بقلم: بيير باربانسي

(صحيفة “لاهيومانيتيه l’humanite” الفرنسية – ترجمة : وائل حزام – سبأ )

لقد تم تجنب الأسوأ حتى الآن. لكن إلى متى سيكون ذلك؟ بسبب الإجراءات الأميركية، يتطلب من الجمهورية الاسلامية الإيرانية أن تكون قادرة على مواصلة تصدير نفطها لاحترام الاتفاق حول الطاقة النووية.

بالنسبة لإيران, يمكن تلخيص الصفقة النووية الموقعة مع الولايات المتحدة الأميركية, وفرنسا, وروسيا, والصين, والمانيا والمملكة المتحدة في العام 2015 بأنها ناجحة: بعد العزلة بإعادة النهوض.

وبموجب اتفاقية فيينا، فان طهران تعهدت بعدم السعي للحصول على الطاقة الذرية كما وافقت على تخفيض برنامجها النووي بشكل كبير مقابل رفع العقوبات الدولية الخانق على اقتصادها.

وكليا، فان الالتزام بذلك محترم وبشكل كامل، وذلك كما أشاروا مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية؛ الأمر الذي يبدوا أنه لم يرق للإدارة الأميركية المحبة للحرب.

وبالنسبة للرئيس الأميركي “دونالد ترامب” فان الصفقة النووية تعتبر “سيئة”. فقد سارع الى التنديد بها واعلان الانسحاب منها في مايو 2018، دون الإعلان عن فرض عقوبات جديدة على طهران، وبالتالي خلق هذا الأمر توترات جديدة في المنطقة.

ومن جهته، لم يخفي مستشار الأمن القومي الأميركي “جون بولتون” رغبته في رؤية النظام يتغير،  بينما اتهم وزير الخارجية الاميركي “مايك بومبيو” طهران بأنها “الراعي الأول للإرهاب في العالم”، وذلك بسبب، “استخدام برنامجها النووي لابتزاز المجتمع  الدولي وتهديد الأمن الإقليمي”.

في الـ20 من يونيو الماضي، بلغت الأزمة ذروتها بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية، بعد ان أسقطت ايران طائرة اميركية بدون طيار، وقالت ايران بأنها انتهكت مجالها الجوي، وهو الامر الذي تنفيه واشنطن ولكن اكدته موسكو.

وبدوره، قال مستأجر البيت الابيض انه ألغى الأعمال الانتقامية  ضد الجمهورية الإسلامية في اللحظة الاخيرة من اليوم التالي.

إيران تؤكد انها تتصرف في إطار المعاهدة

لقد تم تجنب الأسوء حتى ذلك الحين. لكن الى متى سيستمر ذلك؟ فبسبب العقوبات الأميركية، يتوجب على طهران أن تكون قادرة على مواصلة تصدير نفطها لتظل بذلك ملتزمة بالاتفاقية. ويوم الاثنين، الماضي، بعد أن شعرت بالغضب من عدم وجود مبادرة من الدول المتبقية في اتفاق البرنامج النووي، اعلنت ايران انها تجاوزت الحد الاقصى البالغ 300 كيلو جرام من اليورانيوم منخفض التخصيب وهددت بأنها ستتخذ خطوات جديدة ابتداءً من الـ 7 من يوليو من الشهر الجاري بتخصيب اليورانيوم  الذي يتجاوز 3.67 بالمائة، ومع ذلك تدعي طهران بأنها في “اطار” الاتفاقية، متذرعة بماديتين تسمح لطرف بتحرير بعض التزاماته مؤقتا اذا رأى ان الطرف الاخر لا يفي بالتزاماته.

بالطبع، الامر هو حبل مشدود في ملف يتجاوز مسالة الطاقة النووية، كما يتضح من الموقف المختلف تماما من الولايات المتحدة الاميركية، حيث يتعلق الامر بجانب من جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطي (كوريا الشمالية)، ومن الجانب الاخر بطهران، حتى ولو كان الرئيس الاميركي “دونالد ترامب” في كلتا الحالتين، ينفخ حارا وباردا، ويتذمر في يوم من الايام ويضحك في اليوم التالي.

ففي الاسبوع الماضي، ذكر الرئيس الاميركي “ترامب” احتمال شن حرب قصيرة ضد طهران، قائلا  :”نحن في وضع قوي للغاية في حال حدوث شي ما, ولن يدوم طويلا، ويمكن ان اخبركم, ولا اتحدث عن القوات البرية”, وبعد اقل من 48 ساعة، قال الشيء نفسه “لدينا وقت، ولا يوجد شيء عاجل، يمكن ان يستغرقوا وقتهم”.

بدون شك أن الرئيس الاميركي “دونالد ترامب” يلعب لعبة التوازن بين الخيارات المختلفة التي دافع عنها اقرب مستشاريه, كما انه لا يعيقه، اولا وقبل كل شيء، التهديد العسكري الذي له الاسبقية من بين الخيارات، لان القوات عادت لتوها إلى المنطقة. وبطريقة او بأخرى، فان جميع ابطال الملف الايراني متورطون فيما يخص التوتر الاقليمي وليسوا جنبا الى جنبا.

فهذا هو الحال في سوريا، حيث تتحالف روسيا مع ايران، وتواجه تحالفا تقوده الولايات المتحدة الاميركية وتشارك فيه فرنسا. ومع ذلك، فهناك ضغوطات للميليشيات القريبة من القوة الايرانية لمغادرة الارضي السورية.

وبالطبع، فان إسرائيل يتذكرها الجميع، ليس فقط من خلال مطالبة الاوروبيين بتطبيق العقوبات ضد طهران، ولكن ايضا عن طريق قصف المواقع في سوريا وبشكل متكرر, ومع ذلك تحافظ تل ابيب على علاقات ودية مع موسكو وتحرص على عدم استهداف المصالح الروسية في سوريا، ناهيك عن العلاقات بين تركيا وايران، التي تبدوا اكثر تعقيدا.

لم تندلع الحرب في اليمن, حيث تجد طهران نفسها متورطة دون ان تطلبها، لكن في الواقع تواجه المملكة العربية السعودية التي تعارض القيادة الاقليمية عن طريق الاقتراب من اسرائيل على حساب الفلسطينيين !

الأوروبيون عالقون في الخطة الأميركية

كل هذا يساعد بوضوح في جعل الوضع في هذه المنطقة اكثر تفجرا مما هو عليه، فالعلامات متعددة ومتشابكة: سياسية، اقتصادية وعسكرية ….

وفي الوقت الراهن، هناك الكثيرين ممن يرغب في لعب المساعي الحميدة, ومن جهتها، تؤكد موسكو انه لا يجب ان يكون هناك “مسرحا”، بينما الصينيين يعلنون انهم سيشترون النفط من ايران, لكن بالنسبة للاوروبيين، فان موقفهم اكثر غموضا، عالقين في الإستراتيجية الأميركية خصوصا من خلال دعم الهيمنة السعودية واستحضار تعديل محتمل لاتفاق فيينا لعمل حساب للصواريخ الباليستية الايرانية.

وليس من المؤكد ان هذا سيكون كافيا لتجنب حدوث حريقا سيشعر انفاسه بقلب القارة القديمة.