توسع مجموعة البريكس في الشرق الأوسط
أحد أعراض فترة جيوسياسية جديدة في المنطقة 1/2
بقلم: إميل بوفييه
ترجمة: اسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”
متحدثا في اجتماع مجموعة البريكس بشأن دول منطقة الشرق الأوسط في 26 أبريل، قال المبعوث الخاص للحكومة الصينية لشؤون الشرق الأوسط، تشاي جون: “التغيرات في العالم، زماننا وتاريخنا تتكشف اليوم أكثر من أي وقت مضى” في إشارة إلى الاضطرابات الجيوسياسية العديدة التي حدثت في الأشهر الأخيرة والتي تعتزم الصين الاستفادة منها أكثر من أي وقت مضى.
والواقع أن هذه الاضطرابات الجيوسياسية عديدة ويبدو أنها تسير بوتيرة متسارعة، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط؛ بينما أظهرت الحرب في أوكرانيا المرونة الدبلوماسية القوية للغاية لروسيا بسبب وجودها الملحوظ والمتجدد في المنطقة.
يبدو من الصعب بشكل متزايد التنافس على فقدان زخم الولايات المتحدة الأمريكية، بينما شنت الصين هجوماً دبلوماسياً واسعاً قبل عدة أشهر بعد أن حققت أول انتصار خاصة لوسائل الإعلام في مارس الماضي، في بكين، والمتمثل في التوقيع على الاتفاق التاريخي لإعادة العلاقات الدبلوماسية بين الخصمين: السعودي والإيراني.
ومع ذلك، فإن ديناميكية أخرى، بقدر ما هي ناقل لهذا التغيير، تحدث بشكل سري بصورة نسبية لعدة أشهر وتساهم في تكثيف الاضطرابات الجيوسياسية التي تحدث في منطقة الشرق الأوسط: تحت رئاسة الصين العام الماضي، في يونيو 2022، قررت مجموعة البريكس فتح العضوية أمام دول أخرى من أجل الانضمام إلى هذه المجموعة التي مثلت، بشكلها الحالي في العام 2022:
– 42٪ من السكان.
– ربع الناتج المحلي الإجمالي.
– ثلثي النمو الاقتصادي العالمي.
يبدو أن انفتاح مجموعة البريكس قد خلق دعوة معينة في جميع أنحاء العالم ولكن بشكل أكثر تحديداً في منطقة الشرق الأوسط «الموسع»: وبالتالي، كان حوالي ثلاثين دولة ستعرب عن رغبتها في الانضمام إلى المجموعة بصورة رسمية أو غير رسمية، بما في ذلك عدد كبير من البلدان في المنطقة، من الجزائر إلى أفغانستان ومصر وتركيا والمملكة العربية السعودية.
في الواقع، تقدم مجموعة البريكس بديلاً مغرياً للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها، مما يفسر حماس جزء كبير من دول منطقة الشرق الأوسط لإرادة ورغبة المجموعة في التوسع (الجزء الأول) ومع ذلك، فإن انضمام هذه البلدان إلى نموذج بريكس يستند أساساً إلى الرغبة في إلغاء تقسيم التجارة، على الأقل بالنسبة لبعضها، وفي تنويع شركائها التجاريين (الجزء الثاني).
الجزء الأول: البريكس، بديل مغري للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها
تسعى مجموعة البريكس إلى تقديم نموذج اقتصادي بديل للنموذج الذي يحكم العالم في الوقت الحالي؛ فالثقل الاقتصادي والجيوسياسي لأعضائها، لا سيما الصين وروسيا، يعطي مصداقية متزايدة لمشاريعهم وطموحاتهم، مما يسبب جنوناً وحماساً ملحوظاً في جزء كبير من الشرق الأوسط.
أولاً، ما هي مجموعة البريكس؟
إن مجموعة البريكس ليست، بالمعنى الدقيق للكلمة، تشكل تحالفا اقتصاديا كما يمكن أن تكون – من بين أمور أخرى – الاتحاد الأوروبي على سبيل المثال، الذي يطبق بعض أعضائه لائحة مشتركة للمنتجات وحرية حركة السلع أو رأس المال أو اليد العاملة أو الخدمات.
بل هي مجموعة من البلدان تُعرف بثقلها الاقتصادي المتزايد واستعدادها لاقتراح بديل للنموذج الاقتصادي الذي تعززه الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في جميع أنحاء العالم، حيث يمارس الدولار تفوقاً حقيقياً على النظام المالي العالمي، في حين تكافح البلدان الناشئة لاختراقه في سياق التجارة الحرة والمنافسة التي تفيد البلدان المتقدمة النمو، يوجد في أغلبيتها العظمى شركات أكثر كفاءة وأكثر حضورا في جميع أنحاء العالم من بلدان «الجنوب».
في العام 2019، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سبيل المثال إلى «إعادة التفكير في دور الدولار»، «أداة الضغط» للولايات المتحدة على منافسيها، بينما أعلنت وزارة الخارجية الصينية في فبراير 2023 أن هيمنة الدولار كانت «أحد المصادر الرئيسية لعدم الاستقرار وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي».
وهكذا فكرت مجموعة البريكس، على مر السنين، في تقديم نموذج اقتصادي بديل للنموذج الذي يحكم العالم حالياً؛ لذلك تم إنشاء العديد من المشاريع، أولها «بنك تنمية البريكس»، الذي تم استحضاره في قمة البريكس الرابعة في نيودلهي (الهند) في العام 2012 والذي دخل حيز التنفيذ في يوليو 2015 في قمة البريكس السابعة في أوفا (روسيا)، والذي يسمى اليوم «بنك التنمية الجديد».
يعتزم بنك بريكس هذا «دعم المشاريع العامة أو الخاصة من خلال القروض والضمانات واستثمارات الأسهم والأدوات المالية الأخرى» من خلال تقديم بديل للبلدان النامية للمؤسسات التي تعتبر «مركزية غربية»، مثل صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي.
مشروع أكثر طموحاً من بنك التنمية الجديد (NDB)، تستحضر مجموعة البريكس كذلك الفكرة، منذ ربيع العام 2023، لإنشاء عملة مشتركة من أجل اقتراح بديل للدولار مرة أخرى.
ترأست ديلما روسيف – رئيسة البرازيل خلال الفترة من 2011 إلى 2016- اليوم قيادة بنك التنمية الوطني في أبريل 2023، وقال الرئيس البرازيلي الحالي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا «كل ليلة، أتساءل لماذا يتعين على جميع الدول التداول بالدولار؟».
في الواقع، إن القدرة الكلية للدولار تلقي بثقلها على البلدان الناشئة لمجموعة واسعة من الأسباب الاقتصادية، ويدعو عدد متزايد منها إلى «إزالة الدولار» من النظام المالي الدولي.
إذا كانت الملامح والطرائق الدقيقة لهذه العملة الجديدة الخاصة بمجموعة البريكس لا تزال غير واضحة ولا يزال يتعين تحديدها، فإن فكرة العملة الدولية البديلة للدولار تغري بالفعل العديد من البلدان وهي جزء من مشاريع نقدية مماثلة أخرى يجب أن تتنافس، أو على الأقل تقديم بديل للأنظمة التي تهيمن عليها حاليا الولايات المتحدة وحلفاؤها، مثل العملة المشفرة المشتركة بين البريكس أو النظام المصرفي الذي يتنافس مع نظام الدفع “SWIFT”، والذي تم استبعاد روسيا منه في مارس 2022.
ثانيا – مصلحة الشرق الأوسط بمجموعة البريكس
في الواقع، اكتسب هجوم السحر التجاري والدبلوماسي لمجموعة البريكس بعض الصدى – وبالتالي بعض النجاح – منذ الحرب في أوكرانيا مع العديد من البلدان حول العالم، وعلى وجه الخصوص، في الشرق الأوسط.
وفي هذه المنطقة، أعربت الجزائر وتونس ومصر وسوريا والعراق وتركيا والبحرين والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وإيران وأفغانستان في الأشهر الأخيرة عن اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة البريكس والمشروع الاقتصادي البديل المدعوم منها.
هذا الحماس ملحوظ بشكل أكبر لأنه إذا لم يكن ترشيح عدة دول تعتبر «منبوذة» من قبل المجتمع الدولي – وخاصة الولايات المتحدة وحلفائها – مفاجئاً (أفغانستان وإيران وسوريا على وجه الخصوص)، قد يكون ترشيح الدول الحليفة للولايات المتحدة، مثل المملكة العربية السعودية أو الإمارات العربية المتحدة أو تركيا، العضو في الناتو، أكثر صعوبة.
في الواقع، تؤكد هذه الترشيحات فقط فقدان الولايات المتحدة التدريجي لنفوذها في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك أولئك الذين كانوا، في وقت ما، من بين أكثر حلفائهم ولاءً.
وبالتالي، في حين أن الخلاف الدبلوماسي بين واشنطن والرياض منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض لا يمكن حله – على الرغم من الرحلة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلى الرياض في 3 يونيو 2023 – وأثرت على العلاقات بين الولايات المتحدة والإمارات – نتيجة لذلك، على سبيل المثال، انسحاب أبو ظبي في مايو 2023 من التحالف البحري الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البحر الأحمر والخليج الفارسي.
انتقلت التوترات العديدة جدا التي اجتازت العلاقات الأمريكية مع تركيا في السنوات الأخيرة من حالة دورية إلى حالة هيكلية وأعقبت تدهورا مماثلا لتدهور العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، مما دفع أنقرة تدريجيا إلى البحث عن شركاء جدد، في مقدمتهم، روسيا والصين.
بيد أنه ينبغي التأكيد على أن هذا النهج الدبلوماسي التركي هو جزء من البحث عن شركاء جدد، على النحو المفصل أدناه، وليس رفضا لـ «الغرب»:
تواصل تركيا بشدة اقتصاديا وسياسيا مع الولايات المتحدة وأوروبا، سياستها البراغماتية المتمثلة في «الدبلوماسية الانتقائية» من خلال التحول بدورها إلى أحد القطبين الأمريكي أو الصيني أو الروسي أو الأوروبي وفقاً لمصالحها.
فإن قبول أنقرة بانضمام فنلندا والسويد إلى الناتو في المستقبل القريب يظهر ذلك، كما فعل طلبها في قمة الحلف الأطلسي في فيلنيوس في 10 يوليو الماضي، لإعادة إطلاق عملية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من خلال دعم اندماج السويد في الناتو.
الزخم الهائل لبلدان الشرق الأوسط للانضمام إلى مجموعة البريكس هو جزء من نفس الديناميكية التي بدأت في سبتمبر 2022.
وبسبب موجات الترشيح المتتالية للانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون تحت وضع العضو الكامل، كما هو الحال الآن بالنسبة لإيران منذ 4 يوليو 2023، أو في إطار «شريك المناقشة»، كما هو الحال الآن بالنسبة لقطر ومصر والبحرين منذ سبتمبر 2022، المملكة العربية السعودية منذ مارس 2023، وكذلك الإمارات العربية المتحدة والكويت منذ مايو 2023.
إن تقارب هذه البلدان مع مجموعة البريكس، ومنظمة شنغهاي للتعاون، ومن خلالها، الصين بشكل أساسي، سوف يكون هذا موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.
– موقع “لوكليه دو موين اغيونت – les cles du moyen orient” الفرنسي
– المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع