلى ما يقرب من 15 إشارة من الأسلحة الفرنسية يمكن أن تشارك في الحرب في اليمن, حيث تم تصدير العديد من الأسلحة الفرنسية في تسعينيات القرن الماضي مثل: دبابات لوكليرك أو طائرات ميراج 2000 التي تم بيعها قبل اندلاع الصراع.

كشف موقع التحقيقات الاستقصائية ” “Disclose عن وثيقة مكونة من خمسة عشر صفحة كتبها ضباط من مديرية الاستخبارات العسكرية في 25 سبتمبر 2018, والتي حملت عنوان: “اليمن – الوضع الأمني” والتي تم إرسالها إلى: الرئيس إيمانويل ماكرون, ووزيرة الجيوش فلورنس بارلي, وإلى مقر رئاسة الوزراء ماتينيون وكذلك إلى وزير الخارجية جان إيف لودريان, وذلك قبيل انعقاد مجلس الدفاع الذي خصص للحرب على اليمن، حيث عقد في قصر الإليزيه، في الثالث من أكتوبر الماضي.

شرحت تلك المذكرة مسار الأسلحة الفرنسية التي تم بيعها إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة, إذ تعمل هذه الأسلحة اليوم على طول النطاق الجغرافي اليمني براً وبحراً.

أثبتت المخابرات الفرنسية أن الرياض التي تقود منذ مارس 2015 حملة جوية مستمرة وواسعة النطاق, قد شنت 24000 غارة جوية في الفترة ما بين العام 2015 و 2018.

في هذه الأعمال المباشرة، استندت المملكة العربية السعودية بشكل أساسي علي الغارات الجوية, حيث كانت هذه الهجمات هي الأكثر فتكاً ودموية من قبل قوات دول التحالف العربي.

أظهر تحقيق استقصائي مشترك لوسائل إعلام ألمانية ودولية نُشر في أواخر أبريل المنصرم أن القوات السعودية والإماراتية تستخدمان الأسلحة الفرنسية الصنع في حرب اليمن:

– قذائف السهم.

– طائرات ميراج 2000-9 المزودة بصواريخ بلاك شاهين الفرنسية البريطانية من صنع شركة “”MBDA.

– قنابل إيه إيه إس إم طويلة المدى, وهي قنبلة ذكية فرنسية الصنع من إنتاج شركة ساجيم للدفاع والأمن تركب عليها عدة أنظمة توجيه ويمكن أيضا توجيهها توجيه السقوط الحر.

–  أنظمة الاستهداف ديموقليس من مجموعة تالس.

–  رادارات كوبرا.

–  مركبات نكستر ارافيس لنقل مشاه.

–  دبابات لوكليرك.

– مروحيات من طراز كوغر ودوفين إيرباص هليكوبتر.

– طائرة الامداد A330MRTT من طراز إيرباص.

– فرقاطات مكة المجموعة البحرية

–  طرادات صاروخية من طراز بينونة نورماندي للإنشاءات الميكانيكية CMN.

–  طائرات بدون طيار, التكتيكية طراز سبيروير تم تصميمها وتصنيعها من قبل مجموعة ساجيم.

–  المساعدة عبر الأقمار الصناعية والتسليح الرقمي (Ercom).

–  مركبات خفيفة مدرعة من رينو شيربا وفاب مارك 3.

–  قوارب الاعتراض السريع.

–  أنظمة الملاحة الإلكترونية (SAFRAN).

–  1245 بندقية قنص تم تسليمها إلى الرياض منذ العام 2015, وفقاً للتقارير المقدمة إلى البرلمان حول صادرات الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و 2017.

وبحسب عقد التصدير ARTIS الموقَّع في ديسمبر من العام 2018, سوف يتم تسليم ما لا يقل عن 147 مدفع من طراز قيصر من صنع شركة نكستر إلى آل سعود بحلول العام 2023.

كما يتوجب على شركة نكستر المملوكة كلياً للحكومة الفرنسية تسليم هذه المعدات في الفترة بين عامي 2019 و 2024, شحنات مصفحة من تيتوس ومدافع هاوتزر من طراز LG-1 بحجم 105 ملم، وفقاً لعقود باريس – الرياض الجديدة والموقعة أيضا في أواخر ديسمبر من العام المنصرم.

لطالما تم تصغير حجم وأهمية الصراع الدائر في اليمن لإنقاذ العملاء القيمين لدى المجمع الصناعي العسكري الفرنسي.

احتلت الولايات المتحدة الأمريكية سوق الأسلحة الأوروبية إلى حد كبير، على الأقل قبل وصول ترامب إلى البيت الابيض, في حين وجدت صناعة التسلح الفرنسية في منطقة الشرق الأوسط المكان الأنسب والمميز لرواج تجارتها.

وهذا السياق الأكثر ملائمة في ضوء فك الارتباط الذي أعلنته الإدارة الأمريكية مع القوى السنية الرئيسية في المنطقة (على نقيض الرغبات التي تعتلي الدولة العميقة).

تعد المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من بين أكبر عملاء صادرات الأسلحة الفرنسية الثقيلة, حيث أن الملكية السعودية على سبيل المثال تعتبر ثاني أكبر عميل لفرنسا بعد الهند خلال الفترة ما بين 2008-2017 فيما يتعلق  بعمليات شراء الأسلحة.

ووفقاً للتقرير السنوي الصادر في العام 2018 والمقدم إلى البرلمان الفرنسي حول ملف مبيعات الأسلحة، فقد باع قصر الاليزيه الفرنسي أسلحة بقيمة 11.1 مليار يورو خلال عشر سنوات للحكومة السعودية, بينما اشترت أبو ظبي أسلحة فرنسية بلغت قيمتها 3.8 مليار يورو.

احتلت كلاً من قطر, والمملكة العربية السعودية, والإمارات العربية المتحدة وبلجيكا في العام 2018 قائمة العملاء الأوائل لصناعة الأسلحة الفرنسية, حيث اشترت قطر الأسلحة بقيمة 2.5 مليار يورو, في حين اشترت المملكة العربية السعودية بقيمة مليار يورو والإمارات بقيمة 200 مليون يورو, كما منح قصر الاليزية تراخيص للمملكة السعودية لتوريد وصيانة المواد الحربية في العام 2016 بقيمة 6 مليون يورو, وفي العام التالي تم شراء أسلحة بقيمة 1.3 مليار يورو, في منتصف الحرب على اليمن.

أصدرت وزارة القوات المسلحة الفرنسية في أوائل يونيو من العام 2019 آخر تقرير للعام نفسه إلى البرلمان حول صادرات الأسلحة الفرنسية, بلغت قيمة صادرات الصناعات الدفاعية الفرنسية 9 مليارات يورو في العام 2018 بزيادة 30٪ مقارنة بالعام 2017, وهي واحدة من أفضل الأرقام خلال السنوات العشرين الماضية.

ارتفعت وتيرة صادرات الأسلحة الفرنسية إلى المملكة العربية السعودية قبل فترة وجيزة وخلال فترة اندلاع الصراع.

تم إلغاء عقد Donas  لتسليح الجيش اللبناني، الذي أبرمته المملكة العربية السعودية في نوفمبر من العام 2014 الجهة الممولة، مع لبنان الجهة المستقبلة وفرنسا الجهة البائعة، بيد أنه تم إعادة تكوينه من قبل المملكة الوهابية, حيث تم إعادة توجيه هذه المعدات العسكرية إلى القوات المسلحة السعودية, وهكذا تم الحصول على المعدات الفرنسية المخصصة في الأصل للجيش اللبناني مقابل 3 مليارات دولار.

تفاصيل دقيقة تم الكشف عنها عن طريق موقع ديسكلوز للتحقيقات الاستقصائية, حيث أشار من خلالها إلى أن السلطة التنفيذية الفرنسية رضخت للضغط.

ومن جانبها, قُدمت وزارة القوات المسلحة شكوى ضد الصحفيين من وسائل الإعلام المعنية: جيفري ليفولسي، وماتياس ديستال, وميشيل ديسبراتكس، و بينوا كولومبات, حيث تم نشر هذه الوثائق من على منبر كلا من: راديو فرنسا الدولي وشركائه الأربعة الآخرين: قناة أرتيو التلفزيونية الفرنسية الألمانية, موقع كونباني, صحيفة ميديا بارت الفرنسية, وصحيفة انترسبت, حيث تم استدعاءهم من قبل المديرية العامة للأمن الداخلي في نهاية مايو المنصرم بتهمة المساس بسرية الدفاع الوطني, وهي جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامات مالية تصل إلى 75.000 يورو.

كيف يمكن استدعاء هؤلاء الناس الشجعان من قبل الشرطة السياسية التابعة للمديرية العامة للأمن الداخلي, وهكذا, يجب علينا إما أن نستنكر مبدأ إساءة استخدام السلطة في كلا الاتجاهين أو أن نتأقلم على فكره البقاء في المرتبة الأضيق من حيث حرية الصحافة والتعبير، دون الشكوى أو التذمر

فمنذ أن انطلقت هذه الدعوات، تم وضع أي شكوك بشأن التسلح الفرنسي ضد الدولة من قبل وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية مثل حركة المسيحيين من أجل إلغاء التعذيب &; ACAT ومنظمة أخلاقيات أمن العمل الجمهوريين.

رست سفينة الشحن السعودية بحري ينبع على ساحل ميناء لوهافر, حيث وجهت لها اتهامات بنقل ثمانية مدافع من طراز قيصر:

تعي الحكومة جيداً الماهية الحقيقة للحمولة التي ستنقل إلى سفينة الشحن السعودية, بيد أنها لم  تحديد طبيعة التسلح أو الوجهه ولكن تم التأكيد على أنه لا توجد عمليات تسليم لمدافع قيصر.

عاد الجدل إلى الواجهة مرة أخرى بسبب سفينة الشحن السعودية بحري تبوك التي وصلت إلى ميناء مرسيليا حيث تم الإشارة إليها بأصابع الاتهام بأن المهمة التي جاءت من أجلها تكمن  تحميل أسلحة للمملكة السعودية, وفي المقابل نفى المتحدث باسم الشركة Sosersid المالكة للسفينة, بصورة رسمية تلك التهم, وأشار إلى أن السفينة ستحمل لصالح الشركة الألمانية  Siemensمحطات متنقلة لتوليد الطاقة الكهربائية.

تتوالى عمليات بيع الأسلحة الفرنسية للسعودية والإمارات العربية المتحدة, نظراً لكونها لا تُستخدم ضد المدنيين!

ستبقى العبارة الشهيرة لوزيرة الدفاع الفرنسي فلورنس بارلي في سجلات الصراع اليمني, حين قالت: لست على علم بحقيقة أن الأسلحة الفرنسية تُستخدم بشكل مباشرة في حرب اليمن, كتلك التي قالها وزير الخارجية السابق لوران فابيوس, عندما وصف وجود تنظيم القاعدة في سوريا بالجيد بالنسبة للشعب السوري!

المجمع الصناعي العسكري الدولي:

لم تكن فرنسا هي البلد الوحيد الذي أخذت على عاتقها تزويد دول التحالف العربي بالاسلحة، ونتيجة لذلك، فإنها قد يشار اليها ايضاً, بأصابع الاتهام لارتكابها مخالفة قانونية محتملة.

أشارت صحيفة هآرتس الأسرائيلية إلى أن تل ابيب قد باعت قنابل وصواريخ إلى المملكة العربية السعودية أثناء حربها على اليمن، وبعضها محظور بموجب القانون الدولي.

كما عملت المملكة المتحدة على تزويد المملكة العربية السعودية, بالطائرات العسكرية من طراز يوروفايتر تايفون القتالية متعددة المهام، ناهيك عن توفيرها لوازم الذخيرة والتدريب والدعم الفني للحفاظ على هذه الطائرات في مستعمرتها السابقة.

شهد ملف مبيعات الأسلحة البريطانية تحقيق نمو بنسبة 11 ٪ خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015, حيث تم توجيه 30 ٪ من إجمالي صادرات الطائرات البريطانية والصواريخ والقنابل إلى الحليف السعودي, وهكذا حقق ملف مبيعات الأسلحة رقم قياسي.

سلطت المنظمات غير الحكومية, هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية الضوء على حقيقة استخدام القنابل والذخائر العنقودية بريطانية الصنع على الأهداف المدنية، لا سيما تلك التي استهدفت المزارع في المناطق الشمالية للبلد، على الرغم من أنها محظورة استناداً للقانون الدولي.

ففي 16 من فبراير المنصرم, إصدر البرلمان البريطاني تقرير مفصل يوضح فيه صادرات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية, التي من المحتمل أن تكون غير قانونية نظراً لأنها تنتهك الاتفاقيات الدولية مثل معاهدة التجارة الدولية للأسلحة التي تم التوقيع عليها في العام 2014.

وفي 20 يونيو، أعلنت نيتها في عدم توقيع عقود جديدة للأسلحة، لفترة، مع المملكة العربية السعودية.

ومن على الحدود اليمنية، أشار صحفيون أن طائرة يوروفايتر تايفون المملوكة لسلاح الجوي السعودي قد تم تزويدها بالوقود بواسطة إيرباص إيه 330 متعددة المهام, من قبل المملكة المتحدة وألمانيا وإسبانيا، والتي تعد من الموردين الرئيسيين للمملكة العربية السعودية.

كما تم الإشارة كذلك إلى وجود عناصر من صناعة الأسلحة الألمانية في اليمن, حيث شوهدت مركبتان مجهزتان بالدروع مماثلة لتلك التي تنتجها شركة ديناميت نوبل أي جي على الأراضي اليمنية، بالإضافة إلى سفينة حربية إماراتية من طراز فراكنتا تم تصنيعها في ألمانيا, كما يمكن أن توجد سفن أخرى تحمل الهوية الألمانية في ميناء عصب في إريتريا، القاعدة العسكرية التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة.

تم تجهيز مركبات الجيش الإماراتي بسلاح التحكم عن بعد Fewas التابعة لشركة ديناميت نوبل للدفاع الألمانية, كما تم تزويد نظام الحماية كلارا التابع لنفس الشركة على دبابة لوكيرك الفرنسية.

يدخل هيكل يونيماج- دايملر التابع لشركة مرسيدس بنز الألمانية ضمن مدافع قيصر الفرنسية, الأمر الذي أدى إلى خلاف فرنسي ألماني حول الملف اليمني, حيث قررت الإدارة الألمانية من جانب واحد في أكتوبر من العام 2018 تعليق تراخيص تصدير الأسلحة المستقبلية إلى المملكة العربية السعودية بعد قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في مدينة استطنبول التركية.

ومن جانبها, عملت شركة إيرباص في نهاية فبراير 2019 على إعلان تصميم جديد لطائرات النقل العسكرية C295 من أجل الاستغناء عن المكونات الألمانية التي تشكل 4٪ من قطع غيار الطائرات, لأن اتفاق الحكومتين ضروري للتصدير.

أفادت محطة البث الدولية صوت تركيا في 15 من ابريل 2019, أن ألمانيا قررت تقديم بعض التنازلات لإنقاذ الموقف, حيث عملت على استئناف بيع معدات وتقنيات الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ، ولكن ليس قبل حلول سبتمبر المقبل.

ولتسريع هذا الملف، عمل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون على حث ألمانيا أيضاً على استئناف هذه الصادرات، ومن جانبها, أعربت شركة إيرباص بكل وضوح عن رغبتها في مايو 2019 في الاستئناف أمام المحكمة للضغط على الحكومة الالمانية.

ومن الجدير بالذكر, أنه في  الوقت الذي فرضت فيه شركة دويتشلاند حظراً على تصدير الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية لفترة، تمكنت برلين بمهارة التهرب من فرض حظر رسمي على صادرات الأسلحة إلى نظيرتها دولة الإمارات, حيث حصل نظام رادار كوبرا، الذي تشترك فيه فرنسا وألمانيا في خط إنتاجه، على منح تصاريح تصدير من مجلس الأمن القومي الألماني لدولة الإمارات العربية المتحدة في أبريل الماضي.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، وافق الكونغرس الأمريكي في 4 من ابريل من هذا العام على قرار ينص على وقف الدعم الأمريكي لدول التحالف السعودي في اليمن، باستثناء العمليات ضد تنظيم القاعدة وغيره من التنظيمات الأرهابية.

المؤتمر السلمي, ولأول مرة على مر التاريخ, تم في الواقع إضعاف مبادرات سلطة الرئيس، الذي استخدم حق النقض في الأيام التالية.

لم يستخدم الكونغرس القانون الذي يحد من الصلاحيات العسكرية للرئيس الأمريكي (قرار صلاحيات الحرب 1973) لمدة 45 عاماً، وبالرغم من ذلك, فقد شنت العديد من الحروب غير الشرعية.

وفي الوقت نفسه, أوضحت وكالة التعاون الأمني والدفاعي الأمريكي (DSCA) أن وزارة الخارجية قد أعطت الضوء الأخضر للكونجرس لبيع الصواريخ إلى الإمارات والبحرين, في صفقة بلغت قيمتها 5،958 مليار دولار.

يضم هذا المشروع:

–         36 صاروخ من طراز أم آي أم-104 باتريوت وهي منظومة دفاع جوي صاروخي من نوع أرض-جو.

 

–         32 صاروخ من طراز إيه آي إم-9 سايدويندر وهي منظومة صواريخ جو-جو قصير المدى.

–         20 صاروخ من طراز بوينغ هاربون المضادة للسفن.

وفي شهر مايو الماضي, باعت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل منظومة الدفاع الجوي الصاروخي ثاد من نوع أرض-جو, بقيمة 2.4 مليار دولار, وذلك وفقاً لما أشارت إليه محطة البث الدولية صوت تركيا.

صدقت وزارة الخارجية أيضاً على بيع سلسلة من المعدات العسكرية الإضافية إلى أبو ظبي مقابل ما يقرب من 1.2 مليار دولار تتألف المجموعة من:

–          20 ألف صاروخ أرض-جو 70 ملم, نظام متقدم للقتل الدقيق للأسلحة  APKWSالتي ستزود المروحيات الإماراتية وصواريخ جافيلين المضادة للدبابات وطائرات بدون طيار صغيرة الحجم من طراز RQ-21A Blackjack.

لكن إدارة الرئيس ترامب تسعى إلى تجاوز الكونغرس، حيث تعرقل مجلس الشيوخ الذي وافق في نهاية يونيو 2019 على حظر 22 مشروع لبيع الأسلحة للسعودية والإمارات العربية المتحدة و الأردن بقيمة 8.1 مليار دولار.

وعلى الرغم من كون الإدارة الأمريكية على دراية تامة بالوقائع وبالكارثة الإنسانية الحاصلة في اليمن, إلا أن غالبية الأسلحة في المجمع الصناعي العسكري الفرنسي والدولي قد تم استيعابها في مجرى العمليات العسكرية لدول التحالف العربي, حيث تشير التقديرات إلى أنه تم إنفاق ما يقرب من 280 مليار دولار على قطاع الإنفاق العسكري منذ بداية الصراع.

الحرب الاقتصادية تطبق خناقها على اليمن:

بالإضافة إلى الحرب الحقيقية والفعلية، لا يوجد أفضل من الخناق الاقتصادي لزيادة الفوضى في اليمن.

عملت الأزمة الإنسانية التي تعصف بالبلد، وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية وانهيار العملة الرسمية في البلد (الريال اليمني) بمقدار الثلثين منذ العام 2015, ناهيك عن الانخفاض الكبير في أغسطس 2018, كل هذه العوامل والأسباب أدت إلى ارتفاع معدل عدم الاستقرار بشكل كبير بين أوساط السكان.

ونتيجة لذلك، عمل اليمنيون أصحاب الموارد على تحويل عملتهم إلى عملات أجنبية أو إلى معدن الذهب، مما أدى إلى تجريد البلد من رؤوس الأموال.

الأزمة الاقتصادية ومخاطر العملات النقدية لها أسباب متعددة, إذ يتردد الكثير من اليمنيين في تسليم أموالهم للبنوك المحلية، بينما تكافح الشركات للحصول على خطابات اعتماد الواردات التي يولي عليها القطاع الاقتصادي في البلد اعتماداً كبيراً.

كان هذا الإجراء صادر عن البنك المركزي اليمني, حيث عمل على أجبار التجار على إجراء جميع معاملات النقدية فقط، التي ساهمت في خفض كبير في الواردات التي تم شراؤها بالدولار.

في سبتمبر من العام 2016، تم نقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن، التي أعلنها الرئيس عبد ربة منصور هادي عاصمة مؤقتة للبلد, فقد كانت هذه الخطوة لازمة لعدم السماح للحركة الحوثية من بسط سيطرتها على هذه المؤسسة الاستراتيجية.

في الواقع، منذ أن تمكنت الحركة الحوثية من دخول العاصمة صنعاء والاستيلاء على مقاليد الحكم فيها في أواخر سبتمبر من العام 2014, عمل التمرد الحوثي بصورة تدريجية على بسط السيطرة على مؤسسات الدولة من أجل إنشاء نظام مواز للحكومة الرسمية.

يواجه هؤلاء المنشقين بشكل خاص تهم منع التجار والبنوك من فتح خطوط ائتمان في العاصمة المؤقتة عدن، بالإضافة إلى نهب كميات من احتياطي البنك المركزي اليمني, كل هذه تهم نفاها الحوثيون جميعها, كما رفض دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية.

باختصار، فأن الحرب الاقتصادية مستمرة بين الحركة الحوثية في صنعاء وبين حكومة الرئيس هادي ومؤيديها الدوليين في عدن.

كان التحالف العربي بقيادة الرياض يرى في تحويل البنك إلى عدن أنه يهدف إلى استعادة السيطرة السياسية والاقتصادية في اليمن، ولكن هذه الخطوة أثبتت أنها غير موفقة, ومن جانبه, أشار مارتن جريفيث المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن أن اللعب بورقة البنك المركزي وإضعافه هو أحد عوامل المجاعة في اليمن, حيث خرج عشرات الآلاف من اليمنيين إلى شوارع العاصمة صنعاء للاحتجاج على الحرب الاقتصادية التي يشنها التحالف الاطلسي-الوهابي على بلدهم.

ومع انهيار الريال اليمني، عملت السلطات على البحث عن حلول تسعى من خلاها إلى استقرار العملة, حيث طلبت مساعدة البنوك والمؤسسات المالية الخاصة.

وفي الوقت الذي اخذ فيه التضخم الاقتصادي في البلد في الارتفاع، كان من المتوقع أن تودع كلاً من دولتي الامارات العربية المتحدة والكويت 3 مليارات دولار, بالإضافة إلى 2.2 مليار دولار كانت الرياض قد وعدت بها, آلا أن المبلغ الذي تم جمعه لم يكن في النهاية سوى 200 مليون دولار بداية أكتوبر من  العام 2018.

وعلى أية حال، تم استلام الأوراق النقدية الجديدة بالفعل من الرياض عن طريق الطابعات الروسية، بيد أن البنك المركزي اليمني لا يستطيع ضمان قيمة تلك العملة الجديدة لعدم وجود الاحتياطي النقدي الأجنبي اللازم.

وفي حالة حدوث انهيار مالي، لن يكون هناك مجال كبير للمناورة لحماية البلد, وذلك نظراً لكون احتياطي النقدي من العملة الأجنبي لا يكاد يذكر، أضف إلى ذلك الحصار الذي اغرق القطاع الاقتصادي, ناهيك عن كون البنك المركزي تحت الوصاية الأجنبية, بالرغم من كونه يصارع من أجل العمل بشكل صحيح.

بالإضافة إلى ذلك، أدى وقف الصادرات النفطية واستهداف المواقع العسكرية والمواقع الاقتصادية المستخدمة للأغراض العسكرية إلى ارتفاع وتيرة هذه الظاهرة, فقد قصف التحالف العربي عدد 14375 مبنى مدني: مثل المصانع, والمستودعات التجارية والغذائية ودوائية, ومحطات الكهرباء والوقود.

فكل هذه العوامل والأسباب أدت إلى تراجع شعبية الحكومة, الآمر الذي يشير إلى أن المستقبل لا يبشر بالخير لليمن.

الأمم المتحدة, وساطة عقيمة:

تظهر الوقائع مرة أخرى عدم فعالية وكفاءة المنظمات الدولية في خدمة مصالح الدول القومية واحتكار القلة التي تشكلها.

ففي الوقت الذي أطلقت فيه الدولة الفرنسية مؤتمرا إنسانيا في العاصمة باريس في 27 يونيو من العام المنصرم, بمشاركة ما يقرب من ممثلي 20 دولة, وممثلي وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية،, أطلقت دول التحالف العربي لمجلس التعاون الخليجي في نفس الشهر عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مدينة الحديدة الساحلية.

فشل اجتماع باريس، في حين منيت قوات التحالف بفشل تكتيكي كبير بعد ستة أشهر من بدء العملية العسكرية, كما دفعت قضية اغتيال خاشقجي بالمملكة الوهابية إلى المسار الدبلوماسي, في حين دعا الرئيس الأمريكي أيضا إلى المفاوضات.

كان من المقرر في البداية إجراء محادثات للسلام حول الملف اليمني في النرويج, وفي الاخير, تم عقد المحادثات المباشرة الأولى بين طرفي الصراع في اليمن منذ العام 2016, في قلعة يوهانسبرغ في ريمبو, شمال العاصمة السويدية ستوكهولم, حيث التقى وفد الحوثيون بوفد حكومة الرئيس هادي المدعومة من دول التحالف الأطلسي -الوهابي.

وفي 13 ديسمبر من العام 2018, وقع طرفي الصراع على اتفاق للسلام الذي توصل إلى الهدنة ووقف العمليات القتالية والانسحاب التدريجي للقوات المسلحة في محافظة الحديدة الساحلية الواقعة في الجهة الغربية لليمن, بالإضافة إلى تبادل قرابة 4000 سجين خلال الأسابيع التي تلت توقيع اتفاق السلام.

كما نص اتفاق السلام إلى إنهاء الأزمة: ففي البداية كان من المقرر انسحاب القوة العسكرية الحوثية من الموانئ الشمالية الغربية: رأس عيسى, وصليف وثم من ميناء الحديدة, البوابة الرئيسية الكبرى للبلد.

في حين تنص المرحلة الثانية على سحب الميليشيات التي تديرها قوات التحالف السعودي من شرق مدينة الحديدة الواقعة تحت سيطرة المتمردين، وأخيراً كان بند تبادل الأسرى.

بعد يومين فقط من وقف إطلاق النار، استأنفت قوات التحالف العربي غاراتها الجوية والاشتباكات في مدينة الحديدة عشية 16 ديسمبر وتم التصديق على سريان مفعول اتفاق وقف إطلاق النار في 18 ديسمبر كما تم تفويض الأمم المتحدة لإدارة ميناء الحديدة, وتم تبني القرار رقم  2451 في 21 ديسمبر 2018 من قبل أعضاء مجلس الأمن 15 والذي نص على إرسال مراقبين دوليين إلى مدينة الحديدة.

التقى طرفي الصراع مرة أخرى في أواخر ديسمبر لمناقشة تنفيذ الاتفاق, وفي 29 ديسمبر 2018, أعلنت الأمم المتحدة بدء انسحاب المتمردين الحوثيين من ميناء الحديدة.

وفي منتصف يناير من العام 2019, تبنى مجلس الأمن الدولي القرار رقم  2452, الذي يؤيد القرار السابق، بالإجماع لدعم اتفاق الحديدة, وبالتالي فإن مهمة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة مكلفة برصد ومراقبة وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة وإعادة انتشار القوات, ولكن بعد فترة قليلة، تبادل طرفي الصراع بعضهما البعض أتهم بانتهاك اتفاق ستوكهولم.

ومن جانبها, دعت الحكومة اليمنية والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في 31 يناير من هذا العام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى إجبار المتمردين الحوثيين على احترام اتفاقية وقف إطلاق النار المبرم في ديسمبر 2018 في مدينة الحديدة.

لكن كما يؤكد المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (IFRI)، لماذا يحترم الحوثيون اتفاق وقف إطلاق النار في الحديدة في حين يواصل التحالف العربي هجماته على المناطق الشمالية؟ وفي حال تم التأكيد على عملية حل الأزمة من قبل المتمردين والقوات الموالية في 17 فبراير، فإن انسحاب القوات لن يتم وتبادل الأسرى أيضاً.

لم تتوقف المواجهات بالرغم من تقطعها في مدينة الحديدة، لكن الأمم المتحدة أعلنت في 11 مايو انسحاب القوات الحوثية من موانئ الصليف ورأس عيسى والحديدة على النحو المتفق عليه.

ومن جانبه, انتهز أحد قادة التمرد الحوثي محمد علي الحوثي هذه الفرصة للتنديد بانعدام نية إرادة المملكة العربية السعودية, والإمارات العربية المتحدة, وبريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ اتفاقيات ستوكهولم للسلام.

تم إهمال نقطتين هامتين خلال محادثات الأمم المتحدة للسلام: –

أولاً، تم فصل المجموعات الانفصالية والحكم الذاتي في جنوب اليمن بشكل كامل عن المفاوضات, نظراً لكونها تلعب دوراً في المعادلة اليمنية, ففي الواقع، لا تزال المعارضة التاريخية بين الشمال والجنوب والإعلان الذاتي للمجلس الانتقال الجنوبي، في مايو 2017, من قبل محافظ مدينة عدن السابق عيدروس الزبيدي يدل على الإرادة السياسية لهذه الجماعات.

ثانياً، لم يتم طرح الملف الاقتصادي، في حين أن اليمن مقسمة إلى كيانين منفصلين لكلاً منهما سياساته المالية الخاصة بالعملة نفسها، والتي تثير قضايا الإدارة الرئيسية لمستقبل البلد.

الوضع المادي والإنساني:

تقع الحديدة في صميم اهتمامات الملف اليمني لأسباب موضوعية عدة, حيث تخضع هذه المدينة الساحلية لحصار بحري شبه كامل، في حين أنها تحتضن أهم المنافذ البحرية اليمنية, حيث يصل إليها ما يقرب من 85٪ من المساعدات الغذائية والصحية, بالإضافة إلى كونها مورد 70٪ من واردات البلد.

إن المكانة التي تحظى بها مدينة الحديدة لا تخفى على الحركة الحوثية ودول التحالف العربي, حيث أن الحصار المفروض على العديد من موانئ اليمن وبصورة رسمية يكمن في منع تسليم الأسلحة الإيرانية للمتمردين الحوثين، وبالتالي, فهذا الإجراء يعيق ايضاً وصول المساعدات الإنسانية, ووفقاً للتقرير الصادر عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أغسطس 2018, فأن السفن السعودية والإماراتية تشل بشكل تعسفي إيصال المعونات الغذائية, والمشتقات النفطية, والأدوية المستوردة إلى أكثر من 20 مليون يمني, بذريعة الالتزام بحظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على الحوثيين.

وفي نفس السياق, تحتوي مطاحن البحر الأحمر الواقعة شرق مدينة الحديدة على 51000 طن من القمح، وهو ما يكفي لإطعام ما يقرب من 4 ملايين شخص لمدة شهر.

سيطرت الحركة الحوثية على هذا الموقع الغذائي الهام حتى نوفمبر من العام 2018, ومن ثم تمكنت قوات التحالف العربي من بسط سيطرتها عليه حتى دخلت الهدنة حيز التنفيذ في 18 ديسمبر 2018.

وللأسف, لم يسمح وقف إطلاق النار لإيصال المساعدات الإنسانية إلى مواردها, نظراً لأن هذه المطاحن تعتبر وسيلة ضغط تستخدمها جميع أطراف الصراع.

ومع ذلك, يشار إلى المتمردون الحوثيون بأصابع الاتهام باعتبارهم عمدوا إلى تلغيم المنطقة المحيطة بالموقع, وذلك وفقاً لما أشارت اليه دول التحالف العربي والمنظمات غير الحكومية.

ومن جانبه, أشار المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي, إلى أن الحوثيون سيعملون بالمثل، حيث أنهم سوف يعيقون وصول العاملين في المجال الإنساني.

أنتهز التحالف الأطلسي-الوهابي هذه الفرصة ليجادل بأن الخيار العسكري المباشر ضد المتمردين هو الخيار الأمثل والأنسب.

وحول مدى تأثير هذه الحرب على المدنيين، لم يعد هناك أي شك، خلاف لما يقوله الرئيس ايمانيول ماكرون, إذ أشارت خارطة DRM والتي تحمل عنوان “مدنيون في مرمى القذائف” إلى أن ما يقرب من  48 مدفعية قيصر فرنسية الصنع والتي تم بيعها للمملكة السعودية تم توجيه أفواهها باتجاه ثلاث مناطق سكنية في اليمن, والمكتظة بالقرى والمزارع والمدن, ومن المحتمل أن تلقي هذه الأسلحة بظلالها على ما يقرب من 436,370 شخص.

جزء من المستند المعني (المصدر: موقع ديسكلوز)

وضعت قوات التحالف العربي القطاع الصحي في مرمى نيرانها, ولسوء الحظ, كانت المستشفيات والمرافق الصحية التي تديرها منظمة أطباء بلا حدود أحد هذه الأهداف, ففي ديسمبر 2016, شنت مقاتلات التحالف السعودي غارة جوية على احد المرافق التابعة للمنظمة, مما أجبر السعوديين على الاعتراف رسمياً بالخطأ.

كما دمر قصف التحالف الأطلسي-الوهابي ما لا يقل عن 421،911 منزلاً، و930 مسجداً، و888 صرح تعليمي, وفي حين تم إغلاق 4500 مدرسة بشكل إجمالي, كما تعرض 327 مستشفى ومركز صحي و 38 مؤسسة إعلامية لغارات جوية.

أظهر تحقيقان منفصلان أجرتهما شبكة سي إن إن الأمريكية ومنظمة العفو الدولية عن عمليات نقل للأسلحة من التحالف السعودي إلى الميليشيات اليمنية التي تم التنديد بانتهاكاتها الجسيمة لحقوق الأنسان.

تفشت عمليات التعذيب والعنف الجنسي في السجون اليمنية التي يرتكبه الجنود الإماراتيون, الذين لا يوجد من يردعهم عن فعل ذلك، وبالتالي, يجب على الأميركيين أن لا يغفلوا الطرف عن مثل هذه الانتهاكات, كونهم احد الأطراف المشاركة في التحقيقات على ارض الواقع.

والأسوأ من ذلك، أنه تم استخدام الأسلحة المحظورة بموجب القانون الإنساني الدولي في اليمن, وذلك بحسب ما أشار إليه مركز الأبحاث الاستخباراتي الفرنسي (CF2R):

اليورانيوم المنضب، والقنابل العنقودية، والفوسفور الأبيض …….، كما أشارت, منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية إلى أن القنابل العنقودية المحظور استخدامها دولياً, عثر على أجزاء منها في اليمن.

البصمات الفرنسية موجودة في ثنايا الصراع, وفي الوقت نفسه يدير قصر الاليزية الفرنسي, وإنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية حملات لجمع التبرعات الإنسانية للتخفيف من حدة الأزمة اليمنية, فعلى سبيل المثال, في فبراير الماضي، تعهدت فرنسا بتقديم 10 ملايين دولار لليمن، لكن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة كانتا أكثر دول مؤتمر المانحين سخاءً, حيث قدمت أكثر من 18 مليار دولار لليمن منذ العام 2015, كان نصيب المملكة السعودية في ذلك 12 مليار دولار.

كما منحت الرياض لليمن خلال مؤتمر جنيف في فبراير 2019, 500 مليون دولار أخرى كمساعدات, وهكذا, تمكنت الأمم المتحدة من خلال هذه الجهود المبذولة في العام 2019 من جمع تبرعات لمساعدة اليمن بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار, بزيادة بلغت 30 ٪ عن العام السابق.

تعتبر المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هي الجهات المانحة الرئيسية, ونظراً لعدم تحسين المستوى المعيشي على جميع الأصعدة، حشد العديد من النشطاء اليمنيون من خلال عريضة على موقع Exchange.org بالمساءلة حول كيفية إنفاق الهبات التي حصل عليها اليمن من خلال مؤاتمرت المانحيين, وبحسب توم بير-كوستا من المجلس النرويجي للاجئين, يحتاج ما يقرب من 80٪ من السكان في اليمن, أي ما يعادل 24 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية.

ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية والضرورية جراء الحصار المفروض على البلد من قبل دول التحالف السعودي, ومن جانبها, أشارت الأمم المتحدة إلى أن حوالي 19 مليون شخص, أي ما يعادل حوالي 60 ٪ من إجمالي عدد السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي, بما في ذلك 10 ملايين شخص على حافة الوقوع في شرك المجاعة, لذلك أطلقت الأمم المتحدة عملية إنسانية واسعة, تم من خلالها توفير 51 ألف طن من القمح لإطعام 3.7 مليون يمني لمدة شهر, وبحسب التقارير الصادرة عن منظمة اليونيسيف، يموت في اليمن 80 طفلاً بصورة يومية، والنتيجة 2400 طفل شهرياً.

يقول القائمون على منظمة إنقاذ الطفولة البريطانية غير الحكومية أن 85000 طفل يمني قد ماتوا نتيجة لصراع الدائر في البلد منذ أواخر مارس من العام 2015, بالإضافة إلى تفشي مرض سوء التغذية بين الأطفال, ومع حلول مطلع العام 2019, كان 11 مليون طفل بحاجة إلى المساعدات الإنسانية العاجلة, في حين خيمت المجاعة على 5.2 مليون طفل.

وهذه الأرقام لا تزال تزداد سوءا مع مرور الوقت، لأنه سيتم إضافة مليون طفل آخرين على الأقل يعانون من المجاعة في مدينة الحديدة وحدها.

يضم اليمن حوالي 20٪ من إجمالي عدد الأطفال حول العالم الذين يحتاجون إلى الحماية في مناطق الصراعات والكوارث, حيث يقدر عددهم 34 مليون طفل.

وفي الاخير، أشار تقرير مشترك صادر عن البنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الأوروبي إلى أن التكلفة الاقتصادية للحرب والأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بلغت 13 مليار يورو.

أوضحت المجموعة البحثية التابعة لجامعة ساسكس (اليمن المستقل, لموقع النزاع المسلح و بيانات مشروع الحدث  ACLEDأنه بسبب عدم حساب ضحايا سوء التغذية والكوليرا، يقدر أن العمليات القتالية خلفت وراءها ما بين 70 إلى 80 ألف مدني, بالإضافة إلى تشريد 3 ملايين شخص منذ مارس 2015, حيث انه من المحتمل أن يتجاوز العدد الإجمالي للقتلى المدنيين والعسكريين 200 ألف شخص منذ مارس 2015.

الخاتمة:

يمكن للقطب الأوراسي أن ينهي الأزمة اليمنية:

نظراً للفشل الذي منيت به الأمم المتحدة، وهيمنة الغربيين، وتحديد الجهات الفاعلة من الدول العربية وأعدائهم الحوثيين على ارض الواقع، فإن الحل الوحيد للأزمة اليمنية يكمن في المشاركة الروسية أو الصينية-الروسية لتسوية الوضع.

إذ يجب أن يكون الحل دبلوماسيا من قبل مجلس الأمن الدولي والجيش لتأمين المناطق الإستراتيجية والإنسانية.

هذا الموقف يمكن الدفاع عنه لأن السلام يستند بصورة أساسية إلى توازن القوى، حيث أثبت الدب الروسي قدرته على الدبلوماسية مع جميع الأطراف الفاعلة, كما أثبتت الحرب في سوريا كذلك أن موسكو اليوم لديها القدرة على عرض نفسها في مسارح خارج منطقة ما بعد الاتحاد السوفيتي التقليدية وأن الجهاز الخاص بها يمكن الاعتماد عليه.

رفضت الدبلوماسية الروسية طلب زعيم المتمردين الحوثيين عبد الملك الحوثي, عندما طلب منهم مد يد العون في العام 2015, لمجابهة التحالف الاطلسي-الوهابي.

ففي ظل الضعف المتزايد الذي تمر به حكومة الرئيس هادي, يرجى أن يسمح لروسيا بالتدخل على الأراضي اليمنية، كما فعل الرئيس بشار الأسد في بلده, حيث أن التدخل الروسي أو الصيني- الروسي سوف يثبت مرة أخرى أن مكافحة الإرهاب من جانب  التحالف الاطلسي – الإسرائيلي غير فعالة.

أن هذا التدخل لا يمكن تصوره فحسب، فهو يتماشى أيضاً مع المصالح الجيوستراتيجية لعودة روسيا العسكرية إلى إفريقيا.

في الواقع, ففي أعقاب المساعدة العسكرية المقدمة إلى جمهورية أفريقيا الوسطى والعرض السوداني, اتاحة الفرصة أمام الروس لإنشاء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر، ويمكن لروسيا أن تفكر في إنشاء قاعدة بحرية وجوية في أرض الصومال في غضون بضع سنوات, وذلك على بعد كيلومترات من القاعدة الأمريكية في جيبوتي في معسكر ليمونير, مقر قوة العمل المشتركة الموحدة في القرن الأفريقي، والانضمام إلى الصين، التي تملك أيضا القاعدة العسكرية الوحيدة لها في هذه الدولة الصغيرة, فبمجرد أن يستقر الصراع في اليمن، سيكون من الضروري أن تتجه أفريقيا نحو المستقبل، إذا لم يكن الأمر كذلك بالفعل.