بقلم:جنيف عبده، كاتبة رأي

(موقع “ذا هِل-“The Hill الأمريكي, ترجمة خالد النظاري – سبأ)

الآراء المعبر عنها هنا من قبل الكاتب أو الكُتاب تخصهم وحدهم ولا تعبر عن وجهة نظر “ذا هِل”.

في خضم الخطاب المتبادل بين إيران والولايات المتحدة حول حيثيات أن معظم الشخصيات الرئيسية لا تريد صراعا مباشرا، هناك في الواقع طرف واحد يريد ذلك الصراع، ألا وهو فيلق الحرس الثوري الإسلامي في إيران.

في كل مرة يُصعـِد فيها الرئيس “دونالد ترامب” أو القائد الأعلى الإيراني “آية الله علي خامنئي” من وتيرة الأزمة، يكون الحرس أكثر قرباً من الحصول على فرصة الدخول في صراع محدود وقابل للسيطرة من شأنه أن يفيدهم على المستوى المحلي، بدلاً من حرب شاملة من شأنها أن تشكل خطراً على بقاء النظام.

ولهذا السبب الرئيسي، يجب على الرئيس ترامب الامتناع عن شن هجوم على إيران.

إن الحرس هو من أسقط طائرة أمريكية بدون طيار في 20 يونيو، مدعيا أنها كانت في المجال الجوي الإيراني. ولقد ابتهج بعض أفراد الحرس بسقوط الطائرة بدون طيار، واستباقاً للرد الأمريكي، قام قادة الحرس الثوري بتجهيز قوات ميليشيا الباسيج الإيرانية (الخاضعة لقيادة الحرس الثوري) ووضعها في حالة تأهب قصوى لقمع أي اضطرابات اجتماعية في حال حدوث أي هجوم أمريكي، وفقاً لمصادر إيرانية.

فلقد ظلت قوات الباسيج تسحق الاحتجاجات الكبرى في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، بما في ذلك أكبر المظاهرات في عامي 2009 و2010.

ومنذ أن بدأت الأزمة مع الولايات المتحدة، ظل الحرس الثوري هوالمستفيد الأكبر. فلقد ظلوا هم وغيرهم من المتشددين يعززون من قاعدتهم الشعبية ويهمشون على مستوى المستقبل المنظور البراغماتيين في إيران، بمن فيهم الرئيس “حسن روحاني”.

إن أي هجوم سيعزز موقع الحرس الثوري الإيراني كأبرز فصيل داخل أجهزة الدولة. كما أن من شأنه أن يؤكد صحة الاعتقاد الأيديولوجي القديم للحرس الثوري — الذي كان يعارض المفاوضات النووية في البداية— بأن الهدف النهائي للولايات المتحدة لم يكن التفاوض أبداً بل تدمير إيران. وهذا سيجعل الحرس الثوري أكثر قرباً من مقعد القيادة في تحديد كيفية اختيار خليفة “خامنئي” بعد وفاته.

لقد أخبرني “سعيد جولكار”، الأكاديمي الذي لديه اتصالات واسعة داخل الحرس الثوري الإيراني والذي ظل يجري معهم مقابلات من أجل بحثه المنشور على نطاق واسع حول هذا الموضوع، قال: “يحاول الحرس الثوري أن يكون هناك صراع محدود قابل للسيطرة مع الولايات المتحدة. إنهم يعلمون أن “ترامب” سيظل في السلطة حتى عام 2020 على الأقل، والعقوبات الاقتصادية تؤثر بقوة ويجب أن يفعلوا شيئاً ما.” هذا الشيء — هجوم أمريكي محدود — سيسمح للحرس الثوري بشتيت اهتمام الهيئة السياسية الإيرانية بعيداً عن المظالم حول فساد الدولة وسوء الإدارة وإلقاء اللوم على الولايات المتحدة بسبب الأزمة الاقتصادية الإيرانية.

لقد ظلت الاحتجاجات مستمرة في إيران منذ ديسمبر 2017، حيث يقدر التضخم بنسبة 40 بالمئة سنوياً، وهناك بطالة واسعة تصل إلى 40 بالمائة في المناطق الريفية.

إن أي هجوم أمريكي من شأنه أن يسمح للحرس الثوري بإعلان حالة الطوارئ في إيران — وهو ما قد هدد أصلاً بالقيام به. إنه سيمنح للحرس الثوري بالمزيد من السيطرة على الاقتصاد الإيراني، الذي تصل حصته فيه 20 بالمائة، وفقاً لتقديرات الحكومة الأمريكية. ولقد بدأت بالفعل مناقشات داخل الحرس بشأن الحد من الصادرات.

في الأسبوع الماضي، وفقاً لمصادر في الإعلام الفارسي، قال مسؤول في الحرس الثوري كان وزيراً خلال الحرب العراقية الإيرانية، قال مثلما حدث خلال تلك الحرب، إن لم يبع أصحاب الأعمال التجارية في القطاع الخاص ممتلكاتهم للدولة، فسيتم إعدامهم،في إشارة ضمنية إلى أن الاستثمارات يجب أن تخدم الدولة فقط لأن إيران في حالة “حرب اقتصادية”.

وفي سبيل استثارة هجومٍ ما من قبل الولايات المتحدة، قد يشن الحرس الثوري ضربات محدودة على أهداف ومصالح أمريكية من خلال أتباعه، بما في ذلك حفنة من الميليشيات الشيعية في العراق والمتمردين الحوثيين في اليمن، الذين سبق وأن أطلقوا صاروخاً على المملكة العربية السعودية، ربما لمعاقبة حليف الولايات المتحدة والمنافس الرئيسي لإيران في اليمن.

إن الحرس الثوري يُعد لهجوم أمريكي وقادته يتحدثون عن ذلك. فالحرس الثوري، وفقاً لتصريحات صادرة عنه ومصادر إيرانية قريبة من الحرس الثوري، يعتقد أن الولايات المتحدة لن تعلن أبداً حرباً على نفس نطاق الغزو الأمريكي للعراق أو الحرب في أفغانستان.

ومن المحتمل أنهم قد ظلوا يقنعون “خامنئي” بهذا الأمر ويشجعونه على السماح بضرباتهم الصغيرة، سواء ضد الطائرة الأمريكية بدون طيار أو السفينتين في خليج عمان.

“لقد وصلنا إلى مرحلة يمكننا فيها الاعتماد على كفاءاتنا و … قطع أيدي الأعداء،”حسب قول الأدميرال “حسين خانزادي” قائد القوات البحرية الإيرانية،وفقاً لوسائل إعلام عربية.

إن الحرس الثوري الإيراني وخامنئي — اللذان في الغالب يعانيان من مأزق — مستعدان لجني كل الفوائد من أي هجوم أمريكي. وهذا سيكون بمثابة التبرير النهائي لهم إلى أن الاتفاق النووي، الموقع عام 2015 بين الولايات المتحدة وإيران والقوى الأوروبية، كان مجرد خدعة من جانب الولايات المتحدة لإجبار إيران على الدخول في مفاوضات، فقط لغرض تدمير بلدهم.

وهذا ما ظل يردده “خامنئي” بعد توقيع الاتفاق النووي. لقد ظل يصرح مراراً وتكراراً بأن الولايات المتحدة لا يمكن الوثوق بها، كما أنه وافق على الاتفاق بتردد كبير, ومن وجهة نظر “خامنئي”، كان على صواب طوال الوقت.

إن إيران في الوقت الحاضر تدمر ذاتها بنفس القدر الذي خططت له إدارة ترامب. إن المناقشات في واشنطن، التي يدور الكثير منها حول كيفية تأثير الأزمة الأمريكية-الإيرانية على فرص إعادة انتخاب “ترامب”، يجب أن تركز بدلاً من ذلك على حقيقة أن الحرس الثوري الإيراني وخامنئي يريدان وقوع ضربة أمريكية محدودة من أجل تعزيز سلطتهم في الداخل. هذا هو السبب في أن أفضل سياسة هي عدم القيام بأي شيء — ما لم يستهدف الإيرانيون الأميركيين.

* جينيف عبده باحثة مقيمة لدى مؤسسة العربية (وهي مؤسسة فكرية مقرها واشنطن بتمويل سعودي وتركز على القضايا السعودية) ومؤلفة أربعة كتب عن الشرق الأوسط وعن المسلمين في أمريكا. منذ العام 1998 وحتى 2001، كانت تعمل مراسلة في إيران لصحيفة ذا غارديان البريطانية ومساهمة في مجلة ذا إكونوميستو إنترناشنال هيرلادتربيون. وعملت في التقارب بين الحضارات التابع للأمم المتحدة، الذي تم إنشاؤه في ظل إدارة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان بهدف التقريب بين الدول الغربية والإسلامية.