السياسية :
مصطفى عواضة*

 

لم تكن عملية طوفان الأقصى التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر داخل مستوطنات غلاف غزة وما سببته من فرار جماعي للمستوطنين وعجز لجيش الاحتلال عن حمايتهم مجرد معركة عسكرية رابحة فقط، فالمفاعيل لتلك المعركة دلالات كبيرة على تآكل بنية الكيان الصهيوني من خلال الهجرة العكسية للصهاينة إلى الخارج تحت وطأة الأزمات الداخلية.

هذه الأسباب وغيرها مجتمعة أحدثت شرخًا كبيرًا بين المجتمع الصهيوني وقيادته السياسية أوصلته إلى اليقين من نبوءات متوارثة ومخيفة عن زوال قريب للكيان المزعوم على أرض فلسطين.

المتخصص في علم الاجتماع السياسي الدكتور علي كريّم رأى في حديث لموقع “العهد” الإخباري “أن وقع عملية “طوفان الأقصى” على مجتمع العدو الصهيوني كبير جداً، منها تداعيات آنية وأخرى مستقبلية، لذا يُمكن رصد نتائج مرحلية ونتائج ستفرضها تبعات ما بعد الحرب:

في النتائج الآنية:

ــ زعزعة ثقة مجتمع العدو بقادته أولاً، ثم بجيشه ثانياً، والتي كانت قد بدأت تتآكل في الأصل منذ تحرير العام 2000 ومن ثم حرب تموز 2006، فضلاً عن الحروب المتكررة على قطاع غزة، في العام 2008 وما بعدها، وصولاً إلى معركتي سيف القدس ووحدة الساحات.

ــ البحث عن خيارات عاجلة (كبدائل) يمكن أن تُنقذ الفرد من جحيم الاستهداف اليومي للمستوطنات، لترى في فرصة السفر هرباً مما يمكن أن يطالها، وكأنه الملاذ الوحيد لها.

ــ الاضطراب المجتمعي نتيجة ما أصاب اقتصاد الكيان، فمن هبوط قيمة العملة (الشيكل) إلى الهبوط في البورصة، إلى تعليق بعض شركات الطيران لرحلاتها إلى الكيان، وصولاً إلى النقص الحاد في المنتجات الاستهلاكية.

في النتائج البعيدة المدى:

ــ فقدان الثقة بكل الكيان، وهي ستحتاج لسنوات طويلة لترميمها. (في حال بقي الكيان)

ــ انعدام الأمان، وتوقع الاستهداف والحرب باستمرار، والعيش في حالة قلق دائم.

ــ ضعف المشاركة في المحطات التمثيلية اللاحقة، كانتخابات الكنيست مثلاً وغيرها..

ــ الاضطرابات النفسية المزمنة لكل ما يمكن أن يذكِّر المستوطن بمشهد من مشاهد الحرب الدائرة اليوم.

ــ والأهم، إعادة نظر الكيان بسياسة الاعتقال العشوائي التي انتهجها لسنوات طوال كقوة ضغط دائمة، فالصورة القادمة التي ستحضر أمام أعين المستوطنين هي أن أي عملية اعتقال لمقاومين أو مطلق مواطنين فلسطينيين، سيقابلها التعامل بالمثل من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية.

وأضاف كريّم “لقد عاش العدو الصهيوني لعقود من الزمن على لازمة صورة [الجيش الذي لا يُقهر]، في سياق كيّ الوعي والحرب النفسية، وبشكل تراكمي. ولكن، عندما يعيش المستوطن في مجتمع يتعرض فيه لصدمة الصورة التي يُذلّ فيها الجندي الإسرائيلي، من البديهي أن تترك هذه الصدمة ندوب في نفس كل من عايش وقائعها وأحداثها التفصيلية؛ ونتيجة الخشية من تفاقم الأمور وتدحرجها نحو الأسوأ، وفي ظل تصاعد النقمة الشعبية وقساوة ما شاهده المستوطنون من مشاهد إذلال هي الأولى من نوعها في تاريخ الكيان”.

وأشار كريّم إلى “ما يُتداول اليوم في أدبيات الاجتماع السياسي بـ “الخراب الثالث” أو “لعنة الثمانين عاماً”؛ أمام كل ذلك، كان من الطبيعي أن تتداعى المصحّات النفسية في الإسراع لمواجهة الآثار النفسية الأولى، وما يمكن أن تتفاقم عنها من حالات رهاب وانهيارات عصبية لاحقة”.

كما بيّن أن “ما تحدث عنه الإعلام في هذا السياق، بني بالأصل على بعض التجارب السابقة المحدودة التي عايش فيها المستوطنون بعض حالات الأسر، والفقدان للأهل والأقارب، إذ خلّفت لدى المستوطنين هيستريا مركّبة، عززتها انهيار صورة جيش العدو الإسرائيلي؛ ولرأب الصدع الحاصل، كان لا بد من التداعي السريع لتدارك الأمور قبل تفاقمها”.

ولفت كريّم إلى أن “هذه الحرب، وإن لم تُحدث التغيير الاجتماعي الجذري وتقود إلى تحرير فلسطين بالكامل، إلا أنها وضعت مشروع تحرير فلسطين على سكة الواقع الممكن. فالزلزال الذي أصاب المجتمع الصهيوني في صميم التماسك البنيوي ليس بالأمر السهل أبداً، وما يمكن البناء عليه في المرحلة القادمة سيهيئ الأرضية لرفع معنويات المقاومين في فلسطين بإمكانية تحرير الأرض من جهة، ومن جهة ثانية سيندفع المستوطنون للبحث عن الأمان الاجتماعي الذي اهتز في العمق، والذي يكاد لا يتوفر في ظل الصراعات السياسية داخل الكيان، وانعكاس ذلك على تماسك المجتمع الصهيوني، مما يدفع باتجاه خيارات الرحيل، خاصة وأن وعود الأمن والاستقرار للمستوطنين قد تلاشت أمام “طوفان الأقصى”.

وتابع د. كريّم حديثه لـ “العهد” قائلا “يمكن أن تحدث تغيرات اجتماعية لاحقة ستبنى على وتيرة مشهد الصراع الذي بدأ وسيستمر في الأيام القادمة وصولاً إلى إمكانية تحرير فلسطين، إن كان بدون معركة عسكرية، فبأقل الكلف الممكنة”. معتبرا أن: “هذه إحدى وجوه المعركة، التي يحتاج فيها إعلام المقاومة إلى مراكمة الصورة تلو الصورة، وإنتاج المادة التي تزعزع ركائز الوعي في مجتمع العدو، ولعل ما قدمته ساهم بجزء كبير، إلا أن الأمر يحتاج إلى المزيد والمزيد مما يمكنه أن يُظهر الحقائق، لتدار من خلالها الحرب النفسية ضد العدو”.

بحسب كريّم فإن “مشاهد الإذلال للجنود الصهاينة، والتسجيلات المتفرقة للرهائن في الحديث عن واقعهم ومطالبتهم بالإسراع في الإفراج عنهم، فضلاً عن البث المستمر للمواد الإعلامية التي تظهر قوة المقاومة من جهة، ومآسي ما يرتكبه العدوان من جهة ثانية لكفيل بإضعاف بنية المجتمع الصهيوني، وجرّه إلى الانحلال والتفكك رويداً رويداً”.

وفي كلمة لموقعنا أخيرة قال المتخصص في علم الاجتماع د. علي كريم: “نحن اليوم أمام مشهد جديد من الصراع، انكسرت فيه معادلة لطالما تغنى بها المجتمع الإسرائيلي، وهي صورة [الجيش الذي لا يُقهر]، إذ بات اليوم يُقهر ويُذلّ، بل ويعجز في الدفاع عن نفسه أمام مجموعات من المقاومين. الفرصة اليوم متاحة لإعادة استنهاض الوعي وبث الروح الثورية على مستوى الأمة، وهذا يُلقي بالمسؤولية على نخب الأمة في التصدي لإظهار حقيقة هذا العدو ومدى هشاشة منظوماته العسكرية والأمنية، فضلاً عن السياسية”.

ولعل التعبير الذي حفره الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في الوجدان العربي منذ تحرير العام 2000 بقوله: “إن إسرائيل هذه، والله هي أوهن من بيت العنكبوت”، بات لازمة تثبتها الأيام والسنون، وتؤكدها المواجهات والمعارك، وهذا ما يبعث بالأمل بأن النصر بات قريباً..

* المصدر: موقع العهد الاخباري

* المادة نقلت حرفيا من المصدر