بقلم: فرانك أ. فيراسترو*

(موقع”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأمريكي, ترجمة : خالد النظاري – سبأ)

قبل شهرين، كانت تجارة النفط عند أعلى مستوياتها في خمسة أشهر، باستثناء أسعار برنت التي كانت خجولة عند 75 دولار للبرميل، وكانت آفاق اشتداد السوق في ارتفاع.

إن اتفاقية التقليص الخاصة بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) كانت على المسار الصحيح لتخفيض العرض بنحو 1.2 مليون برميل من السوق التي تواجه أصلاً خسائر (حقيقية ومتوقعة على حد سواء) جراء العقوبات المفروضة على إيران وفنزويلا، والصراع السياسي في نيجيريا وليبيا، والاختناقات اللوجستية في الولايات المتحدة. وكان من المتوقع أن ينمو الطلب بمجرد انتهاء موسم صيانة المصافي وظلت التوقعات تُظهر متانة الاقتصاد العالمي، رغم التباطؤ.

في ظل هذه الخلفية، اجتمع الأعضاء الرئيسيون في لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك قبل شهر في جدة، المملكة العربية السعودية، لمراجعة أوضاع السوق والنظر فيما إذا كانت الاستراتيجية الحالية للمجموعة بحاجة إلى تعديل في ضوء التغيرات المستمرة في السوق الأحداث الجيوسياسية التي كانت حينها حالية.

واشتملت الأحداث المذكورة أعلاه على انقطاع التيار الكهربائي في فنزويلا، والإبلاغ المبكر عن التلوث في خط أنابيب دروزبا، والأضرار التي لحقت بأربع ناقلات خارج الفجيرة، وهجمات الطائرات بدون طيار على خط أنابيب أرامكو.

وعلى الرغم من أن المخاوف بشأن الطلب كانت واضحة، إلا أن تغريدات الرئيس ترامب والتهديدات الإيرانية للرد على الاستفزازات أتت عموماً لتدعم المزيد من المشاعر المتنامية.

وليس من المستغرب أن تختتم جلسة لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك بتوصية لمواصلة مراقبة السوق، في حين أعرب الأعضاء عن أملهم في أن الأسابيع المقبلة (إذ كان من المقرر أن تجتمع أوبك في نهاية يونيو، ولكن ما تزال المفاوضات حول الموعد المحدد) ستعطي درجة من الوضوح للارتباك الحالي في السوق مع استمرار انخفاض الأسهم العالمية “بلطف”، حيث أظهر الطلب القدرة على التعافي والعرض بقي ثابتاً.

ومع ذلك، إذا وضعنا التطلعات جانباً، لوجدنا أن حقائق السوق قد عملت بشكل مختلف تماماً.

في الشهر الوسيط ما بين الشهر الجاري واجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لأوبك، انخفضت أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها في خمسة أشهر (62 دولاراً للبرميل) على خلفية تهديدات متجددة للتصعيد في الحرب التجارية، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الصين وأماكن أخرى، وتقييمات عالمية بمزيد من الهبوط من عديد من المصادر, كما أن نمو الإمدادات من خارج أوبك وتراجع تشغيل المصافي (والذي يرجع جزئياً إلى استمرار الصيانة وسوء الأحوال الجوية) وارتفاع مخزونات النفط العالمية إلى جانب القرارات التي اتخذها مستثمرون غير تجاريين بالبقاء على الهامش ظل يعزز الشعور بالهبوط.

إن تسارع الأحداث إزاء الهجمات على ناقلات النفط في الأسبوع الماضي في خليج عمان وردود الفعل المصاحبة فيما يخص الأسعار، ومعضلة أوبك قد بات من واضح أن لا مفر منه.

وكانت الهجمات “الصاروخية” على ناقلتين تحملان منتجات نفطية سعودية وإماراتية خارج مضيق هرمز مباشرة قد أدت إلى إدانة فورية من قبل وزير الخارجية الأمريكي بومبيو، الذي أشار إلى تورط إيران في ارتكاب الفعل، وأثار نفيًا رسميًا من جانب إيران. وكون أن إحدى السفن المستهدفة (كوكوكا كورايجس) كانت يابانية قد أوجد ارتباطاً جيوسياسيًا على نطاق واسع، نظرًا لأن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي كان للتو في إيران والتقى بالزعيم الإيراني الأعلى آية الله خامنئي والرئيس الإيراني حسن روحاني. وقد قيل إن آبي كان يحمل رسالة تهدئة من الرئيس ترامب. وطالما أن اليابان تلتزم بتوجيهات العقوبات الأمريكية ولم تعد تشتري النفط الإيراني، فإن التكهنات مليئة بالنظريات حول من المسؤول عن الهجمات وماهية الرسائل التي يعتزمون إيصالها وإلى من.

تشتمل مجموعة المرشحين المحتملين على الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية واليابان والإمارات وحتى الرئيس روحاني. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الحرس الثوري الإيراني، الذي لا يأتمر إلا بأوامر المرشد الأعلى، يحتفظ (بالإضافة إلى البحرية الإيرانية النظامية التي يتم نشرها عادة في المياه الزرقاء والمناطق الساحلية) يحتفظ أيضا بوحدات النخبة البحرية، التي تظهر قواربها السريعة بجلاء في جميع أنحاء الخليج العربي.

إن الأنباء عن الهجمات والخوف الفوري من التصعيد قد أدت إلى ارتفاع أسعار النفط بنحو 4 بالمئة يوم الخميس، لكن الأسواق هدأت في ختام أعمالها، وعمل الشعور بالهبوط يوم الجمعة على استعادة معظم المكاسب.

مع حلول هذا الأسبوع، من المحتمل أن نرى المزيد من الإفصاح عن النية والمسؤولية (ومن الغريب في عصر “الأخبار المزيفة” أن صورة المخابرات الأمريكية لما بدا أنها سفينة عسكرية إيرانية تسترجع عبوة لم تنفجر قد قوبلت بالشك، وما عزز ذلك بشكل أكبر هي تأكيدات طاقم كوكوكا بأن الهجوم كان آتياً من الجو وليس من لغم ممغنط).

وفي ظل عدم وجود المزيد من الاستفزازات أو الحوادث، وسط توقع بارتفاع أسعار التأمين، فإنه من المتوقع أن تستمر حركة ناقلات النفط حتى في الوقت الذي يتم فيه اتخاذ تدابير أمنية معززة في المنشآت الحيوية في جميع أنحاء المنطقة.

وكما هو متوقع، فإن الاقتراحات المتعلقة بتعيير الأعلام وتعزيز المراقبة الجوية ومرافقة القوافل يقال إنها قيد الدراسة، على الرغم من أن تنفيذ هذه التدابير باهظ الثمن وصعب من الناحية اللوجستية. وينبغي اعتبار نشر الرئيس ترامب لألف جندي إضافي في المنطقة استجابة لحاجات Centcom لتأمين وحماية الأصول بدلاً من استخدام قوة الزحف.

ويرى البعض أن الوضع الاقتصادي المتدهور في إيران (نتيجة للعقوبات) والإحباط السياسي وعدم القدرة على تحويل صادرات النفط إلى عملات صعبة، في حين أن نظيراتها في أوبك وغيرهم (بما في ذلك روسيا والولايات المتحدة) يستأثرون بشكل متزايد بحصة السوق، قد دفع النظام إلى إظهار قدراته في تهديدهم لإغلاق مضيق هرمز. وكما أفاد الزميلان جون الترمان وتوني كوردسمان، فإن إيران تعتبر نفسها قوة إقليمية وقد تعلمت من نموذج كوريا الشمالية باستخدام التكتيكات العدوانية والتهديدية لجلب الخصوم إلى الطاولة.

وكونهم غير قادرين وغير راغبين في الامتثال لشروط وزير الخارجية بومبيو الـ12 للمفاوضات، فربما أنهم يحاولون استعادة بعض النفوذ على أمل بدء مناقشات مع الولايات المتحدة وغيرها على أساس مختلف بل وربما أكثر فائدة.

بيد أن هناك ما يدحض هذه الحجة، وهو أن النجاح في إغلاق مضيق هرمز سيكون بلا شك ذا انعكاسات شديدة الخراب بل وأيضاَ قصير الأمد.

ولن يلتزم مستهلكو النفط، من الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة واليابان والصين، بمثل هذا العمل، ومن المؤكد أن إيران لن ترغب في مواجهة قوة متعددة الجنسيات مصممة على إعادة فتح المضيق الاستراتيجي.

ومع ذلك، فإن مسار العمل الذي يمكن التنبؤ به على الأرجح سيشمل استمرار المضايقات البحرية الإيرانية، وإن كانت منخفضة المستوى، بما يكفي لإبطاء العبور أو ربما رفع الأسعار ولكن ليس إلى مستوى استجلاب ردود فعل انتقامية واسعة نطاق، وتجديد التهديدات مثل التراجع عن الالتزامات الانتقائية بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة من أجل استجداء دعم دولي للمفاوضات وإجراءات التصعيد. وهكذا تتجلى حقيقة أن المخاطرة بسوء التقدير والتصعيد تصبح تبعاتها المادية أشد فداحة. (ومن المفارقات أن إغلاق المضيق سوف يزيد بسرعة من أسعار النفط، التي ستعود فوائدها بشكل غير متناسب على المنتجين العالميين الكبار خارج الخليج العربي – أي الولايات المتحدة وروسيا).

وعلى افتراض عدم حدوث أي اضطرابات كبيرة في سوق النفط، بالنظر إلى تزايد الشكوك فيما يتعلق بكل من الطلب والعرض والأسهم والأسعار السائدة، يبدو أن أوبك مصممة على تمديد اتفاقها الحالي عندما تجتمع في فيينا في الأسابيع المقبلة.

ومع ذلك، فإن التغيرات في الآراء يمكن أن تؤدي فجأة إلى تهديدات في العرض الفعلي. وعلى أية حال، فإن سعي أوبك المعلن لاستقرار السوق (في عالم أصبح معقداً بشكل متزايد وفي ظل عدم وجود نقص في الأدوار الفعالة ووعد القدرة على التنبؤ بجهات فاعلة) يظل سريع الزوال ويشوبه الوهم ومن المحتمل أن يظل كذلك في المستقبل المنظور.

*فرانك فيراسترو نائب الرئيس الأول وزميل في برنامج الطاقة والأمن القومي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة.

تم إعداد التعليق من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهي مؤسسة خاصة معفاة من الضرائب تركز على قضايا السياسة العامة الدولية. أبحاثها ليست ملكية حزبية وغير حكومية. ولا يأخذ المركز مواقف سياسية محددة. وعلى هذا الأساس، يجب فهم جميع وجهات النظر والمواقف والاستنتاجات الواردة في هذا المنشور على أنها آراء المؤلف (المؤلفين) فقط.