ليلى عماشا*

للثلاثة والثلاثين يومًا في أذهاننا رمزية عميقة، فهي عدد أيام العدوان الوحشي الذي انتهى بالنصر الإلهي في تموز ٢٠٠٦. لذلك، ومع بلوغ العدوان على غزّة يومه الثالث والثلاثين، نستعيد من ذاكرتنا الحيّة تلك التفاصيل المكلّلة بالنصر، والذي نوقن أنّه سيتجدّد في غزّة، بنصر من الله وبعزيمة المقاومة ويقينها.

في تموز ٢٠٠٦، مارس العدو أقصى همجيّته، تمامًا كما يفعل اليوم في غزّة: مجازر يومية تستبيح كل المحرمات في الحروب، قطع أوصال المناطق واستهداف المدنيين في كلّ مكان.. أبنية الضاحية استحالت ركاما ملاصقًا للأرض.. القرى فرغت إلّا من البيوت المدمّرة التي تنتظر عودة أصحابها، وتلك التي قضى أصحابها بين حجارتها شهداء.. تهديدات متواصلة يحملها الدبلوماسيون الغربيون إلى لبنان.. تواطؤ عربي ودولي وخذلان على مدّ النظر..

المشهد القاتم هذا لم يغلب يقين أهل المقاومة بالنصر، ولا وهّن من تمسّكهم بالمقاومة خيارًا أوحد، ولا أرهب قلوبهم التي توقن بانتصار الدم على السيف.. وكذلك، كان الجانب المشرق حاضرًا في كلّ التفاصيل: ألطاف الله الحاضرة في الميدان، إنجازات المقاومين في كل اشتباك والتحام خاضوه مع كل محاولة دخول برّي للعدو، السند العظيم من الجمهورية الإسلامية في إيران وحضور سيد شهداء محور المقاومة بنفسه لمتابعة مجريات المعركة من قلب المعركة، ثقة الناس بسيّد الحرب والنصر، والتي كانت تترجمها قلوبهم مع كل إطلالة له خلال الحرب بالكثير من الدمع والحمد والولاء.. التفاف أهل الشرف والأحرار من كل العالم حول الحقّ المقاوم..

هذا ما نراه اليوم بالضبط في غزّة. وكأن الحدث الحاضر يتقاطع في كلّ تفاصيله مع تمّوزنا الذي في الذاكرة.. ومن هنا، طمأنينتنا العالية في هذه المعركة بالرغم من عمق الجراح التي تحزّ القلب وتدميه ولا تزيده إلّا إيمانًا ويقينًا.

ثلاثة وثلاثون يومًا على بدء المعركة.. المقاومة في فلسطين تكتب التاريخ، تغيّر مسارات كل خطط الغرب حيال المنطقة برمّتها.. دخول المقاومة العراقية والمقاومة اليمنية على خط المواجهة يصفع الغرب كلّه بحقيقة وحدة السّاحات.. الجبهة التي فتحتها المقاومة في لبنان نصرة لغزة تؤرق العالم كلّه، ويكاد الغرب لولا غروره أن يأتي راجيًا ألّا يوسّع حزب الله إطار عملياته ضد الصهاينة انطلاقًا من جنوب لبنان، فيوفد من يقول المضمون نفسه بلغة تحفظ عنجهيته، ويدّعي أنّ مطلبه بعدم توسيع الجبهة في الجنوب يهدف إلى حماية لبنان! ويظنّ الأغبياء أنّ الطفل منا تنطلي عليه هذه الكذبة!

وفيما يحشد الغرب ضد المقاومة، ويصطف صفًّا واحدًا لسحقها وتغريبها وعزلها، ويدعم الصهيوني بالسلاح وبالموقف وبالمساندة ويدفعه بشكل أو بآخر إلى الإمعان في الوحشية، تحتشد في ذهنه حقائق عديدة يكابر عن الإقرار بها: وقوعه في شرّ الهزيمة منذ السابع من أكتوبر وبتوقيت المقاومة، عجزه عن تحقيق هدفه بعزل المقاومة وسحقها، رعبه القادم من كلّ دول محور المقاومة التي أثبتت بالدم أنّ لا مجال للمسّ بوحدة ساحاتها ووعيه التام، وبالنقاط، لخسارته النهائية ككيان آمن للسكن وكفزّاعة إرهابية تنفّذ كلّ ما يريده الغرب من المنطقة.

هذه الأيام الثلاثة والثلاثون أعادت لذاكرتنا نسختها التي شهدناها في العام ٢٠٠٦: الوجع المرصّع بالصبر، الوحشية الدولية المشرّعة والإرهاب العالميّ المنظّم، واليقين، كلّ اليقين بأنّا حتمًا منتصرون.

* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب