السياسية:
ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

 

كانت قمة مجموعة البريكس الخامسة عشرة التي عقدت في جوهانسبرج في الفترة من 22 إلى 24 من أغسطس المنصرم, بمثابة حدث عالمي، أكثر بكثير من سابقاتها.

ليس فقط لأنها حظيت بتغطية إعلامية واسعة، ولكن قبل كل شيء لأن مرحلة إعادة تشكيل علاقات الهيمنة العالمية تجعل مجموعة البريكس منصة تحدي النظام العالمي الليبرالي الناتج عن اتفاقيات بريتون وودز والهيمنة الأحادية للدولار.

فهذا يظهر وضعاً ونظاماً دولياً جديداً يجري السعي إليه.

إن حصة مجموعة البريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي، المحسوبة على أساس تعادل القوة الشرائية، تتجاوز الآن حصة مجموعة السبع (32% مقابل 30%).

ومع ذلك، فإن هذا يخفي تفاوتات مهمة وكبيرة: الصين وحدها لديها 17.6٪ والثانية، الهند، متأخرة جداً بنسبة 7٪.

وكدليل على هذا الجذب، شارك ما مجموعه 71 بلداً، بصفة مراقب أو كأعضاء.

تشكلت مجموعة البريكس في خضم اضطرابات الأزمة الرأسمالية النظامية التي حدثت في العام 2008.

لقد أفلتوا إلى حد كبير من النظرة الغربية للعالم، كما يكشف أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطابه أمام السلك الدبلوماسي في 29 أغسطس المنصرم، لم يذكرهم إلا في جملة واحدة بعد ساعة من الخطاب.

 توفر مجموعة البريكس إطاراً مرناً للتبادل بين أعضائها، حول مؤتمرات القمة السنوية لرؤساء الدول والاجتماعات على المستوى الوزاري.

كما أنها أنشأت إطاراً للتعاون المالي، ولكن لا يوجد هيكل دائم، فالمؤسسة المشتركة الوحيدة هي بنك التنمية الجديد، الذي تم إنشاؤه في العام 2014، ومقره في شنغهاي وترأسه الآن ديلما روسيف، وهو الأن مفتوح أمام طلبات الاستثمار من البلدان النامية.

إن تعزيز مجموعة البريكس ليس خطياً.

فقد أدت التطورات اليمينية في البرازيل والهند وكذلك الاختلافات في وضع أعضائها في التنافس بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية إلى إبطائها.

 يغذي إحياء مجموعة البريكس مزيج من ثلاثة أحداث:

–        الجائحة العالمية (تذكر رفض القوى الغربية رفع براءات الاختراع عن اللقاحات).

–        عودة لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إلى السلطة في البرازيل.

–        الحرب في أوكرانيا.

تم تمييز السياسة الغربية بـ «المعايير المزدوجة»، بينما أظهرت عدم اهتمام تام بالحروب المميتة التي لا تزال مستمرة في اليمن، والتي تسميها الأمم المتحدة «أزمة القرن الإنسانية»، والوضع في إثيوبيا.

أيدت قمة جوهانسبرج توسعاً كبيراً في مجموعة البريكس إلى ست دول جديدة: إيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر وإثيوبيا والأرجنتين.

تدخل دولتان نفطيتان رئيسيتان، على خلفية التقارب المذهل بين المملكة العربية السعودية وإيران تحت رعاية الصين، وهو ما يغير قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط.

اعتبارا من 1 يناير 2024، سوف تشكل مجموعة البريكس الموسعة 46٪ من السكان و 36٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي (70٪ منها سوف يأتي من الصين).

علاوة على ذلك، فإن انضمام المملكة العربية السعودية والإمارات سوف يجعل من الممكن بلا شك إنقاذ بنك مجموعة البريكس.

ومع ذلك، فقد واجهت القمة مسألة تعزيز التعاون النقدي، إن احتمال تحرير الدولار باستخدام العملات الوطنية يجب أن يؤدي في النهاية إلى عملة صرف موحدة.

لذا، يجب على البنوك المركزية إعداد تقرير حول هذا الموضوع قبل القمة المقبلة.

ما هو التحليل الذي يمكن إجراؤه على هذه الديناميكية؟

مما لا شك فيه أن مجموعة البريكس الموسعة تمثل أشكالاً جديدة من التعاون تسعى إلى الاستقلال عن مؤسسات بريتون وودز – الاسم الشائع لمؤتمر النقد الدولي الذي انعقد من 1 إلى 22 يوليو 1944 في غابات بريتون في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية- وبعض التطورات في العولمة الرأسمالية، التي فقدت زخمها، والتي تريد الولايات المتحدة ومجموعة السبع إعطائها جانباً سياسياً حازماً بشكل متزايد.

إنها «العولمة بين الأصدقاء» العزيزة على وزيرة خزانة الولايات المتحدة جانيت يلين.

إن القول بأن هذا لا يرقى إلى تعلق عدد من دول مجموعة البريكس التي ليست حكوماتها ديمقراطية أو معادية للرأسمالية، ناهيك عن «نماذج» لأي شيء.

يرى رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا أن مجموعة البريكس، في ديناميكيتها الشاملة، تظهر عالماً غير غربي، لا يعني بالضرورة «معاداة الغرب»، وترغب  في التصرف والعمل لصالح العلاقات الدولية «الأكثر توازناً».

ومع ذلك، هناك العديد من التناقضات الداخلية، إن إعادة تشكيل النظام العالمي وتأكيد القوى الجديدة يولدان توترات قوية بين أعضاء مجموعة البريكس، بين الصين والهند على سبيل المثال.

كما إن وضع الدول المختلفة في عملية إعادة التشكيل العالمية هذه ليس هو نفسه.

بقدر ما يتعلق الأمر بجنوب إفريقيا أو البرازيل، فإنه لا ينبغي الانجرار إلى منافسة بين القوى العالمية، حيث تضع الحكومة الروسية نظرية لمواجهة طويلة الأمد مع الغرب «وقيمه»، على أساس رجعي.

سوف نرى كيف سوف تتم إدارة هذه التناقضات في القمة المقبلة، المزمع عقدها في العام 2024، والتي سوف يتم الإعلان عنها في قازان، روسيا.

مجموعة البريكس ليست تحالفاً ولا كتلة، بل مجموعة من الدول التي غالباً ما تكون دبلوماسيتها متعددة الاتجاهات.

علاوة على ذلك، تحافظ مجموعة السبع، تحت هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، على تماسك وقوة ضاربة تظل أقوى من مجموعة البريكس.

إن التخلص من الدولرة عملية طويلة، حيث يتم تحدي هيمنة الدولار وضعفه ولكن لم يتم عكسه بعد.

لا يزال الدولار مهيمنا، حيث يمثل نصف التجارة العالمية، و90٪ من المعاملات اليومية في سوق الصرف الأجنبي و60٪ من احتياطيات النقد الأجنبي العالمية.

في حين نما الرنمينبي – هي عملة الجزء القاريّ من جمهورية الصين الشعبية- على مدى السنوات 20 الماضية، إلا أنه يمثل حاليا 7٪ فقط من معاملات النقد الأجنبي.

تظل الحقيقة أن قمة البريكس تظهر تطلعاً لبناء شيء آخر، عالم أكثر توازناً لم يعد فيه الدولار والولايات المتحدة الأمريكية هما من يتحكمان بالمطر والطقس الجيد- مصطلح يعني أنه ليس من حقك اتخاذ جميع القرارات، فأنت لست المسؤول عن كل شيء، لذلك لا تعتقد أنك تستطيع فعل أي شيء- وتجدر الإشارة إلى أنه، على عكس واشنطن، التي تتوخى الحذر نسبياً في ردود أفعالها، كان لدى إيمانويل ماكرون رد فعل دفاعي قوي للغاية، منتقداً «ميول النظام البديل».

جميع هذه العناصر تعزز الحاجة إلى بناء نظام آخر للعالم، للشعوب ذات السيادة والشعوب المرتبطة بها، على أساس السلام والتعاون.

مقترحات الحزب الشيوعي الفرنسي- PCF حول السلام، التي صاغها فابيان روسيل في عموده في صحيفة ” لوموند” في عددها الصادر في 17 يوليو، أو تشكيل عملة عالمية مشتركة، على أساس ليس المنافسة ولكن التعاون، باستخدام حقوق السحب من صندوق النقد الدولي والإصلاح الأوسع لصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة، هي أساس للمبادرات السياسية.   

 – موقع “الحزب الشيوعي الفرنسي- PCF “الفرنسي

 * المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع