“يديعوت أحرونوت”: أزمة ثقة بين نتنياهو و”الجيش” الصهيوني
السياسية:
تناول الكاتبان الصهاينة، ناحوم برنياع، ورونن بيرغمان، في مقال بموقع صحيفة “يديعوت أحرونوت” العملية العسكرية البرية التي تعتزم حكومة الاحتلال الصهيونية برئاسة بنيامين نتياهو شنّها على غزة بعد 17 يوماً على انطلاق معركة “طوفان الأقصى”، والتي تمّ تأجيلها مرتين بزعم رداءة الطقس أولاً، وثانياً “منح فرصة” لإعادة الأسرى الصهاينة لدى حركة “حماس”.
وفيما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
على عتبة دخول بري إلى غزة، مقابل معضلة الأسرى – ووفق إفادات مصادر سياسية وعسكرية، الحكومة تجد صعوبة في التوصل إلى قرارات متفق عليها في مواضيع مركزية اليوم، وتقول إنّ نتنياهو غاضب على مسؤولي “الجيش” الصهيوني، المتهمون برأيه بكل ما حدث – يتعامل بضيق صدر مع آراء وتقديرات الألوية، ولا يسارع إلى تبنّي خططهم. كذلك العلاقات بينه وبين وزير الأمن، يوآف غالانت تصعّب العمل المشترك. الخشية من العاصفة التي ستأتي في اليوم التالي تتغلغل إلى قيادة “الجيش”.
في الأيام المقبلة، وربما في الساعات الآتية، سيكون على كابينت الطوارئ اتخاذ قرار مصيري. في خبر بثّته أمس الأحد، ذكرت شبكة “سي إن إن” الأميركية، أنّ إطلاق سراح المواطنتين الأميركيتين، يهوديت ونتالي رعنان، عزز الشعور وسط الفريق الأميركي بأنه يمكن تحرير “رهائن” إضافيين من خلال مفاوضات. وزعمت الشبكة التلفزيونية من مصادر في واشنطن بأنّ الإدارة تضغط على كيان “إسرائيل” لتأجيل الدخول البري في قطاع غزة من أجل التمكّن من إحراز تقدم في قضية “المخطوفين”. وقالت مصادر صهيونية ردّاً على ذلك إنه “لا تمارس ضغوط أميركية” على كيان “إسرائيل”.
ويجري رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الاتصالات مع “حماس” بالتشاور مع البيت الأبيض.
الرئيس جو بايدن مقتنع بأنّ معالجة قضية الأسرى لها الأسبقية على أي خطوة أخرى، بما في ذلك العملية البرية في غزة. فيما كانت كيان “إسرائيل” ترغب بفصل مسألة الدخول البري عن مسألة الأسرى. وفي الظروف التي نشأت، من المشكوك فيه ما إذا كان هذا ممكناً.
الناطق باسم “الجيش” الصهيوني قال صراحة، أمس الأحد، إنه ينتظر موافقة المسؤولين السياسيين على العملية البرية. هذه هي الطريقة التي يمكن بها لقيادة “الجيش” نقل عبء تأكيد العملية إلى الحكومة، وخصوصاً نتنياهو. إلى جانب السجال حول التوقيت، حيث نشأت أزمة ثقة بين نتنياهو و”الجيش”، وداخل الكابينت المقلّص والكابينت الموسّع.
أزمة الثقة هي ضرر إضافي للأضرار الرهيبة التي تلقّتها “إسرائيل” في 7 تشرين أول/أكتوبر الجاري. حيث أنها تجعل من الصعب جداً التركيز على الحرب واتخاذ قرارات مؤلمة أيضاً. كيان “إسرائيل” بحاجة الآن إلى قيادة فعّالة تركز على المهمة.
يمكن إعادة بناء المنازل.. لكن من الصعب إعادة بناء ثقة. في عام 1973، فوجئت كيان “إسرائيل” بمرارة وتعرضت لضربة قاسية في البداية، لكن قيادتها، على الأقل معظمها، استمرت في أداء وظائفها – وساهم لاعبو التعزيز الذين انضموا بالخبرة والهدوء لاستعادة عملية صنع القرار المنتظمة، والثقة بأننا في النهاية سننتصر. اليوم، “إسرائيل” تُدار، ولكن ليس لديها إدارة فعّالة. هذه هي مصيدة 23.
هذه المرة، على الرغم من النوايا الحسنة، يترك لاعبا التعزيز، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، بصمة صغيرة على النتيجة النهائية، على الأقل في الوقت الحالي. بموجب الاتفاق الذي وقّعاه مع نتنياهو، لا يمكنهما مقابلة ضباط خارج مداولات الكابينت ما لم يوافق رئيس الحكومة.
لقد مرّ 17 يوماً على هجوم “حماس” في “غلاف غزة”. بالنسبة للعائلات التي يُحتجز أعزتها في مكان ما في غزة، كان هذا وقتاً طويلاً جداً. إنه أيضاً وقت طويل لأولئك الذين يدفنون قتلاهم كل يوم، ولأولئك الذين ينتظرون الأوامر في الوحدات العسكرية في الشمال والجنوب، وللمجتمع الصهيوني ككل. الصهاينة حالياً هم في مستوى التحدي.
الحلقة الضعيفة هي الحكومة. وفقاً لشهادات مصادر سياسية وعسكرية، حيث أنها تجد صعوبة في التوصل إلى قرارات متفق عليها في قضايا رئيسية مدرجة على جدول الأعمال. في الأسبوع الماضي ورد أنّ نتنياهو منع اتخاذ قرار بشأن عملية في الشمال، على الرغم من أنّ “الجيش” الصهيوني، ووزير الأمن غالانت أوصيا بعملية – وهو ادعاء نفاه نتنياهو. في صلب السجال كان المطلب الأميركي بتجنّب ضربة صهيونية وقائية في لبنان. وضمّ الأميركيون إلى هذا الطلب حزمة مساعدات عسكرية سخية، ووضع حاملتي طائرات قبالة الساحل اللبناني، وتعهّد بدعم “الجيش” الصهيوني إذا بدأ حزب الله حرباً. هذا الأسبوع، ادعى وزراء مرة أخرى، أنّ نتنياهو هو الذي يقف وراء تأخير الدخول البري إلى غزة. ووصف وزير لم يجرؤ على الكشف عن هويته بالاسم وصف نتنياهو بأنه “جبان”.
الحرب في غزة ولدت توافقاً واسعاً في المجتمع الصهيوني. أما على رأس الحكومة و”الجيش”، فالوضع مختلف. فقد خلقت أحداث 7 تشرين أول/أكتوبر أزمة ثقة: نتنياهو غاضب على مسؤولي الجيش الصهيوني، الذين، برأيه، هم المذنبون في كل ما حدث. إنه يتعامل بضيق صدر مع الآراء والتقديرات التي يعبّر عنها الألوية (ضباط الأركان) ولا يسارع إلى تبني الخطط التي يقدمونها. ليس من قبيل المصادفة أنه التقى مرتين في الأيام الأخيرة باللواء المتقاعد إسحاق بريك، الذي ينتقد بشدة قدرات القوات البرية لـ “الجيش”، ويعارض عملية برية في غزة.
ليس من قبيل المصادفة أنّ أخبار هذه اللقاءات مع بريك، الذي كان يُنظر إليه بعد السبت الأسود على أنه “نبي عند بوابة المدينة”، وجدت مكانها في وسائل الإعلام، بتوقيتٍ أعجوبة لفيلم غير موقع نشره بعض أكثر مؤيدي نتنياهو المتحمسين. تحت عنوان “الأخلاق تُلزم: حياة جنودنا تأتي أولاً!”، فإنه يفسر لماذا يحظر بدء المناورة البرية الآن. وقال هناك: “تدمير غزة السفلى قبل توغل بري” – كلام، وفقاً لبعض كبار الخبراء بشبكة أنفاق “حماس”، يشبه إلغاء الخطة بأكملها، ببساطة لأنّ المدينة الهائلة، مع الكثير من الأنفاق والطوابق، لا يمكن تدميرها فقط من الجو.
العلاقة بين نتنياهو ووزير الأمن تجعل من الصعب جداً العمل المشترك. فالرواسب نشأت في آذار/مارس الماضي، عندما أقال نتنياهو غالانت وأُجبر على التراجع. وتفاقمت بعد تسريب خبر يفيد بأنّ نتنياهو استخدم حق النقض، ضد عملية عسكرية مبادَر إليها في الشمال.
خلال زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كيان “إسرائيل”، منع نتنياهو غالانت من تفصيل تقديراته على مسامع الرئيس الأميركي. غالانت، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية، اكتفى بإخبار وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بأنه يريد مهاجمة حزب الله أولاً، لكنه اصطدم بقرار جهات أخرى. المواجهة ليست فقط بين خطط مختلفة، بل أيضاً على خلفية شخصية. نتنياهو يُعدّ نفسه للنضال الشعبي الذي سيبدأ بشراسة عندما يستقر الوضع على الأرض. أما مقربوه على الشبكة الاجتماعية فهم يُلقون بالمسؤولية عن الكارثة على المؤسسة الأمنية والعسكرية، من غالانت إلى رئيس الأركان ومن دونهما.
الخشية من العاصفة التي ستأتي في اليوم التالي.. خطوات وزراء وتتغلغل إلى قيادة “الجيش” الصهيوني.
في المناقشات، يتحدثون للبروتوكول، وهم يفكرون باليوم الذي سيتم فيه إنشاء لجنة تحقيق. وهذا يجعل من الصعب جداً إجراء حوار صادق ولاذع، كما هو مطلوب، بين صنّاع القرار. حتى لو كان بعض كبار الضباط قد سلّموا برحيلهم في نهاية الحرب، مما يسمح لهم بالتركيز أكثر على الانتصار فيها، إلا أنّ النقاش في القيادة، وفقا ً لشهود من أعماق الحفرة (مقر القيادة)، ليس مركّزاً كما هو مطلوب، ويفتقر إلى مبادرة استراتيجية أو حتى تكتيكية، بينما يفتقر إلى تناول سلسلة من القضايا المركزية التي من المفترض أن يتعامل معها “الجيش”.
وفي وقت سابق، أعلنت حكومة “الاحتلال” عن هدف الحرب، فيما في “الجيش” يشككون بإمكانية تحقيق الهدف. في تصريحات مختلفة، وعد نتنياهو وغالانت بمحو “حماس” من على وجه غزة. ولم يشرحا ما هو المعنى العملي لهذا التعهّد. رئيس الأركان هليفي قال: “سنقوم بتفكيك البنية التحتية التنظيمية الواقعة تحت رئيس “حماس” في قطاع غزة يحيى السنوار بالكامل”، لكن كيف سيتم تحقيق هذا الهدف؟ هل هو فقط في مدينة غزة، أم بالسيطرة الكاملة على قطاع غزة بأكمله؟ ومتى سيعرف “الجيش” والحكومة أنّ “إسرائيل” قد انتصرت بالفعل؟
في “الجيش” الصهيوني يقولون إنّ الذنب يقع على عاتق القيادة السياسية، لعدم تحديد أهداف واضحة لـ”الجيش”. قد يكون هذا صحيحاً، لكن “الجيش” الذي يذهب إلى الحرب، من دون توضيح كيف سيعرف ما إذا كان قد انتصر، ناهيكم عن الحديث عن كيفية خروجه من ساحة القتال. فيجب أن يحذر على الأقل من أنّ هذا هو الحال.
خلال العام الماضي، تمكن “الجيش” الصهيوني من التحذير من الأزمة التي نشأت بسبب “الانقلاب القضائي”. هذه المرة، على الأقل على حدّ علمنا، خفي صوته. بالإضافة إلى ذلك، – وعلى حد علمنا -، لا يوجد نقاش حول ما سيكون عليه الواقع في غزة بعد إزالة “حماس”، هذا إذاً – “لا في الجيش ولا في الحكومة.
كيان إسرائيل تريد دخول غزة، من دون تحديدٍ واضح لمتى وكيف ستغادر وماذا ستترك وراءها”.
كان ينبغي على المرء أن يتوقع أن يدير رئيس الحكومة ووزير الأمن الحدث العسكري، بينما في الوقت نفسه يدير ديوان رئيس الحكومة الحدث المدني. لم يحدث أي منهما حتى الآن.
“لو كانت الحكومة شركة تجارية، لكانت ذهبت إلى الإفلاس أو مصادرة الممتلكات”، وفق ما قالت لنا هذا الأسبوع شخصية كبيرة في الخدمة العامة.. “الحكومة لم تستعد توازنها”. والمثال الأبرز على ذلك كانت محاولة وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، تعيين أودي أديري، المدير العام الناجح من القطاع الخاص، منسقاً بين الوزارات الحكومية خلال فترة الطوارئ. أدرك سموتريتش أنّ الحكومة فقدت الدعم الشعبي وطلب تصحيحاً. المدير العام لديوان رئيس الحكومة، يوسي شيلي، غير قادر على القيام بهذا العمل بنفسه، ورفض التعيين.
في أوقات الطوارئ، الشركات الحكومية تلبي الاحتياجات الأساسية للسكان. ويتمثل دور الحكومة في ضمان عملها واستقرارها مالياً، وتوفيرها للخدمات اللازمة. وتقع المسؤولية العامة على عاتق ديوان رئيس الحكومة، لكنه لا يؤدّيها.
لذلك، في اليوم الأول من الحرب، أنشأت المديرة العامة لسلطة الشركات، ميخال روزنبويم، غرفة عمليات في السلطة. وتصدر تقريراً يومياً لدودي أمسالم، الوزير المسؤول عن السلطة. أمسالم، الذي يريد إقالة روزنبويم، لم يرد. استيقظ عندما ذهبت روزنبويم إلى اجتماعات طارئة في وزارة المالية. وسأل وزير المالية عن سبب دعوتها.
أمسالم، مثل ميري ريغيف، مثل شلومو كرعي، منغمس في الأجندة من الحقبة التي سبقت كارثة 7 تشرين أول/أكتوبر. تعيين مقربين، وإقالة مبعدين.
بعد اندلاع الحرب، قال أمسالم إنه يريد تجميد خصخصة سلطة البريد. وعندما سُئل لماذا، إذ أنّ الدولة بحاجة إلى مال، أجاب بأنّ المطبعة في مستوطنة بيري، إحدى المنافسات في المناقصة، تضررت في الحرب (الحقيقة هي أنّ المطبعة لم تتضرر. تمّ تجديد نشاطها بحضور رئيس الدولة). هناك إجراء ينظم هذا الأمر، طمأنوه. روزنبويم، أعلنت أنها ترفض التجميد. وقالت لأمسالم: “سوف تحضرها إلى اللجنة الوزارية المعنية بالخصخصة.. أنا سأعارض”.
وزيرة المواصلات ميري ريغيف، أصرّت من جهتها على إنهاء ولاية المدير العام لشركة قطار كيان “إسرائيل” ميخا ميكسنر، على الرغم من الحرب. بعد أن اتفقت روزنبويم مع ميكسنر على أن يبقى حتى نهاية فترة الطوارئ، وافق رئيس السكك الحديدية، وهو معين سياسياً، على تمديد فترة ولايته لمدة 72 ساعة، وغادر ميكسنر .
خلال الأشهر العشرة التي قضوها في مناصبهم، عيّن وزراء الحكومة الحالية مديرين عامين لوزارات عملها غريب عليهم. لم يكن لديهم أي فكرة عن كيفية العمل في حالات الطوارئ. ربما سيتعلمون في النهاية، لكن في هذه الأثناء ليس لدينا حكومة تؤدي وظائفها.
* المصدر: موقع الميادين نت
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر