بقلم: أنتوني كوردسمان

( موقع”مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأمريكية, ترجمة:خالد النظاري-سبأ)

قد يبدو تهديد الحرب مع إيران بعيداً عن الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا، لكن تداعياتها الاستراتيجية أصبحت واضحة تمامًا بعد ساعات فقط من الهجوم على ناقلتين تم تحميلهما حديثا – وهما Frontline و Kokuka Courageous – في خليج عمان يوم 12 يونيو 2019 – على مسافة قريبة خارج الخليج “الفارسي” أو “العربي”. لقد جاءت هذه الهجمات بعد أقل من شهر من أربعة هجمات سابقة على ناقلات بالقرب من ميناء في الإمارات العربية المتحدة، وبعد شهور من التوتر المتزايد بشأن البرامج النووية الإيرانية والحرب في اليمن وسباق التسلح المتزايد في المنطقة.

الخوف من المزيد من الهجمات، والانقطاع المستمر في تصدير النفط أدى إلى ارتفاع مفاجئ في السعر العالمي للنفط الخام بنسبة 4 بالمئة – ارتفاع أسعار عالمي مما يعني أن كل شخص في العالم يجب أن يدفع المقابل – بما في ذلك الأمريكيون – بغض النظر عن حقيقة أن الولايات المتحدة لم تعد مستورد رئيسي للنفط.

إن الأسباب في أن مثل هذه الحوادث يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع فوري في الأسعار بسيطة، وكذلك الحال بالنسبة للمخاوف المتزايدة بشأن أنماط الصراع الأكثر خطورة. أولاً، إن المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة ودول الخليج العربي حول كل شيء ابتداءً بـ “JCPOA”وانتهاءً باليمن يمكن أن تتصاعد بسهولة إلى حرب هجينة لها أشكال هجوم بالغة الخطورة. وثانياً، يمكن أن تؤثر مثل هذه الهجمات على الجوانب الهامة لتدفق الطاقة إلى الدول الصناعية الرئيسية والمصدرين الذين يشكلون نجاح الاقتصاد العالمي وكذلك اقتصاد الولايات المتحدة.

تهديد الحرب الهجينة

يمكن لإيران أن تستخدم قواتها البحرية و \ أو الجوية و \ أو الصاروخية ووكلائها لمهاجمة السفن في أي مكان في الخليج، وحول مضيق هرمز، وفي خليج عُمان خارج الخليج، وفي مياه المحيط الهندي بالقرب من مضيق هرمز. لطالما هددت “بإغلاق الخليج” عند مضيق هرمز، لكن تدريباتها العسكرية تتضمن تفريق قواتها البحرية التابعة لقوات الحرس الثوري على نطاق واسع في الخليج وبالقرب منه.

ولا يتوجب على إيران شن حرب كبرى, إذ يمكن أن تقوم بهجمات متقطعة منخفضة المستوى لا تثير بالضرورة ردود فعل أمريكية أو عربية كبرى، ولكنها تخلق جرعات من المخاطر المفاجئة في أسعار البترول وما يعادلها من حرب استنزاف. إن ناقلات النفط بطبيعتها عُرضة للصواريخ الصغيرة نسبيًا المضادة للسفن والطائرات بدون طيار، والهجمات التي تشنها الغواصات والمراكب الصغيرة التي يتم التحكم فيها لا سلكياً والمليئة بالمتفجرات القوية.

ويمكن لإيران أن تزرع ألغام “ذكية” أسفل طرق الناقلات والتي يمكنها اكتشاف صهاريج كبيرة ومواقعها، كما يمكن أن يتم ضبطها على فترات زمنية متباعدة.

إن هذه الأساليب الهجينة للهجوم بواسطة سفن فردية ومراكب شراعية ليست جزءًا من القوات المسلحة الإيرانية، ولا تحمل أعلاماً إيرانية أو مشغلين يرتدون الزي الرسمي الإيراني، ولا يمكن ربطها مباشرة بأعمال الحكومة الإيرانية, إذ يمكن تشغيلها بواسطة وكلاء مثل الحوثيين أو مجموعات “العلم الزائف” المُنشأة حسب الطلب، علماً أن القوات البحرية لجمهورية إيران الإسلامية وقوات الحرس الثوري الإسلامي قد أنشأتا وجودًا متزايدًا في خليج عمان يقع تحديداً في تشابهار – “لمنع التهريب” – وفي خليج عدن وبالقرب من اليمن “للتعامل مع القراصنة الصوماليين”.

ويشتمل دورها المتنامي في خليج عمان على قاعدة لغواصاتها ‘كيلو‘ لتقليل قدرة الولايات المتحدة على تتبع وتغطية تحركاتها، وتقارير مجموعة جين للمعلومات تفيد بأن إيران تخطط لإنشاء ثلاث قواعد جديدة على ساحل مكران في خليج عمان – واحدة منها قد اكتملت بالقرب من بسباند (بالقرب من الحدود الباكستانية) في فبراير 2017.

وفي الوقت نفسه، يمكن للجماعات المتطرفة الخارجية مثل داعش أن تنفذ مثل هذه الهجمات – ومن المحتمل أن تجر إيران والولايات المتحدة والدول العربية إلى شكل من أشكال الصدام أو الحرب, ولا أحد يستطيع أن يفترض بمنأىً عن أي شكوك أن إيران هي السبب, بسبب غياب المعلومات أو الأدلة الموثوق بها. حتى الإنكار الإيراني “غير المعقول” يمكن أن يحد من الرد العسكري للدول الأخرى، خاصة وأن أي رد فعلي من هذا القبيل يهدد بحدوث صراع أكثر خطورة وتقليص أكثر خطورة في تدفق نفط الخليج.

التهديد على الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي

إن البترول سلعة عالمية، وأي خطر أو انخفاض خطير في العرض يؤثر على الأسعار في كل مكان في العالم. وتُعد شبه الجزيرة العربية والخليج مصدرين أساسيين للصادرات، كما أن حوالي 60 مليون برميل من النفط، بالإضافة إلى المنتجات والغاز الطبيعي، تخرج من الخليج عبر البحر كل يوم.

وعلى الرغم من أن حجم صادرات النفط الخليجية يتغير بمرور الوقت، إلا أن تقديرات وكالة معلومات الطاقة التابعة للحكومة الأمريكية تشير إلى أن الحجم ارتفع بنحو 9 بالمئة في نصف العقد بين 2011 و 2016.

وبالتالي فإن مضيق هرمز يعتبر أهم نقطة في العالم، حيث وصل تدفق النفط إلى 18.5 مليون برميل في اليوم عام 2016. ويربط مضيق هرمز والخليج العربي بخليج عمان وبحر العرب، وفي العام 2015 تدفقه اليومي من النفط وصل إلى 30 بالمئة من جميع النفط الخام والسوائل الأخرى المنقولة عن طريق البحر. ولقد عبر من خلال مضيق هرمز أكثر من 30 بالمئة من تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم 2016. في أضيق نقطة لمضيق هرمز يبلغ العرض 21 ميلًا، لكن عرض خط الشحن في أي من الاتجاهين لا يزيد عن ميلين،تفصل بينهما منطقة عازلة مسافتها ميلان.

وتجدر الإشارة أن خيارات تجاوز مضيق هرمز محدودة. إذ أن كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما من تمتلكان فقط خطوط أنابيب يمكنها شحن النفط الخام خارج الخليج العربي ولديها قدرة خط الأنابيب إضافية للالتفاف على مضيق هرمز. وفي نهاية العام 2016، بلغ إجمالي طاقة أنابيب النفط الخام المتاحة من البلدين مجتمعين 6.6 مليون برميل في اليوم، في حين أن لدى البلدين مجتمعين حوالي 3.9 مليون برميل في اليوم من طاقة الالتفاف غير المستخدمة.

إن الخيارات الوحيدة لهذه الحركة عن طريق البحر تتمثل في خط أنابيب محدود عبر العراق إلى ميناء في تركيا لا يوفر سوى القليل من الطاقة الفائضة في العالم الحقيقي. وهناك خط أنابيب آخر صغير نسبيا وهو خط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام الذي يمكنه نقل كمية أخرى تـُقدر بـ1.5 مليون برميل يومياً من النفط الخام إلى نقطة على ساحل المحيط الهندي في الإمارات العربية المتحدة، حيث تكون شحنات الناقلات معرضة للخطر مثل تلك الموجودة في الخليج.

وأخيراً، هناك خط أنابيب أكبر يبلغ حجمه 4.8 مليون برميل في اليوم (خط أنابيب من الشرق للغرب) عبر المملكة العربية السعودية من بقيق بالقرب من الخليج إلى ميناء في ينبع على البحر الأحمر. وكانت القدرة الفائضة لخط الأنابيب هذا تقل عن 2.9 مليون برميل يوميا في السنوات الأخيرة. وحتى في أفضل الحالات، فإن هذا يمثل أقل من 20 بالمئة من النفط الذي يتدفق الآن يومياً خارج الخليج. ولكن في الواقع العملي، كانت المملكة العربية السعودية قد اضطرت أصلاً لإغلاق هذا الأنبوب بعد هجوم في منتصف مايو 2019 عندما أفادت وكالة الأنباء السعودية أنه تعرض لضرر محدود جراء هجوم بطائرات مسلحة بدون طيار و “عمل إرهابي وتخريبي”.

إن الحرب الأهلية في اليمن قد منحت إيران نفوذاً كبيراً على الحوثيين، وإمكانية متزايدة لاستخدام الصواريخ أو الألغام أو القوارب والسفن الصغيرة التي لا يمكن معرفة مصدرها لمهاجمة أهداف متجهة خارج البحر الأحمر جنوباً عبر باب المندب أو شمالاً عبر قناة السويس أو خط أنابيب سوميد.

وفيما يلي، تفيد تقارير تقييم الأثر البيئي أن:

مضيق باب المندب هو نقطة تفتيش بين القرن الإفريقي والشرق الأوسط وهو رابط استراتيجي بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي. وكونه يقع بين اليمن وجيبوتي وإريتريا، فإنه يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. ومعظم الصادرات من الخليج العربي التي تمر عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد تمر عبر باب المندب.

إن ما يُقدر بنحو 4.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة كانت تتدفق عبر هذا الممر المائي في العام 2016 نحو أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، بزيادة قدرها 3.3 مليون برميل يومياً عن العام 2011. ويبلغ عرض مضيق باب المندب 18 ميلاً في أضيق نقطة له، مما يحد من حركة الناقلات للشحنات الواردة والصادرة إلى قناتين بعرض ميلين. وإغلاق باب المندب يمكن أن يمنع الناقلات القادمة من الخليج العربي من الوصول إلى قناة السويس أو خط أنابيب سوميد.

وتعتبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد طريقين استراتيجيين لشحنات النفط والغاز الطبيعي من الخليج العربي إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. وتقع قناة السويس في مصر، وتربط البحر الأحمر وخليج السويس مع البحر الأبيض المتوسط. وفي عام 2016، كان يعبر قناة السويس 3.9 مليون برميل يومياً من النفط الخام والمنتجات المكررة في كلا الاتجاهين، وفقاً للبيانات الصادرة عن هيئة قناة السويس.

ارتفعت التدفقات المتجهة نحو الشمال بحوالي 300,000 برميل في اليوم عام 2016، ويرجع ذلك إلى حد كبير لزيادة صادرات النفط الخام من العراق والمملكة العربية السعودية إلى أوروبا.

وانخفضت الشحنات المتجهة إلى الجنوب لأول مرة منذ العام 2009 على الأقل، ويعزى ذلك إلى حد كبير إلى انخفاض صادرات المنتجات البترولية من روسيا إلى آسيا.

ويمتد خط أنابيب سوميد بطول 200 ميل ومن خلاله يتم نقل النفط الخام عبر مصر من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط. ويتدفق النفط الخام عبر خطي أنابيب متوازيين بسمك 42 بوصة وتبلغ طاقتهما الإجمالية 2.34 مليون برميل في اليوم. وخط أنابيب سوميد هو الطريق البديل الوحيد لنقل النفط الخام من البحر الأحمر إلى البحر الأبيض المتوسط إذا لم تتمكن السفن من المرور عبر قناة السويس.

وإذا ما تم إغلاق قناة السويس وخط أنابيب سوميد فقد تضطر ناقلات النفط إلى تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح بالقرب من الطرف الجنوبي لأفريقيا، مما سيضيف حوالي 2,700 ميل للعبور من المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة. في العام 2016، كان يتم نقل 1.6 مليون برميل في اليوم من النفط الخام عبر خط أنابيب سوميد إلى البحر الأبيض المتوسط ومن ثم يتم تحميله على ناقلات نفط  لتجارة الشحن البحري.

التهديد على الاقتصاد الأمريكي؛ لماذا يعتبر “استقلال البترول” خرافة

لقد ظلت الولايات المتحدة حتى فترة قريبة مستورداً لما يقل عن مليوني برميل يومياً من النفط، وكان أقل من 20 بالمئة من إجمالي وارداتها يأتي من الخليج. ومع ذلك، فإن الولايات المتحدة تدفع مقابل السعر العالمي للنفط، وأية أزمة في العرض تزيد من الأسعار في الولايات المتحدة مثلها مثل أي بلد آخر في العالم.

لكن الأمر الأكثر أهمية بالنسبة للاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي ككل هو أن صادرات النفط الخليجية تنتقل عن طريق البحر إلى اقتصادات أخرى متقدمة وصناعية ذات أهمية بالغة – خاصة في آسيا.

وهذه الدول المستوردة تشمل أهم “أكبر 15” دولة مُصدرة للولايات المتحدة مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام. وفي الوقت الراهن تؤثر صادراتها إلى الولايات المتحدة على جزء أكبر بكثير من الاقتصاد الأمريكي مما كان عليه الحال بالنسبة لواردات البترول حتى عندما كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على واردات النفط الأمريكية المباشرة.

وتشير آخر بيانات وكالة المخابرات المركزية ومكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن الدول الآسيوية وحدها توفر عادة ما بين 28 بالمئة إلى 30 بالمئة من واردات الولايات المتحدة الحالية – إلى حد كبير في شكل سلع مصنعة – وأن لديها ما قيمته 4-5 بالمائة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وإذا نظرنا من هذا المنظور، فإن “استقلال” الطاقة في الولايات المتحدة ليس أكثر من مجرد أسطورة اقتصادية.

*يشغل أنتوني كوردسمان كرسي “Arleigh A. Burke” في الإستراتيجية لدى مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن العاصمة. وقد عمل مستشارًا في شؤون أفغانستان لدى وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الخارجية الأمريكية.

تم إعداد التعليق من قبل مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة خاصة معفاة من الضرائب تركز على قضايا السياسة العامة الدولية. أبحاثها ليست ملكية حزبية أو حكومية. ولا يبنى المركز مواقف سياسية محددة. ووفقاً لذلك، يجب فهم جميع وجهات النظر والمواقف والاستنتاجات الواردة في هذا المنشور على أنها آراء المؤلف فقط.