بينما يتضور اليمن جوعاً .. تتلاعب وكالات الإغاثة الدولية سياسياً بالطعام
تتهم السلطات اليمنية بعض وكالات الإغاثة الدولية باللعب سياساً بالمساعدات الغذائية، مشيرة بشكل صحيح إلى أن ممولي المنظمات هم نفس الدول المشاركة في الحرب على اليمن.
بقلم : أحمد عبد الكريم
(موقع : “مينتبرس-mintpress” الأمريكي, ترجمة : انيسة معيض- سبأ)
تعز، اليمن – دمرت غارة جوية شنتها قوات التحالف السعودية مؤخرا على منزل رجل أعمال يمني بارز في تعز ، ليس فقط منزل العائلة ولكن أيضا آمال الكثير من اليمنيين الذين يعتمدون على سخاء الجهات المانحة الخيرية، حيث أصبحت وكالات الإغاثة الدولية مملوكة بشكل متزايد للمصالح السياسية لأكبر المستفيدين
امرأة وأربعة أطفال هم من بين سبعة من أفراد الأسرة الذين قتلوا في غارة جوية شنتها قوات التحالف على منزل في منطقة خدير اليمنية في محافظة تعز الجنوبية الغربية, وأُفيد أن خمسة مدنيين آخرين أصيبوا في الهجوم ، ولم يعلق التحالف حتى الآن.
استهدفت اثنتان من الغارات الجوية منزل عائلة عبد القوي الكندي، وهو رجل أعمال عمل على نطاق واسع لتخفيف الأزمة الإنسانية في منطقة خدير, قتل الكندي وزوجته وأبنائه في الهجوم الذي دمر منزل العائلة المكون من ثلاثة طوابق.
قال شاهد عيان على الهجوم لـموقع MintPress” ” لقد ساعد “الكندي” العديد من الأسر الفقيرة والمشردة هنا” ، كان يتكلم والدموع تنهمر على وجهه وحينها كان يحاول رجال الإنقاذ المحليون انتشال الجثث من تحت الأنقاض. “الكندي لم يكن ينتمي إلى أي حزب أو جماعة – لقد كان مجرد رجل أعمال.”
لقد أغضب الهجوم السكان المحليين الذين ما زالوا يتذكرون القصف الذي يقوم به التحالف السعودي في السنوات الأخيرة والذي استهدف حافلة مدرسية وقاعات الحداد والأسواق والمستشفيات من بين أهداف مدنية أخرى.
ومن جانبهم, دعا سكان تعز إلى تنفيذ هجمات انتقامية ضد التحالف, حيث صرح مسؤول رفيع المستوى لـ “MintPress” أن الهجوم على تعز يعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والقيم الإنسانية، وسيتم مواجهته برد قوي وانتقام.
الحوثيون من جهتهم نددوا بهجوم تعز وأشاروا إلى أن جثث النساء والأطفال اليمنيين الأبرياء لن تقود الأطراف الدولية إلى وقف مبيعات الأسلحة المربحة إلى الأنظمة المعتدية، في إشارة إلى مبيعات الأسلحة الأمريكية للسعودية والإمارات العربية المتحدة. وقال محمد عبد السلام، الناطق الرسمي عن الحوثيين، في أعقاب الهجوم إن “قتل وجرح المواطنين واستهداف المنازل المدنية يعتبر استمراراً للتكتيكات العدوائية الدموية”.
مساعدات مُسيسة
لم يكن الهجوم الذي وقع في تعز هو أول استهداف ينفذ ضد رجال الأعمال اليمنيين البارزين, والذي جاء بعد أن علق برنامج الغذاء العالمي المساعدات الغذائية لمناطق شمال اليمن. وقالت وكالة الأمم المتحدة إن هذه الخطوة جاءت بعد عدم قدرتها على التوصل إلى اتفاق مع السلطة الوطنية اليمنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعافي من الكوارث (NAMCHA) بشأن تنفيذ نظام البيومترية لدعم تسليم المساعدات.
في الأسبوع الماضي، أعلن برنامج الأغذية العالمي أنه أوقف عملياته جزئياً في الجهة الشمالية من اليمن، حيث يقطن 14 مليون شخص على شفا حافة المجاعة، متهماً قوات الحوثيين بتحويل مسار المساعدات وهي تهمة ينفيها الحوثيون بشدة.
تم اتخاذ القرار كخيار أخير بعد توقف مفاوضات مطولة حول اتفاق لإدخال ضوابط للحيلولة دون صرف المواد الغذائية لمن لا يعدون أكثر الناس ضعفاً في اليمن “.
واتهمت NAMCHA البرنامج الفساد وقالت إن مجموعة المعونة تستغل المساعدات لأغراض سياسية.
أثارت الوكالة مخاوف من أن التحالف الذي تقوده السعودية يمكن استغلاله بسهولة في نظام البيومترية الذي يستخدم مسح بصمة العين وبصمات الأصابع والتعرف على الوجه.
وقالت “NAMCHA “السلطة الوطنية اليمنية لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية والتعافي من الكوارث في بيان يوم الثلاثاء:
لم يعد برنامج الأغذية العالمي ينفذ عملية إنسانية في اليمن، لكن أنشطته أصبحت سياسية بحتة. إنها تقدم أجندات الأعمال لدولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة “.
يزعم الحوثيون أن هناك سابقة استخدم فيها التحالف برنامج الأغذية العالمي كغطاء لاحتلال بعض المناطق. وبحسب ما ورد استولى التحالف على ميناء المخا الاستراتيجي على البحر الأحمر، الواقع على بعد 346 كيلومتراً جنوب صنعاء، في ديسمبر 2017، مدعياً أن هذا الخطوة كانت ضرورية لحماية حاويات الشحن التابعة لبرنامج الغذاء العالمي والمليئة بالمساعدات الإنسانية في المدينة الساحلية.
وقال عبد المحسن داوس ، رئيس NAMCHA ، إن برنامج الغذاء العالمي طلب بيانات بيومترية مفصلة لأكثر من 13 مليون شخص، بمن فيهم المدنيون والعسكريون وقوات الأمن. تضمن الطلب بيانات بيومترية لأفراد عسكريين مهمين يشاركون في برامج الصواريخ البالستية المحلية في اليمن، مما أثار مخاوف لدى سلطات صنعاء من أن يتم نقل البيانات إلى قوات التحالف السعودية.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي تكثف فيه القوات المسلحة اليمنية هجماتها الانتقامية باستخدام طائرات بدون طيار وصواريخ كروز مجنحة ضد أهداف حيوية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك المطارات في عسير ونجران وجيزان، فضلاً عن محطات الطاقة في جازان.
شنت القوات اليمنية السبت هجوماً جديداً على طائرات التحالف السعودي والمعدات العسكرية في مطارات جازان وأبها، مما تسبب في خسائر في المنشآت وأدى إلى تعليق الحركة الجوية.
دعت NAMCHA الأمم المتحدة وبرنامج الأغذية العالمي وجميع منظمات المعونة الدولية إلى تحمل مسؤولياتها تجاه معاناة الشعب اليمني ومواصلة تقديم المساعدة دون التعرض للابتزاز من قبل الدول المانحة, وأشارت الوكالة إلى أن من بين أكبر المانحين والممولين لبرنامج الأغذية العالمي هم نفس البلدان المشاركة في الحرب على اليمن، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وبدعم من الولايات المتحدة.
الكثير من اللوم لا طعام
بالنسبة للعديد من اليمنيين، فإن تعليق المساعدات ليس صدفة. إن المساعدات الغذائية الضئيلة التي تقدمها الأمم المتحدة، والتي يعتمد عليها ملايين اليمنيين في معيشتهم اليومية، لا تصل في كثير من الأحيان إلى الناس حتى تنتهي صلاحيتها بالفعل – وعند وقت توزيعها غالباً ما تكون مليئة بالديدان والصراصير.
قامت NAMCHA في الأسبوع الماضي بإرجاع شحنة من برنامج الأغذية العالمي تكفي لإطعام 100 ألف عائلة بسبب انتهاء صلاحيتها.
اتهم محمد علي الحوثي برنامج الأغذية العالمي بمحاولة التستر على إيصال الأغذية الفاسدة والمساعدات المنتهية الصلاحية, وألقى برنامج الأغذية العالمي باللوم بشكل أساسي على الحوثيين، قائلاً إن الشحنة المرفوضة ستحرم آلاف العائلات من المساعدات التي هم في أمس الحاجة إليها.
بصرف النظر عمن يقع اللوم ، من المؤكد أن تعليق المساعدات سيجعل الوضع الإنساني في اليمن أسوأ. يأتي هذا في الوقت الذي يموت فيه طفل واحد من بين كل 30 طفلاً في اليمن خلال الشهر الأول من الولادة نتيجة لسوء التغذية أو التعرض المتزايد للأخطار، وفقًا لتقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).
كما يحذر التقرير من أن معدل وفيات الأمهات في اليمن قد ارتفع بشكل حاد خلال الحرب، من معدل خمس حالات وفاة في اليوم في عام 2013 إلى 12 حالة وفاة في اليوم في عام 2018,
وأشار التقرير إلى: “عندما تموت الأم، فإن هذا يزيد بشكل كبير من خطر وفاة أطفالها, فالأطفال الذين فقدوا أمهاتهم غالباً ما يكون لديهم فرصة ضئيلة للبقاء على قيد الحياة”.
وبطبيعة الحال، من المتوقع أن تزداد وفيات الأمهات مع تعليق المساعدات.
تحذر اليونيسف في تقريرها أيضاً من الانهيار التام للخدمات الأساسية في اليمن بسبب الحرب المدمرة المستمرة التي استمرت خمس سنوات، حيث لا يزال يعمل نصف المرافق الصحية في البلاد فقط وكذا نقص حاد في الخدمة الأدوية والمعدات، والموظفين.
ويشير التقرير أيضاً إلى أن توقف الرواتب أدى إلى انخفاض ساعات العمل في المرافق الحيوية مثل المستشفيات والمدارس ومرافق المياه والصرف الصحي، وكذلك في القطاعات العامة الحيوية الأخرى, حيث تم تعليق رواتب أكثر من 1.25 مليون موظف حكومي – بما في ذلك الأطباء والأخصائيين الاجتماعيين وغيرهم من موظفي القطاع العام – لأكثر من عامين ونصف.
والآن، مثل المواطنين اليمنيين الآخرين، لا يعرف موظفو القطاع العام – الذين كانوا في الغالب بين المستفيدين من المساعدات الإنسانية – من أين سيحصلون على الوجبة التالية.
*أحمد عبد الكريم صحافي يمني, مختص في تغطيه الحرب في اليمن لموقع MintPress الاخباري وكذلك وسائل الإعلام اليمنية المحلية