خيارات مفتوحة.. سيناريوهات تدخل “إيكواس” العسكري في النيجر
السياسية:
تتلبد سماء الساحل باحتمالات التدخل العسكري في النيجر الذي تتوعد به منظمة “إيكواس” لقادة المجلس العسكري في نيامي، ما يُعيد إلى الذاكرة تدخلات سابقة لها في هذا المضمار، كما يزيد التساؤلات حول قدرة المنظمة على خوض غمار هذه التجربة من جديد.
على صفيح ساخن تعيش منطقة الساحل بعد الانقلاب العسكري في النيجر، مع تعذّر الوصول إلى تسوية تضمن إعادة الرئيس المعزول محمد بازوم، إلى سدّة السلطة في بلاده.
وتتلبد سماء الساحل باحتمالات التدخل العسكري في النيجر الذي تتوعد به منظمة “إيكواس” لقادة المجلس العسكري في نيامي، ما يُعيد إلى الذاكرة تدخلات سابقة لها في هذا المضمار، كما يزيد التساؤلات حول قدرة المنظمة على خوض غمار هذه التجربة من جديد.
“إيكواس” وتاريخ من التدخلات
كما يبدو من اسمها فإنّ “المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا” المعروفة اختصاراً بـ”إيكواس (ECOWAS) ” هي منظمة إقليمية فرعية تهدف إلى خلق حالة من التكامل الاقتصادي بين الدول المنضوية في إطارها، غير أنّ هذا الهدف لم يَحُل دون وجود شِقّ أمني عسكري في أهدافها، إذ إنّ تحقيق الاستقرار السياسي والأمني يشكّل شرطاً رئيسياً لدفع العجلة الاقتصادية.
وفي هذا الإطار أقرّت المنظمة “ميثاق دفاع إيكواس” عام 1981 الذي حدّد مجموعة حالات تتيح التدخل العسكري، وهو ما جرى توسيعه ضمن بروتوكول أقرّ آلية لمنع وإدارة وتسوية الصراعات في دول المنظمة عام 1999، مجيزاً التدخل لمواجهة حالات منها الإطاحة بحكومة منتخبة.
وشهد عام 1990 التدخل العسكري الأول للمنظمة، حيث أُرسلت قوة إلى ليبيريا للتدخل في الحرب الأهلية بين قوات الرئيس الأسبق صمويل دو، وفصيلين متمردين، وانتهت مهمة القوات عام 1999 بعد انتخاب زعيم المتمردين السابق تشارلز تيلور رئيساً.
وتدخلت “إيكواس” في سيراليون عام 1998، بهدف طرد مجلس عسكري وحلفاء متمردين من العاصمة فريتاون، وإعادة الرئيس أحمد تيجان كباح الذي أُطيح به في انقلاب.
وفي العام الذي يليه أرسلت المنظمة المئات من جنودها لمراقبة تطبيق اتفاق سلام في غينيا بيساو، وهو تدخل تكرّر مرّة أخرى بين عامَي 2012 و2020، للمساعدة في ردع الجيش عن التدخل في السياسة وحماية القادة السياسيين بعد وقوع انقلاب عسكري في البلاد.
وفي عام 2003، أُرسلت قوة من “إيكواس” إلى ساحل العاج لمساعدة القوات الفرنسية في مراقبة اتفاق سلام هش بين فصيلين متناحرين، حيث أدّى الصراع بينهما إلى تقسيم البلاد.
أما في عام 2013، أرسلت “إيكواس” جنوداً إلى مالي، بهدف طرد المقاتلين المرتبطين بتنظيم “القاعدة “الإرهابي من الشمال.
وكان التدخل الأخير للمنظمة عام 2017 في غامبيا، حيث أرسلت 7 آلاف جندي لدفع الرئيس المنتهية ولايته يحيى جامع، إلى التنازل عن الرئاسة لأداما بارو الفائز في الانتخابات، فيما سُميت “عملية استعادة الديمقراطية”.
التدخل في النيجر.. الخطوة القادمة؟
ومع انتهاء مهلة الأسبوع التي منحتها “إيكواس” لقادة المجلس العسكري في نيامي للتراجع عن استيلائهم بالقوة على السلطة أصبح خيار التدخل العسكري الأكثر إثارة للجدل، حيث سبق ذلك إقرار رؤساء أركان جيوش دول المنظمة خطة “تدخل عسكري محتمل” في النيجر.
ويرى الصحفي المختص بالشؤون الإفريقية محفوظ ولد السالك، أنّه رغم وجود عوامل كابحة أو مؤطِّرة للعمل العسكري في النيجر، فإنّ الحالة في نيامي مماثلة لما وقع في سيراليون 1998 التي سبق لـ”إيكواس” أن تدخلت فيها، ذاهباً إلى أنّ احتمال التدخل العسكري “مرجَّح بقوة”.
وفي حديثه مع TRT عربي، يُرجع ولد السالك هذا الترجيح إلى ثلاثة عوامل رئيسية، يأتي على رأسها استنفاد الأُطر الدبلوماسية تقريباً، موضحاً أنّ “وفد (إيكواس) الأخير الذي ضمَّ ممثلين من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة، لم يُسمح له بدخول البلاد، وقبل ذلك لم تُتح لوفد آخر تابع لها إمكانية لقاء قائد الانقلاب، والرئيس المعزول محمد بازوم”.
وإلى جانب ما سبق، يرى ولد السالك أنّ مصداقية “إيكواس” باتت على المحكّ، بعد الانقلابات التي وقعت في مالي وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري.
ويعتقد أنّ الأطراف الدولية تدعم خيارات “إيكواس” في التدخل العسكري، لأنّ لديها قوات عسكرية في النيجر كما هو حال فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وإيطاليا.
وتختلف الآراء حول هذا التدخل من الخبراء الذين يرون أنّ أضراره ستكون أكبر من منافعه، وفي مقال تحليلي للدكتور بدر الشافعي، الخبير في الشؤون الإفريقية، أشار إلى مجموعة من العوامل تُرجّح عدم التدخل العسكري في النيجر.
وبالنظر إلى تجارب سابقة -وفق رأي الشافعي- فإنّ تدخلات الجماعة في ليبيريا وسيراليون أبرزت صعوبات متعلقة بالجانب التمويلي، حيث امتنعت الدول الرافضة للتدخل حينها عن دفع حصتها، فوقع العبء الأكبر على نيجيريا، لذا فإنّ ضعف عملية التمويل الذاتي “قد يفتح الباب أمام التمويل الخارجي” الذي تزيد أضراره على منافعه.
ويتكرر الخلاف السابق أيضاً هذه المرة، حيث يلاحظ الشافعي -في مقاله- وجود حالة من الانقسام داخل المنظمة بين دول مؤيدة ورافضة ودول لم تحدّد موقفها بعد، بل داخل كبرى دول المجموعة، وهي نيجيريا، هناك انقسام بين الرئيس بولا أحمد تينوبو، الداعم للتدخل، ومجلس الشيوخ الرافض لهذه الخطوة.
وإضافةً إلى ما سبق، يذهب الشافعي إلى أنّ التدخل العسكري لمنظمة “إيكواس” كقوة فرض سلام، يتطلب آلاف الجنود وأسلحة ومعدات ثقيلة، وهو ما لا يمكن إعداده في وقت يسير، في حين أنّ التدخل سيضع استمرارية المنظمة على المحكّ، حيث تهدد الدول المعارضة للتدخل بالانسحاب منها.
ما البديل؟
وبالتزامن مع التلويح العسكري لـ”إيكواس” والاجتماع الطارئ الذي استضافته العاصمة النيجيرية (أبوجا)، الخميس 10 أغسطس/آب الحالي، لبحث الانقلاب في النيجر، رأى رئيس غينيا بيساو، عمر سيسوكو إمبالو، أن الانقلاب “يهدّد كلياً وجود هذا التكتل الاقتصادي الإفريقي، نظراً لتعدد الانقلابات العسكرية في الدول الأعضاء في هذا التكتل منذ 2020”.
وأعلن المجلس العسكري في النيجر -عبر التلفزيون الرسمي- عن حكومة جديدة تضم 21 وزيراً، يقودها علي الأمين، في وقت أعرب فيه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، عن قلقه إزاء ظروف اعتقال الرئيس المخلوع محمد بازوم، الذي يعاني من العزلة التامة ولا يجد ما يحتاج إليه من الطعام والدواء، وفق تقارير.
ومع انتظار ما ستُسفر عنه قمة قادة “إيكواس”، وهي الثانية خلال أسبوع حول الأزمة في النيجر، تظل الأبواب مشرعة على كثير من الخيارات.
وبالعودة إلى محفوظ ولد السالك، فيرى أنّ هناك بدائل أخرى متاحة لـ”إيكواس” غير التدخل العسكري، مبيّناً أنّها تتمثل في “الدبلوماسية وتعزيزها من خلال البحث عن وسطاء جُدد حتى من خارج المنظمة، كما أنّ فرض مزيد من العقوبات الاقتصادية من شأنه أن يشكّل عامل ضغط كبير على الانقلابيين”.
ويشير الصحفي المختص بالشؤون الإفريقية إلى أنّه من الوارد كذلك أن تنصاع المجموعة للأمر الواقع “من خلال تسيير مرحلة انتقالية، وتنظيم انتخابات جديدة، من أجل عودة المدنيين إلى السلطة”.
وهو ما يوافقه فيه خبير الشؤون الأفريقية الدكتور بدر الشافعي، إذ يرى أنّ هناك احتمالاً لتمديد المهلة وإتاحة المجال للجهود الدبلوماسية في ظل ميل أمريكي إلى هذا الخيار وعدم جاهزية القوات للتدخل، وهو خيار سيُفقد المنظمة مصداقيتها “لا سيّما في ظل موجة التصعيد التي انتهجتها منذ بداية الأزمة”.
في حين يظل الاتفاق على فترة انتقالية لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خياراً قائماً، وهو اقتراع لن يُسمح لحزب الرئيس المعزول بازوم بالمشاركة فيه، وتنتهي هذه الفترة الممتدة لعام أو عامين برحيل الانقلابيين، كما حدث في مالي وبوركينا فاسو.
لكنَّ الإشكالية في هذا السيناريو مرتبطة بوفاء الانقلابيين بعهودهم -وفق الشافعي- “فقد حدث نكوص عن ذلك في حالة مالي تحديداً، وطالب العسكر بفترة انتقالية مدتها 5 سنوات، وليست 18 شهراً كما كان متفقاً عليه، ولم تقُم الجماعة بأي إجراءات تدخلية أخرى”.
* المصدر: موقع TRT عربي
* الماده نقلت حرفيا من المصدر