السياسية:

طوال 75 عاماً من التاريخ الزائف لهذا النظام، عاشت السلطات الصهيونية دائماً كابوساً مفاده بأنها ستستيقظ ذات يوم على صوت الأحذية الفلسطينية، لكن الآن أصبح هذا القلق المستمر حقيقة واقعة، وقد هاجم الشباب الفلسطيني المستوطنات الصهيونية، وتم انتزاعها من المحتلين.

ومنذ أن بدأت المقاومة الفلسطينية عملية “اقتحام الأقصى” بعناصر متكاملة من الاستخبارات والتحضير والمفاجأة والإدارة الذكية، إضافة إلى قتل وجرح الآلاف من الصهاينة، فقد أسرت عدداً كبيراً من جنود الاحتلال والمواطنين، وفي اليوم الأول حققت أحد أهم أهدافها العملياتية.

وشكلت المقاومة بإنجازاتها الميدانية غير المسبوقة فصلاً جديداً في تاريخ الصراع بين فلسطين والكيان الصهيوني، سيغير المعادلات الاستراتيجية في المنطقة.

والصهاينة الذين فوجئوا ببدء عملية المقاومة وفقدوا المبادرة، وجدوا أنفسهم محاصرين بالفلسطينيين ولم يكن أمامهم إلا الاستسلام لهم، ورغم عدم توافر إحصائيات دقيقة لعدد الأسرى لدى فصائل المقاومة، إلا أنه بناء على التقارير التي أعلنتها وسائل الإعلام الصهيونية، تشير التقديرات إلى أن عدد الأسرى الصهاينة في غزة يتراوح بين 150 إلى 200 شخص.

هذا فيما قالت كتائب القسام في اليوم الثاني للمعركة إن عدد الأسرى الصهاينة أكثر مما تقوله سلطات تل أبيب ووسائل الإعلام العبرية، وسيتم الإعلان عن عددهم الدقيق قريباً.

وفي وقت سابق، ذكر راديو إسرائيل أن حماس أسرت 35 جنديا إسرائيليا حتى الآن، وهو أمر غير مسبوق في الحروب بين الجانبين، ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، يوجد حاليا ما لا يقل عن 200 صهيوني في أيدي فصائل المقاومة، وتظهر مقاطع الفيديو والصور المنشورة للأسرى أنهم محتجزون في مخابئ حماس في غزة، ونشرت صور لأحد البيوت الآمنة التابعة لحركة حماس، تظهر تجمع العشرات من الأسيرات الصهيونيات في هذا المنزل وحده، وقد وجهت حماس رسالة للمحتلين بأنها مستعدة لتسليم نساء وفتيات إسرائيليات في مقابل إطلاق سراح الأسيرات الفلسطينيات، إلا أن تل أبيب لم تستجب بعد لهذا العرض.

عدد الأسرى الصهاينة في تزايد

ومن أبرز الاحتمالات بشأن استمرار الحرب في الأيام والأسابيع المقبلة ارتفاع عدد الأسرى الصهاينة، وفي هذا الصدد، أعلن أبو عبيدة المتحدث باسم كتائب القسام، اليوم الاثنين، أن قوات هذه الجماعة تمكنت من أسر مجموعة جديدة من القوات الصهيونية في اليوم الثالث لعملية اقتحام الأقصى واقتيادهم إلى قطاع غزة.

كما قال زياد النخلة، الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، إن هذه الحركة أسرت أكثر من 30 صهيونياً، وهذا يدل على أن فصائل المقاومة في غزة تواصل قتال العدو معًا.

ويرى محللون أن قضية الأسرى ستحدد مسار المعادلات المستقبلية، وتشير الدلائل إلى أن المقاومة ستكون لها اليد العليا هذه المرة، ولم تتمكن القوات الفلسطينية من أسر هذا العدد من الأسرى إلا في الأيام الثلاثة الأولى من العملية، وبما أن فصائل المقاومة تستعد لحرب طويلة والتغلغل في قلب الأراضي المحتلة، فإن عدد الأسرى الصهاينة سيكون أعلى من ذلك بكثير.

ومن المؤكد أن قضية الأسرى الصهاينة ستكون من أهم مواضيع التطورات القادمة، ويمكن القول بالأساس أن أحد الأسباب الرئيسية لانطلاق عملية حماس هو فشل تل أبيب في قضية تبادل الأسرى، حيث رفض الصهاينة، رغم المفاوضات المكثفة في مصر، تبادل الأسرى، وهذا الأمر أثار غضب الفلسطينيين.

ولقد قال قادة المقاومة في غزة مرارا وتكرارا إن الأسرى خطهم الأحمر، وإن تل أبيب ستدفع ثمنا باهظا إذا تأخروا في هذه القضية، وعرقلة الصهاينة لقضية الأسرى أنهت عملهم، وها هم الآن عالقون في طريقين صعبين، وبعد توقف الصراع، ماذا عليهم أن يقرروا في هذا الشأن؟.

الأسرى الصهاينة هم الورقة الرابحة للمقاومة

تحاول حماس وجماعات المقاومة الأخرى التي لديها أسرى صهاينة استخدام هؤلاء الأشخاص للتبادل مع الأسرى الفلسطينيين في فترة ما بعد وقف إطلاق النار.

ويقبع حاليا في سجون الكيان الصهيوني نحو 4900 أسير فلسطيني، وبالنظر إلى تجربة تبادل الأسرى في السنوات الماضية فإن هذه القضية ستكون الورقة الرابحة للمقاومة.

وفي عام 2011 أطلق نظام الاحتلال سراح 1027 أسيراً فلسطينياً مقابل جندي إسرائيلي واحد، ولا شك أنه سيضطر إلى التراجع أمام تسليم العشرات من الصهاينة.

وفي هذا الصدد، أكد محفوظ منور مسؤول العلاقات الخارجية لحركة الجهاد الإسلامي في بيروت، أن قضية الأسرى هي أحد الأهداف الرئيسية لـ “طوفان الأقصى”.

وذكر هذا المسؤول في حركة الجهاد الإسلامي أن عدد الأسرى الإسرائيليين يكفي لإطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين، ووعد الأسرى الفلسطينيين بأن يعتبروا أنفسهم أحرارا من الآن فصاعدا.

وذلك على الرغم من أنه منذ وصول المتطرفين إلى السلطة في تل أبيب، اشتدت ضغوط هذا النظام على السجناء الفلسطينيين، حتى أنهم حرموا من المرافق الأساسية، وحاول إيتامار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في النظام الصهيوني، الحصول على تنازلات من حماس من خلال إقرار قوانين صارمة ضد الأسرى الفلسطينيين في الأشهر الماضية، لكن المتطرفين يجدون أنفسهم الآن في مأزق كبير.

الحد من الزيارات للأسرى الفلسطينيين، وحرمانهم من مشاهدة القنوات التلفزيونية، وإلغاء تقسيم الأسرى على أساس انتمائهم التنظيمي بحيث يتم وضع السجناء من مختلف الفصائل في الزنزانة نفسها، من بين إجراءات الحكومة المتطرفة ضد الفلسطينيين والتي أهملت من قبل قادة المقاومة ولم تبقَ ولذلك فإن ما يواجهه الصهاينة الآن هو نتيجة لأطماع سلطات تل أبيب التي لم تلتفت إلى تحذيرات المقاومة.

عواقب قضية الأسرى الصهاينة على تل أبيب

ولا شك أن مئات الأسرى الصهاينة في سجون فصائل المقاومة شكلوا ضربة موجعة للمحتلين، وهذا الموضوع يمكن أن يسبب إرباكا في صفوف قوات الأمن التابعة للنظام الصهيوني.

إن الإعلان عن أسر الصهاينة ونشر صورهم على شبكات التواصل الاجتماعي يضعف بشدة معنويات الجنود الصهاينة ويجعلهم خائفين من مواجهة قوات المقاومة.

باعتبار أن الجنود والضباط الصهاينة هم في غالبيتهم من المرتزقة الأجانب أو الذين التحقوا بالجيش للحصول على حق الإقامة أو العثور على عمل ودخل مالي، وذلك على الرغم من الحافز الوطني والديني العالي لقوى المقاومة المدربة تدريباً جيداً على حرب العصابات، والحروب غير المتكافئة، فإنهم يشعرون بقلق بالغ بشأن تعرضهم للقتل والأسر.

وفي هذا الصدد، قال ألون بن دافيد، محلل الشؤون العسكرية للكيان الصهيوني، إن التمرد في الجيش امتد تدريجياً من قوات الاحتياط إلى أجزاء من الكادر والجنود النظاميين، وقال إن في وحدات النخبة من الجيش في الجيش، يجتمع القادة مع ضباط يقولون إنهم لا يريدون أن يكونوا في جيش يهينه أعضاء الحكومة وأعضاء الكنيست ويخدمونه؛ إنهم لا يعرفون كيفية التعامل معها. وأثار تمرد قوات الجيش في مثل هذا الوضع الحرج غضب نتنياهو، وحذر نتنياهو الجنود الذين يرفضون الوجود في أماكن عملهم، قائلا إن تصرفاتهم تعرض أمن الإسرائيليين للخطر، وإن الحكومة ستتعامل مع الأمر.

ويأتي العصيان في الجيش بينما تشكل قوات الاحتياط العمود الفقري للعدو الصهيوني، وحسب المتحدث باسم الجيش فقد تم استدعاء 100 ألف منهم لإرسالهم إلى الحرب البرية في غزة. ووفقاً للتطورات التي شهدتها الأشهر القليلة الماضية، حيث تزايدت الانقسامات في جيش الاحتلال، فمن غير المرجح أن يؤدي الهجوم البري على غزة بهذه القوات المحبطة إلى تحقيق النتيجة المرجوة للمتطرفين.

إن إضعاف معنويات العدو يمكن أن يستمر في مصلحة المقاومة التي أعدت نفسها لأي سيناريو ولا تخشى حتى حرباً برية مع الجيش الصهيوني في قطاع غزة، لأن كل الخطط تم تقييمها ومراجعتها مسبقاً.

جدير بالذكر أن جيش الاحتلال هو الجيش الوحيد في العالم الذي لا يحمي القوات العاملة في الميدان ويفضل قتلهم بدلاً من أسرهم بدلاً من التفاوض مع العدو لإطلاق سراحهم.

مئات الأسرى الصهاينة في أيدي الفلسطينيين سيضيق المجال أمام حكومة نتنياهو المتطرفة، ولا شك أن المتطرفين قلقون من إمكانية أن تصبح قضية الأسرى أداة في يد المعارضة لإسقاط الحكومة. والحقيقة أن نتنياهو يجد نفسه الآن أمام معادلة خاسرة مزدوجة.

إذا كان على استعداد لقبول شروط المقاومة لإطلاق سراح الأسرى الصهاينة فسيتم اتهامه بالمحاباة، وإذا رفض قبول الشروط سيواجه انتقادات من المجتمع لعدم قدرته على إعادة الأسرى وتعريض حياتهم للخطر.

ومن ناحية أخرى، فإن تهديدات مجلس الوزراء الصهيوني فيما يتعلق بالتحضير للدخول البري إلى قطاع غزة ستؤدي بالتأكيد إلى خطر تدمير قضية الأسرى السابقين وزيادة عدد الأسرى الصهاينة، الأمر الذي سوف يربك الجيش أيضًا والقادة السياسيون. وفي الأيام الثلاثة الماضية، باستثناء القصف الأعمى للمنازل والبنى التحتية وقصف المدنيين، لم يظهر الصهاينة أي مبادرة عسكرية حاسمة لتحقيق النصر في ساحة المعركة.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة نقلت حرفيا من المصدر