بقلم: مارك بفيتسينماير
ترجمة: نشوى الرازحي-سبأ :
الحرب المستمرة في اليمن تجبر ملايين الناس على ترك مساكنهم ووضع الإمداد بالمواد الضرورية للحياة اليومية كارثي. والآن أوقفت الأمم المتحدة نقل بعض شحنات الأغذية لأن الكثير منها لا يصل إلى الوجهة المطلوبة. ولكن جماعة الحوثيين ليست هي المتسبب الوحيد في ذلك.
تقوم منظمة الغذاء العالمي بالتقليص التدريجي من مواد الإغاثة التي تقدمها لليمن. قال برنامج الأغذية العالمي في بيان صدر مؤخراً إن عدد المستفيدين من عملية الإمداد في العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها جماعة الحوثيين، 850 ألف شخص. ومع ذلك، سيتم عما قريب تمديد عملية الإمداد إلى جميع المناطق الواقعة تحت سيطرتهم. وقالت المنظمة إن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والأمهات الحوامل والمرضعات ما زالوا يتلقون الرعاية.
تم اتخاذ قرار البرنامج بعد عدم امتثال الحوثيين لترتيبات تأمين ومراقبة عملية توزيع مواد الإغاثة، حتى بعد نداءات المنظمة.
ففي الآونة الأخيرة، اتهم رئيس برنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي جماعة الحوثيين بسرقة الإمدادات الغذائية والتلاعب بعملية توزيعها في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وفي حديثه إلى مجلس الأمن الدولي، قال بيزلي: “من المحزن أن يتم منع برنامج الغذاء العالمي من منع انتشار الجوع في اليمن. تختفي شحنات الأمم المتحدة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون – وذلك على حساب الأطفال والنساء والرجال.”
ولكن بيزلي أشار أيضا إلى أن المواد الغذائية تختفي جزئياً أيضا في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة. ولكن الأخيرة كانت بالطبع على استعداد للمحادثات في هذا الخصوص.
تصف الأمم المتحدة الوضع في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم. ووفقاً لآخر النتائج التي توصل إليها محللو مشروع بيانات مواقع وأحداث والنزاعات المسلحة بلغ عدد القتلى أكثر من 90 ألفاً من تعداد سكان اليمن البالغ حوالي 28 مليون نسمة. ويمد برنامج الغذاء العالمي حوالي 11 مليون شخص بالمواد الغذائية.
وبعد مرور سنوات من القتال وعواقبه الكارثية التي لحقت بالناس، التقى ممثلو جماعة الحوثيين والحكومة في السويد أواخر العام 2018 لإجراء محادثات سلام. واتفق الطرفان على وقف إطلاق النار ووعدا بتمهيد الطريق أمام وصول مواد الإغاثة الإنسانية. فالحوثيون والحكومة على حد سواء يعملون على عرقلة عملية تسليم المواد الغذائية في كثير من الأحيان.
في خطابه أمام مجلس الأمن، أكد رئيس البرنامج بيزلي أنه كان هناك “تقدم” في المفاوضات بين الحوثيين وبرنامج الأغذية العالمي في وقت سابق من هذا العام. وكان قد تعين تسجيل المحتاجين للمواد الغذائية بنظام القياسات الحيوية لضمان عملية توزيع أفضل للأغذية. وأعرب بيزلي عن أسفه قائلا: “تظهر أمامنا فجأة عقبة جديدة في كل مرة نكون فيها على وشك اتخاذ هذه الترتيبات”.
وأفاد رئيس برنامج الأغذية العالمي أن منظمته قد وصلت إلى “معلومات مقلقة” منذ ذلك الاتفاق. فوفقاً لاستطلاع للرأي في منطقة صعدة التي يسيطر عليها الحوثيين، لم يتلق 33 في المائة من الفئة المحتاجة أي مواد غذائية في أبريل. وقد أفاد بلاغ هاتفي عن 30 حالة اختلاس للمواد الغذائية وعلاوة على ذلك لم يُسمح بـ66بالمائة من زيارات التفتيش للعاملين لدى المنظمة.
ولكن الحوثيون ينكرون ذلك حتى الآن. فقد صرح أحد القادة الحوثيين لوكالة الأنباء المحلية بأن برنامج الأغذية العالمي يجب أن يتوقف عن تقديم “الغذاء الفاسد” وإرسال الأموال بدلاً من ذلك. والمؤكد هو أن الحوثيون ليسوا وحدهم من يمنع عملية توزيع المواد الغذائية فالحكومة تمنع في أحيان كثيرة عملية التوزيع في المناطق التي يعتبرونها معادية لهم.
وفي الوقت نفسه، المعارك مستمرة بين التحالف العسكري بقيادة السعودية الداعم للحكومة وجماعة الحوثيين. وقد صعدت الجماعة المدعومة من قبل إيران في الآونة الأخيرة من عملياتها العسكرية ونقلت الحرب إلى المملكة العربية السعودية. حيث قامت بشن هجمات بطائرات بدون طيار على أنابيب النفط ومستودعات الأسلحة. ومؤخرا شنت الجماعة هجمات صاروخية على مطار أبها السعودي الواقع بالقرب من الحدود. ورد التحالف العسكري السعودي على ذلك بضربات جوية على مواقع الحوثيين.
لفهم الأزمة الحالية في اليمن، من الضروري البدء في التسلسل الزمني للأحداث بعد “الربيع العربي”. في العام 2011، أُجبر الحاكم المستبد علي عبد الله صالح على الاستقالة من منصب الرئيس. وتولى نائب الرئيس الحكم نيابة عنه. وبعد توليه الحكم لم يتمكن بالطبع من الدفاع عن الحكومة من الجماعات المسلحة. فقد واجهت إدارة الرئيس الجديد عبدربه منصور هادي حرباً على عدة جبهات، من قبل الانفصاليين في الجنوب وأجزاء من القوات المسلحة القديمة والجماعات الإسلامية.
وسرعان ما أصبحت جماعة الحوثيين، التي تتبع للمدرسة الدينية الشيعية و تم قمعهت كأقلية في اليمن واحدة من أشد الأعداء لحكومة هادي. وفي العام 2014، اجتاحوا العاصمة صنعاء وقاتلوا من أجل الحيازة على السلطة في المناطق الشمالية من البلاد. وتحركت فيما بعد بسرعة في محاولة السيطرة على ما تبقى من أجزاء اليمن، مما دفع الرئيس هادي إلى الفرار خارج البلد.
المملكة العربية السعودية، الجارة القوية لليمن، تشتبه في دعم إيران المعادية لها لجماعة الحوثيين. فوجود قوة إقليمية لها صلات بطهران يمثل خطراً أمنياً كبيراً على الشيوخ في الرياض، لذلك دخلت المملكة العربية السعودية في حرب ضد الحوثيين في العام 2015. وجنبا إلى جنب مع الدول العربية الأخرى، بما في ذلك مصر وقطر والإمارات العربية المتحدة، شكلت تحالفا عسكرياً ضدهم.
ومن خلال شن الغارات الجوية المكثفة، سعى التحالف العسكري لكسر قوة جماعة الحوثيين لإعادة الرئيس المنفي هادي. وقدمت كل من الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا الدعم اللوجيستي للبلدان ذات الغالبية السنية. ووفقا لبيانات رسمية من المملكة العربية السعودية كان ينبغي أن لا تستغرق هذه العملية العسكرية سوى بضعة أسابيع فقط.
ولكن، حتى بعد مرور أربعة أعوام على هذه العملية العسكرية، استمر القتال بلا هوادة ودمّر البنية التحتية والرعاية الصحية للدولة العربية الفقيرة. تقدر المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أن حوالي مليوني شخص قد فروا من اليمن أو يعيشون فيها كنازحين داخلياً. وبات يعتمد 22,2 مليون يمني حالياً على المساعدات الإنسانية.

المهمة الصعبة لمنظمات الإغاثة:
إحدى المنظمات التي تقدم المساعدة على أرض الواقع هي أطباء بلا حدود. يقوم الطبيب كريستيان كاتزر بتنسيق المشاريع في أنحاء مختلفة من البلاد ويخشى أن يزداد الوضع الإنساني سوءا من خلال تعليق الإمدادات الغذائية للأمم المتحدة. يقول كاتزر: “سيكون الوضع أسوأ بالنسبة للأشخاص الأكثر تضرراً على أي حال.” وأضاف: “إن الخلاف مع الأمم المتحدة من شأنه أن يفاقم من مشكلة إيصال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية ويجعل من الصعوبة بمكان حماية حياة الفرد والأسرة في اليمن.”
منذ العام 2016، عانت اليمن من أسوأ حالة تفشٍ لوباء الكوليرا في التاريخ.ووفقا لمنظمة الصحة العالمية ، مات أكثر من 3500 شخص بسبب إصابتهم بهذا المرض حتى الآن، وقد أصيب به 1,7 مليون. يقول منسق منظمة أطباء بلا حدود إنه كلما كان الإمداد باللقاحات والمياه سيئاً كلما ازداد عدد الأشخاص المصابين بالكوليرا.
وفقا لكاتزر، لقد أصبح علاج هذا الوباء معقد بشكل خاص بسبب حقيقة أن جزءا كبيرا من السكان لا يحصلون على الرعاية الصحية. لا يوجد سوى عدد قليل من المؤسسات التي توفر العلاج مجانًا، وغالباً ما تكون مرافق منظمة أطباء بلا حدود هي الوحيدة في المنطقة. وهذا الوضع صعب بشكل خاص على سكان الريف. نظراً لأن التضخم قد زاد من أسعار الوقود ويتم فرض رسوم على العديد من نقاط التفتيش، وبالتالي لا يمكن للأشخاص تحمل تكاليف المواصلات إلى أقرب عيادة. ووفقاً لكاتزر ، لا يمكن تحقيق تحسن إلا إذا سمحت جميع أطراف النزاع بالوصول إلى النظام الصحي.
يقول الخبير في شؤون السعودية سيباستيان سونز إن الوضع الإنساني في اليمن يعتمد أيضاًعلى تطور النزاع بين إيران والسعودية. يقول العالم سونز الذي يركز في عمله في المجلس الألماني للعلاقات الخارجية (DGAP) على الصراع بين الدولتين: “لكن المملكة العربية السعودية ليس لديها مصلحة في حل النزاع دبلوماسيا أو التعامل مع إيران. ترى الحكومة في الحوثيين تهديداً تدعمه إيران يهدد أمنهم القومي ”
ويضيف سونز: “كما أن التوترات بين الرياض وطهران تسبب مشاكل في اليمن، مما يعني أنه ليس هناك توقعات لخوض جولة مفاوضات السلام جديدة.”
إن تأثير الغرب محدود لأن الولايات المتحدة لا تشير بوضوح إلى الصراع في اليمن. يحظر مجلس الشيوخ الأمريكي حاليا تصدير أسلحة بقيمة 8 مليارات دولار إلى المملكة العربية السعودية في إجراء يتعارض مع إرادة دونالد ترامب. يقول الخبير سونز: “إن الاتحاد الأوروبي لا يمكنه ممارسة الضغط إلا من خلال تنظيم صادرات الأسلحة بصورة مشتركة.”
لا تشارك ألمانيا بشكل مباشر في الحرب، لكنها، منذ بداية العام، سمحت بتصدير أسلحة بقيمة 1,1 مليار يورو إلى الدول الثماني التابعة للتحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية. وبعد انتقادات شديدة من اليسار والحزب الأخضر، دافعت حكومة ألمانيا الاتحادية عن عملية الموافقة عليها باعتبارها “مقيدة للغاية”.
في هذه الأثناء، تستمر الحرب في اليمن وتستمر معها الكارثة الإنسانية. ومع ذلك، في نفس الوقت الذي توقف فيه الإمداد، وعد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بمواصلة تسليم الأغذية إذا ما تم إيصالها إلى أولئك الذين يحتاجون إليها حقاً.
• صحيفة “دي فيلت” الألمانية