السياسية:
زينب عقيل*

عندما سرت شائعات حول مرض الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وانتقاله إلى إيران لتلقي العلاج، ناقش المحللون في أستوديوهات التحليل العبرية، لساعات، وجادلوا عما إذا كانت هذه الأخبار صحيحة، أو أنها في إطار الحرب النفسية التي تُشنّ ضدّ الحزب. وخلصوا إلى أنّ كل ظهور للسيد نصر الله هو جولة من جولات الحرب. وهي حرب اشتدت بعد عدوان تموز، إسرائيل هي مهندسها، وهدفها التأثير على معنويات المقاومة وقاعدتها الشعبية، بعدما تبيّن لهؤلاء أنه في الحرب مع حزب الله، ليست فقط القنابل ما يحسم المعركة.

عدد لا يمكن حصره من الأبحاث التي تناولت شخصية السيد نصر الله وجاذبيته التي أصبحت جزءً لا يتجزّأ من تاريخ الشرق الأوسط كما عبر أحد الأبحاث لجامعة أوكسفورد. وقد وصفه العديد من المعلقين في بداية الصعود بأنه “تشي جيفارا الثاني” قبل أن تضعه الولايات المتحدة على رأس لائحة التهديد. ونظرًا لنجاحه الباهر في الحرب النفسية، يؤمن العديد من المحللين الإسرائيليين أن الطريقة التي يظهر بها السيد نصر الله تخضع لخبراء الحرب النفسية في الحزب. وأنّ خطاباته تكون خاضعة للتدقيق. يرتاح هؤلاء عندما يصيغون الأمر على هذه الطريقة، إذ من الصعب عليهم أن يتقبّلوا أنّ الرجل بحدّ ذاته هو سلاح بفعالية أقوى من الصواريخ الدقيقة.

في أستوديوهات التحليل الإعلامية وحتى الأبحاث الأكاديمية، يدرس هؤلاء مزاجه الهادئ أو المستنفر، هل رفع إصبعه مهدّدًا إسرائيل أم لا. إذا لم يرفع إصبعه في أي خطاب كان فإن للمسألة دلالة لديهم. في خطابه حول النفط والغاز، بعد أسبوع كامل من التحليل حول صحته، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلّق فوق لبنان بطريقة غير مسبوقة، في تلك الفترة كان الحديث عن الحرب التي تحلّق في الأرجاء متصاعدًا، وكان العدوّ يشنّ غارات وهمية على علوٍّ منخفض فوق المناطق الحدودية. لكن السيد نصر الله لم يرفع إصبعه. تم تحليل سلوك السيد الهادئ بأن الحزب يمتلك “صاروخًا نفسيًا متطورًا” يُطلّق على إسرائيل وأعداء الحزب.

الشاهد الأساسي يأتي في خضم أكبر عملية شنتها المقاومة الفلسطينية في تاريخ الكيان المؤقت، عندما عبرت حماس المحاصرة من غزة، وأسرت المئات من المستوطنين. وعلى الرغم من الجبهات المشتعلة، فإن سلاح السيد نصر الله لم يتم إشهاره بعد. يقلق ذلك الإسرائيليين، وكلّما تأخر الوقت، يزدادون إيمانًا بأن موعده هو “يوم القيامة”، كما عبّرت صحيفة “هآرتس” العبرية. ويترقبون أي إشارة تدلّ على هذا اليوم. تمّ نشر شريط فيديو لبضع ثوانٍ يمرّ فيه السيد نصر الله بجانب شعار حزب الله، ولا يظهر سوى ظهره. تحلل صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية ذلك على أنه ينقل رسالةً مفادها أنّ الأمين العام لحزب الله موجود في قلب الحدث، على الرغم من أنه لم يتحدّث حتى الآن. بعدها بفترة قليلة، تمّ الإعلان عن موعد الخطاب ضمن مهرجانات شعبية في لبنان، والآن، يجري التحليل على الشكل التالي: لماذا ضمن مهرجانات شعبية وما دلالات ذلك؟ هل يمكن أن يقول “أنظروا إليها تحترق” أمام الحشود دون أن يخاف عليها من قصف إسرائيلي؟ وآخر يقول هذا تمرينه الكلاسيكي للإلهاء، الليلة أو بعد غد سيقوم بمحاولة الغزو.. لا تصدقوا ذلك، إنه يخطط لشيء ربما الليلة. تعليق آخر على إعلان الخبر يقول، ليلة الجمعة هي بالضبط الوقت المناسب للانتقام لدماء القتلى.. إنه يومهم المقدس..

هذا بالنسبة لجمهور العدوّ ومحلليه.. لكن ماذا عن جمهوره الذي يمنحه الشرعية في أي عمل يقوم به؟

في كتابه سيكولوجيا الجماهير، أسهب غوستاف لو بون في الحديث عن القادة السطحيين والمجانين في التاريخ، وكيف يدغدغون الغرائز الوضيعة للجماهير، وبالتالي فإن النفوذ الذي يمارسونه على الناس يظلّ دائمًا مؤقتًا وعابرًا. أما المقتنعون الكبار بمبادئهم والذين استطاعوا التوصل إلى تحريك روح الجماهير وحماستها من أمثال بطرس الناسك وقادة الثورة الفرنسية وغيرهم فهم لم يسحروا الجماهير ويبهروها، إلا بعد أن كانوا هم قد سُحِروا بعقيدة ما أو إيمان ما. وعندئذٍ استطاعوا أن يثيروا في النفوس تلك القوة الهائلة التي تُدعى الإيمان. ثم ذكر لو بون أن هؤلاء نادرون جدًا إلى حدّ أنه يمكن تعدادهم على مدار التاريخ.

لقد استطاع السيد حسن نصر الله أن يزوّد جماهيره وحتى أعداءه بالإيمان بقوته، قوة الحقّ بأرضه التي يمتلكها أولًا وقوّته العسكرية ثانيًا، وإذا ما تزوّد الجمهور بالإيمان، تضاعفت قوّته عشرات المرات، حتى إن الجمهور العربي من خارج لبنان، لم يعد يناشد الأنظمة العربية كما كان الحال سابقًا في التظاهرات ضد الجرائم الإسرائيلية، لم يعد ثمّة أمل. لقد بات يردد باسم السيد حسن نصر الله. ويؤمن بذلك العدوّ قبل الصديق.

* المصدر: موقع الخنادق اللبناني

* المادة نقلت حرفيا من المصدر