بقلم: مارك روليج

(مجلة “شبيجل” الألمانية، ترجمة: نشو الرازحي-سبأ)-

هل لك أن تتخيل أن لا يعيش جميع الأطفال الذين ولدوا في هامبورغ في السنوات الثلاث الماضية عيد ميلادهم الخامس لأنهم ببساطة لم يجدوا ما يكفي من الطعام والشراب لبقائهم وماتوا من الجوع؟

هذا هو بالضبط الوضع في اليمن. تدور الحرب هناك منذ أكثر من أربعة أعوام ويعاني الناس من هول الغارات الجوية والحصار التجاري، الذي يمنع دخول الأدوية والطعام إلى البلد.

تشير تقديرات منظمة “أنقذوا الأطفال” للإغاثة إلى أن ما مجموعه 850 ألف طفل قد ماتوا بسبب الجوع والمرض.

كيف تبدو الحياة اليومية في مثل هذه الحرب؟ وما هو شعور من يعمل في مجال الإغاثة هناك؟ هذا ما استفسرنا عنه من سكينة شرف الدين. المرأة اليمنية البالغة من العمر 29 عاماَ تعمل لدى منظمة “أنقذوا الأطفال” في صنعاء.

صنعاء هي عاصمة اليمن وتبعد ست ساعات فقط عن هامبورغ بالطيارة. لقد حددنا موعد إجراء المكالمة معها  في الوقت الذي تتوفر فيه الكهرباء لدى سكينه. وأثناء الحديث معها كان الاتصال في انقطاع في مستمر بسبب انقطاع التيار.

المجلة: سُكينة، كيف تبدو الحياة في ظل الحرب؟

لقد حولت الحرب حياتنا اليومية إلى جحيم هنا. كل شيء أصبح يشكل تحديا، حتى المشاكل الصغيرة. تخيل أنك تريد أن تشتري قارورة  ماء: بالكاد يوجد لدينا أي مياه نظيفة وإذا توفر فإنه الأسعار أصبحت باهضة. حيث أصبحت عملية سحب المياه من الآبار مكلفة لعدم توفر التيار الكهربائي.

لذا فعملية سحب المياه تتم عن طريق مولدات الكهرباء التي تعمل بالبنزين.  والبنزين أيضا أصبح غير متوفر ومكلف للغاية.

المجلة: وذلك كله من أجل قارورة ماء؟

نعم. ولدينا نفس المشاكل والاختناقات مع الطعام والدواء ومع الوصول إلى المدارس والمستشفيات. وهذا كله له عواقب، كانتشار الأمراض مثل الكوليرا، ويموت الأطفال بسبب سوء التغذية. وهذا يخيفني. في عائلتي، أتحرى أن لا نأكل سلطة أو خضروات غير مسلوقة جيداً – فقط كي لا نُصاب بالمرض.

لكن أصبح بإمكاني السيطرة على المخاوف اليومية والتعامل معها، فقد اعتدت على هذا الوضع. ولكن إضافة إلى هذا كله يأتي الخوف من تعرض المنزل

للقصف في أي وقت. أنا أعيش في صنعاء، حيث يشن التحالف العسكري بقيادة السعودية غارات جوية منتظمة في الليل. ومطارنا الدولي لم يعد يعمل. وعندما تسمع صوت  الطائرات ، تعلم أنه سيتم القصف على الفور. لقد شن التحالف السعودي على اليمن أكثر من 19 ألف غارة جوية خلال السنوات الأربع الماضية.

وعند القصف تشعر باهتزاز الأرض ويشتقق زجاج النوافذ وغالبا ما تتطاير الشظايا بعيدا مسافة تصل إلى مئات الأمتار. وأنا أعرف الكثير من الناس الذين تشوهوا بسبب هذه الشظايا. أعرف صبياً ، اسمه حمزة ، عمره ست سنوات ، فقد كلتا عينيه بسبب شظية. يبلغ ابني الآن ثلاث سنوات، وأخشى أن يحدث له شيء من هذا القبيل.

الصحيفة: بدأت الحرب في اليمن في مارس 2015. وهذا يعني أنك أنجبت ولدك في فترة الحرب؟

نعم ، علمت قبل أسبوع واحد من الحرب أنني حامل. كنت سعيدة جدا وأتطلع إلى الحمل. وبعد أسبوع، سقطت مئات القنابل على صنعاء خلال الليل.

وقضيت فترة الحمل كلها وأن أرتجف تحت سريري.

وفي ليلة ولادته، كانت هناك غارات جوية مرة أخرى. وتوجب علينا أن الاتجاه إلى ثلاثة مستشفيات فقد فشلنا في الحصول على الرعاية الطبية في المستشفى الأول والثاني وفي المستشفى الثالث تمكنت من الحصول على مهدئات فقد كنت متوترة للغاية بسبب التفجيرات.

المجلة: كيف ينظر ابنك إلى الحرب اليوم؟

يشعر بما يحدث من حوله. لذلك أحاول أن أكون قوية من أجله. وأحاول أن أبدو سعيدة دائما من أجله. ففي عملي ألاحظ إلى أي مدى يدرك الأطفال الآخرين للحرب. إنهم يفهمون تماما ما هي الحرب وهم يعلمون أيضا أن هناك ظلم. إنهم يريدون أن يلعبوا خارج منازلهم وأن يشعروا بالحرية. ولكني أقابل في مراكز الصدمات النفسية دائماً أطفالاً يعانون من الكوابيس.

المجلة: كيف يبدو يومك كموظفة؟

يبدأ يومي بالتحقق من مكان الغارات الجوية التي حدثت في الليل وأتأكد هل حدثت غارات بالقرب منا وإذا تأكدت من ذلك أقرر إلى أين يجب أن آخذ ابني خلال فترة النهار. وبعد ذلك، أذهب إلى العمل واقضي فيه ثمان ساعات.

مهمتنا هي دعم العيادات الطبية. نقوم بتوزيع الأدوية والمعدات الطبية وتجهيز المولدات الكهربائية لتوليد الكهرباء من أجل العمليات والعناية بنقل الطوارئ.

لقد تم تدمير ما يقرب من نصف جميع المستشفيات في اليمن أو تم إغلاقها – والإمدادات الطبية لبقية المستشفيات نادرة جدا.

المجلة: وهل تنجحون في عملكم؟

الوضع في البلد فوضوي جدا. فالطرق مقطوعة دائما والبنزين كما ذكرت سابقا نادر ومكلف. كما أن أسعار الأدوية باهضة جداً. .

إن عملية فرض الحصار على الموانئ في البلد يمنع وصول مواد مهمة  السكان في أمس الحاجة إليها. أحيانا تستغرق عملية وصولنا إلى أماكن بحاجة إلى إغاثة أياما طويلة. وعادة ما نواجه تساؤلات من المواطنين أين أنتم؟ لقد تأخرتم؟ لقد تولينا أمر معالجة أطفالنا بأنفسنا. وهذا بالطبع أمر سيء للغالية لأن الجروح عادة ما تكون خطيرة.

المجلة: هل من نجاحات تحققت لك في عملك؟

مرات كثيرة. فقبل بضعة أشهر حدث انفجار في مدرسة للبنات في صنعاء. كان هناك مخزن أسلحة وقام السعوديون بقصفه. مات الكثير من الأطفال لكننا أسرعنا في الحال وتمكنا من إنقاذ أرواح أربع فتيات.

المجلة: ماذا يمكننا أن نفعل عن بعد للمساعدة؟

هذه المقابلة هي بالضبط ما ينبغي فعله. نشعر بأنكم مهتمون بنا! نريد أن يقف الناس من أجلنا ويسألوا ساستهم لما تستمر الحرب في هذا البلد. نحن في اليمن بشر مثلكم تماماً. لقد أصبحت حياتنا جحيما بسبب الغارات المستمرة.

أنا ما زلت بخير. فلدي وظيفة ، ولدي راتب ثابت. يمكنني إطعام ابني، لكن 80 في المائة من اليمنيين يعتمدون على المساعدة الخارجية. لذا فإن كل شخص أعرفه تقريباً من جيراني ووالداي وأعمامي – ليس لديهم وظائف ، فهم لا يستطيعون توفير سوى وجبة واحدة في اليوم للعائلة. ولهذا يتعين على العالم  المساعدة والضغط على البلدان التي تشن حرب علينا.

المجلة: هل تريدين أن تفعلي شيئا لليمن؟

أدعوا المنظمات الألمانية إلى جانب منظمة أنقذوا الأطفال إلى تقديم التبرعات لليمن عبر حساب مشترك.

بالإضافة إلى “أنقذوا الأطفال”، الذين رتبت لنا الحديث مع سكينة، تعمل منظمات دولية أخرى في اليمن، بما في ذلك منظمة الأمم المتحدة للطفولة، اليونيسيف.