محمد جرادات*

أمام التجييش الأميركي غير المسبوق لمصلحة الكيان الصهيوني، كيف تبدو احتمالات المشاركة الأميركية العسكرية المباشرة في الحرب على غزة؟

استبق الكيان الصهيوني زيارة الرئيس الأميركي لـ”تل أبيب” بمجزرة دموية رهيبة في المستشفى المعمداني في غزة، ربما للحيلولة دون عقد أميركا صفقات جانبية مع دول التطبيع قد تحدّ من الاندفاع الأميركي الغربي لدعم الحرب الصهيونية، وكانت الغاية منها فتح ممر إنساني مؤقت مع غزة ليكبح جماح التظاهرات الشعبية في دول التطبيع، ويحول دون عمليات تهجير من غزة.

وكان الصهيوني قد أبدى انزعاجه من الحديث عن صفقة جانبية لإطلاق سراح الأسرى الأجانب، مع العلم أن هؤلاء، وإن حملوا جواز سفر أميركياً أو فرنسياً، فهو ملحق لجواز سفر صهيوني، فكل صهيوني يحمل جوازي سفر بالعادة. هذا الانزعاج متصل بأدنى احتمال لتعديل، ولو محدود، على الموقف الأميركي الداعم كلياً للحرب على غزة، وهو ما يظهر أن “إسرائيل” نجحت في تجاوزه.

تعكس ازدواجية الجنسية في الكيان الصهيوني مجمل الحالة السياسية، ونحن نسمع نتنياهو يحذر حزب الله من الدخول الكامل في الحرب، قائلاً إن عليه أن يحذر تهديد الرئيس الأميركي بايدن، وهو ما كرره رئيس مجلس الأمن القومي الصهيوني تساحي هنغبي. 

يأتي ذلك بعدما أجمعت التصريحات الأميركية على أن تجييش القوة البحرية الأميركية مرتبط بمنع فتح الجبهات ضد الكيان، وخصوصاً الجبهة اللبنانية، وهو ما أبلغته أميركا للبعثة الإيرانية في الأمم المتحدة.

تهرع أميركا بقدها وقديدها لنجدة الكيان الصهيوني في أخطر حرب يخوضها منذ قيامه. وها هو الرئيس الأميركي بايدن يحط اليوم في “تل أبيب”، وهي الزيارة التي اعتبرها المتحدث باسم “الجيش” الصهيوني ذات أهمية استراتيجية، بعدما سبقه معظم وزرائه وقادة قواته المسلحة. وقد شارك وزير خارجيته بلينكن في اجتماع الكابينت الصهيوني بعدما صرّح أنه يأتي إلى كيان “إسرائيل” باعتباره يهودياً.

مشاركة بلينكن في كابينت الاحتلال وإشارة المتحدث باسم “الجيش” الصهيوني إلى أنه مطّلع على مسار الحرب من خلال مناقشته مع نتنياهو هذا المسار في مركز القيادة بوزارة الدفاع، مع نية بايدن المشاركة في اجتماع الحكومة الصهيونية المصغرة، دفع إعلام الكيان إلى الإشارة إلى أن واشنطن تتولى قيادة الحرب برمتها. 

ولعل ذلك هو ما جعل مرشد الثورة الإيرانية يقول إن واشنطن تشرف حالياً على سياسة كيان “إسرائيل” أو أن واشنطن تقدمت بعد ذهول نتنياهو لتحافظ على تمثال ودمية كيان “إسرائيل”، بحسب تعبير وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان.

لم يسبق أن فزعت أميركا على كيانها اللقيط بهذا الشكل من قبل. وقد وجدته مثخناً بجراح العبور الفلسطيني في السابع من أكتوبر، وهو ما أفقده توازنه الاستراتيجي، ووضعه على حافة مخاطر وجودية، بما تطلب هذا التحشيد العسكري السياسي الأميركي والغربي. وقد أصبحت “تل أبيب” محجاً لزعماء أميركا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا ورومانيا وألمانيا، وإن كان آخرهم قد اضطر إلى الانبطاح أرضاً في مطار “بن غوريون”، بعدما دهمته صواريخ غزة على حين غرة.

استقدم بايدن إلى موانئ الكيان حاملة الطائرات “فورد”، لتتبعها “إيزنهاور”، إضافة إلى 3 سفن حربية برمائية على متنها أكثر من 4000 بحار وطائرات مقاتلة وكتيبة مشاة، مع نشر 2000 جندي أميركي لدعم أي توغل بري صهيوني في غزة بالمشورة والخدمات من دون مباشرة القتال، وتحريك سرب طائرات F15 إلى قاعدة موفق السلطي في الأردن، مع سفينتين حربيتين بريطانيتين ملكيتين وطائرات البوسيدون بي 8 البريطانية.

تتسلح حاملة الطائرات “فورد” بمجموعة متنوعة من الطرادات والمدمرات، إلى جانب طائرات حربية، إضافة إلى ما يقارب 5 آلاف بحّار، وتعتمد على مفاعلين نوويين يوفران 3 أضعاف الطاقة للحاملة، ويسمحان لها بالإبحار إلى مدى غير محدود.

كذلك، تعمل حاملة الطائرات “إيزنهاور” بالطاقة النووية، وتضم طراد صواريخ موجهة ومدمرات مع 9 أسراب من الطائرات وطاقم المقر الرئيسي. ويبلغ عدد طاقم السفينة 3200 ضابط وبحار و2480 طياراً، وتتمتع بقدرة حمولة 90 طائرة حربية وهليكوبتر.

وشمل التجييش الأميركي الاستجابة السريعة لمساعدة الكيان بـ10 مليارات دولار بشكل طارئ. وقد زعم البنتاغون أنه يوفر المشورة الاستخبارية للكيان للمساعدة في استعادة أسراه في غزة، بما يشمل وضع قوات أميركية على أهبة الاستعداد لنشرها في الشرق الأوسط، مع وصول وزير الدفاع مع قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي، الذي صرّح أنه يزور “تل أبيب” للتأكد من وجود كل ما تحتاجه للدفاع عن نفسها.

أمام هذا التجييش الأميركي غير المسبوق لمصلحة الكيان الصهيوني، كيف تبدو احتمالات المشاركة الأميركية العسكرية المباشرة في الحرب على غزة؟ 

هناك 3 احتمالات لمشاركة أميركية مباشرة كهذه، وهي تأتي جميعها في سياق المشاركة المحدودة من دون اتساعها لتصبح حرباً عالمية أو نووية، لأن حسابات الولايات المتحدة، رغم مكانة الكيان الصهيوني المتقدمة فيها، لا تتجاوز قدراتها وانشغالها في أوكرانيا بعدما خرجت منذ زمن قريب من حربين دمويتين في العراق وأفغانستان، وهي منهكة القوى.

لذا، تتحفز لضبط إيقاع المعركة مع غزة بما يعيد إلى الكيان هيبة الردع ويحول دون بقاء غزة ومقاومتها مصدر تهديد استراتيجي دائم، وخصوصاً بعد “طوفان الأقصى” الذي مزق الجهاز العصبي للكيان الصهيوني.

وتأتي احتمالات المشاركة الأميركية المباشرة على أساس ثبات الموقف الصهيوني بمهاجمة غزة برّاً، وهو الموقف الذي شجَّعه بايدن واعتبره ضرورياً، من دون إعادة الاحتلال الصهيوني الكامل لغزة، ولكنه الدخول لغاية القضاء على حكم حماس وقدرتها على تهديد الكيان مستقبلاً أو هكذا يزعمون.

الاحتمال الأول يأتي في حال حدوث انتكاسة عسكرية أمنية صهيونية جديدة في ميدان غزة، سواء بتعرض دباباتها أو قطاعاتها العسكرية لهجوم واسع ناجح يوقعها في مأزق ميداني، ربما يدفعها إلى هزيمة عسكرية مدوية.

الاحتمال الثاني، في حال دخل حزب الله الحرب بشكل كامل، سواء بفتح ترسانته الصاروخية لتدكّ مستوطنات الكيان، أو في حال شن هجوماً بريّاً شاملاً ضد مستوطنات الجليل. وكان الأميركيون قد قالوا بصراحة إن تحشيدهم العسكري يهدف إلى مواجهة حزب الله في حال دخل الحرب.

الاحتمال الثالث هو ما جاء في الرسالة التي سلمتها إدارة بايدن لممثل طهران بالأمم المتحدة، والتي تضمنت 4 بنود، يحذر أبرزها من أن دخول إيران المباشر بالمواجهة سيقابل بتحرك عسكري أميركي مباشر.

يعزز واقعية هذه الاحتمالات ما جاء على لسان لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي مايكل ماكول بأنه يقوم بصياغة قرار “إذا لزم الأمر” باستخدام القوة العسكرية لحماية كيان “إسرائيل” في حال توسعت الحرب.

الإصرار الصهيوني على العملية البرية ضد غزة، مع استمرار المجازر وتصاعدها بشكل غير مسبوق بمثل هذه الوحشية في ظل ارتباك استراتيجي، يعزز احتمال اتساع رقعة الحرب، بما يجعل الأميركي في دائرة اندفاع ميداني.

ولأنه اندفاع اللحظة غير المحسوبة وفق إيقاع هزيع الجهاز العصبي المضروب في “تل أبيب” وهو في أوج ثأريته الناتجة من ضيق خياراته بعد هزيمة السابع من أكتوبر، فإن الأميركي يمضي مع الصهيوني نحو ميدان هش تتأكل تحت أقدامه كل أسباب النجاة.

* المصدر: موقع الميادين نت
* المقالة تعبر عن وجهة نظر الكاتب فقط