نهاية الوهابية في المملكة العربية السعودية
بقلم: نيكولاس بو
ترجمة: أسماء بجاش، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
في مقابلته مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان عن دور الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي كان يُنظر إليه على أنه شريك في قيام السعودية، ووصفه بأنه مجرّد “داعية فقط”، من ضمن دعاة عملوا برفقة السياسيين والعسكريين في الدولة السعودية الأولى. هل نتجه نحو نهاية الوهابية في المملكة العربية السعودية؟
“هذه ليست نهاية الوهابية، ولكن ربما نهاية الوهابية كدين للدولة السعودية، وربما شكل من أشكال علمنة المجتمع أتلانتيكو كل هذا يبدو معقداً في بلد يخيم عليها التيار الوهابي.
وعلى أي حال، لا الحكمة السياسية ولا الاحترام الأخلاقي يبرران مثل هذا التصريح الذي يرقى إلى مستوى الاستفزاز.
الوقت وحده هو الذي سوف يخبرنا ما إذا كان مثل هذا الموقف يمكن أن يسرع من تحول المملكة أو إذا كانت الحركة التي تم إنشاؤها والسعي إليها، من ناحية أخرى، تأخذ كل شيء في طريقها.
في تاريخ البشرية، القائمة طويلة من أولئك القادة، مثل ميكائيل جورباتشوف، والذين لم يتمكنوا من مقاومة الموجة التي بدأتها رغبتهم في تغيير بلدهم.
وهذه الممارسة تعتبر أكثر خطورة لأن الوهابية والمملكة لم ينفصلان منذ أكثر من 280 عاما.
رأت المملكة العربية السعودية الأولى النور لأول مرة في العام 1744 من خلال تحالف جمع بين الداعية محمد بن عبد الوهاب والزعيم القبلي الشيخ محمد بن سعود لمساعدة الأخير على تأسيس إمارة الدرعية، أول دولة سعودية.
كان الميثاق بسيطا، بالنسبة لرجال الدين مسؤولية سلوك الدين، ولزعيم القبلي مسؤولية إدارة الدولة.
تميز القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين بصراعات رهيبة داخل القبيلة.
يجب أن ننتظر عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، لتحقيق الاستقرار في السلطة.
عند وفاته في العام 1953، ترك العديد من الورثة المحتملين؛ ثم تم إنشاء توازن منهجي بين الأمراء.
لكل منها نصيبه من السلطة، قسم وزاري، شركة، قطاع استيراد… ؛ تقاسم الثروة الوطنية حيث يستفيد الجميع.
عندما تم تتويج الملك سلمان، ذو 79 عاماً، في العام 2015، شكك في هذا التقليد، ونظم تركيزاً للسلطة من خلال تفضيل الأسرة المباشرة على العشيرة، حيث اختار ابن أخيه محمد بن نايف ولياً للعهد وابنه المفضل محمد ولياً لولي العهد، ولكن في 23 يونيو 2017، أقال محمد بن نايف من منصبه.
قبل ثلاث سنوات، أي في العام 2020، تم القبض على شقيق الملك أحمد بن عبد العزيز آل سعود وابن شقيق الملك، الذي كان لا يزال يشغل منصب ولي العهد حتى يونيو 2017، محمد بن نايف، وأفراد آخرين من العائلة المالكة، على أساس أو بحجة أنهم كانوا يخططون لهجوم على الأمير محمد بن سلمان؛ أعقبت ثورة القصر هذه، التعديل الوزاري في 25 فبراير 2020، بإقالة وزير الاقتصاد وإنشاء ثلاث وزارات: السياحة والرياضة والاستثمار.
ولتعزيز وتأسيس سلطته، نفذ الأمير محمد بن سلمان حملة قمعاً عنيفا ضد جميع الأصوات المعارضة، مثل صوت الصحفي الأمريكي السعودي المعارض جمال أحمد خاشقجي الذي تعرض لعملية اغتيال مروعة في القنصلية السعودية بمدينة إسطنبول التركية مطلع أكتوبر من العام 2018.
تم التشكيك في كل حالة أو امتياز أو احتكار.
بعد العائلة المالكة، العشيرة، رجال الدين؟ قد يكون التشكيك في اتفاقية العام 1744 أقرب إلى فتح صندوق باندورا*1!
ما الذي سوف يحل محل الوهابية في ظل قيادة الأمير وولي العهد محمد بن سلمان من حيث الرؤية العالمية للمجتمع ومستقبله؟
تكمن الصعوبة الكاملة للمجتمع السعودي في هذا السؤال، يمكن الطعن في الوهابية كدين للدولة، ولكن من الصعب تصور استبدالها بشكل آخر من الإسلام السني.
يبدو أن الأمير محمد بن سلمان يقترح الحداثة من أجل الحداثة في إطار اقتصاد السوق بقيادة الملك، الذي يمتلك أيضاً الثروة الرئيسية للبلد؛ نظام استبدادي مع تنظيم مجتمعي يترك بعض درجات الحرية للفرد والرجل والمرأة، دون التحرك نحو ديمقراطية ليبرالية.
يمكن أن يؤدي التطور المجتمعي القسري إلى اضطرابات سياسية، لمدة ست سنوات، كان الصراع على السلطة في مكة بلا رحمة.
ألم يكن من الأكثر مهارة الاعتماد على الوهابية للنهوض بالمجتمع من خلال تجنب الانقلاب على مجموعات معينة وخاصة رجال الدين.
كان مؤسس الوهابية، محمد بن عبد الوهاب، في عصره، بمثابة مصلحاً أو حتى ثورياً، مثل جان كالفن*2 ولوثر*3 مع الكاثوليكية، دعا إلى شكل من أشكال الأصالة مع الاحترام أو الالتزام الصارم للشريعة الإسلامية وكذلك العودة إلى القرآن وأدب الحديث بدلاً من الاعتماد على تفسيرات العصور الوسطى.
على الرغم من تميزه بتطرف عقيدته وعنف أتباعه، فقد تميز ابن عبد الوهاب أيضاً بما يلي:
– الإصرار على أن يقرأ كل مسلم، ذكرا كان أم أنثى، القرآن ويدرسه شخصيا.
– معارضة التقيد الأعمى.
– لم يتردد في مساواة الممارسات الدينية الشعبية المتنازع عليها بسهولة، مثل زيارة الأضرحة والمقابر المبجلة للأولياء المسلمين، للبدعة وحتى الوثنية.
– الدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي في المجتمع على أساس العقيدة الأساسية المتمثلة في وحدانية الله أو التوحيد.
من خلال الاعتماد على عناصر معينة من الوهابية، كان من الأسهل ربط الحلفاء، وخاصة رجال الدين، وتحفيز القوى الحية للأمة في عملية تحول إيجابية.
إلى أي مدى تحولت المملكة العربية السعودية بالفعل تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان ؟
في الوقت الحالي، يأتي النجاح من التحولات المجتمعية، يحاول الأمير محمد بن سلمان إدخال بلده في القرن الحادي والعشرين، لا سيما من خلال منح حقوق جديدة للمرأة السعودية (أكثرها رمزاً ووضوحاً هو القدرة على قيادة السيارات)، أو من خلال استضافة «باريس داكار»، من خلال فتح البلد أمام السياحة، وجذب النجوم العالميين…
يؤدي هذا، بحكم التعريف، إلى توترات مع رجال الدين وأحفاد آل الشيخ أحفاد الواعظ.
بسطت هذه العائلة الدينية السعودية الرئيسية سيطرتها على العلماء تاريخياً وهيمنت على مؤسسات رجال الدين.
تحتل المملكة العربية السعودية المرتبة الثالثة عشر على مستوى العالم من حيث المساحة، حيث تبلغ مساحتها أكثر من 2200000 كم ².
وبالرغم من مساحتها الشاسعة إلا أن المملكة العربية السعودية تعتبر بلداً منخفض الكثافة السكانية بصورة كبيرة، حيث يبلغ عدد سكانها أقل من 35 مليون نسمة، ومع ذلك، فهي مليئة بالموارد بما في ذلك النفط.
يسعى الأمير محمد بن سلمان من خلال «رؤية 2030» إلى تقليل اعتماد المملكة على النفط وتنويع أنشطتها الاقتصادية.
لقد أجرى العديد من الإصلاحات وروج لبرامج رائعة، وشكك في بعض الإعانات، والإعفاءات الضريبية، وإدخال ضريبة القيمة المضافة.
كما عمل على تحرير العديد من القطاعات الاقتصادية، وتعبئة الموارد على التكنولوجيا الرقمية والعالية، وبناء أذكى مدينة في العالم…
تم التشكيك في أركان المملكة بينما يجب أن تواجه إخفاقات مريرة على الصعيد الدولي: لبنان، خاشقجي، سوريا واليمن …قبل خفض العلم- مصطلح يشير إلى الاعتراف بالهزيمة – وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام الإيراني:
دعونا نعود بذاكرة إلى الأحداث التي شهدتها المنطقة في نوفمبر 2017 عندما دبر الملك المبتدئ محمد بن سلمان الاستقالة القسرية لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري واختطافه في العاصمة السعودية الرياض: انقلاب القوة الذي تحول إلى إخفاق!
عملية القتل المروع لصحفي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 في مقر القنصلية السعودية في تركيا.
بعد ثماني سنوات من الحرب على اليمن وما يقرب من 500 ألف قتيل، ينهي السعوديون تدخلهم العسكري في الجار الجنوبي لهم.
قاد ولي العهد المتهور، الأمير محمد بن سلمان، المملكة إلى طريق مسدود في اليمن، كما فعل في سوريا بمحاولاتها الفاشلة للتأثير.
وعلى الرغم من شراء معدات بمليارات الدولارات بمختلف الأنواع، فإن الجيش السعودي غير قادر على الدفاع عن بلده، ولا فرض نفسه على الجيران، دون إخفاء جرائم الحرب المرتكبة في اليمن.
اعترف الأمير محمد بن سلمان مؤخراً بإخفاقاته ضد إيران من خلال التوقيع على الاتفاق التاريخي معها، بوساطة صينية، والذي نص على تجديد العلاقات مع جارتها الشيعية الكبرى، متناسياً الهجمات التي استهدفت منشآتها النفطية من قبل الطائرات بدون طيار الإيرانية.
لموازنة هذا التحالف غير الطبيعي، يسعى الأمير محمد بن سلمان إلى التقرب من دولة إسرائيل من خلال الولايات المتحدة الأمريكية، لكن هذه الخطوة معقدة ويجب أن تقوم بما يلي:
– إغفال الطرف عن وعد الرئيس الأمريكي خلال حملته الانتخابية في العام 2020 بجعل المملكة العربية السعودية دولة منبوذة بعد عملية اغتيال خاشقجي.
– التخلي عن مبادرة السلام العربي الصهيوني التي تبناه الملك عبد الله بن عبد العزيز والتي رأت النور في العام 2002 من خلال القمة العربية في بيروت؛ والتي تقوم على أساس إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دولياً على حدود العام 1967 وعودة اللاجئين والانسحاب من هضبة الجولان المحتلة، مقابل اعتراف وتطبيع العلاقات بين الدول العربية مع كيان إسرائيل.
هذه القائمة من الإخفاقات الدولية ليست شاملة، دعونا لا ننسى محاولات عزل وحصار قطر، أو المبادرات الرامية إلى تحدي سيادة الدولار.
ما الذي يمكن توقعه لمستقبل المملكة؟
سنواته السبع الأولى في منصب ولي العهد بالكاد تكون حاسمة، لقد كشفت عن نقاط الضعف الهيكلية في المملكة، وهذا يمكن أن يؤثر سلباً.
هل يمكننا استبعاد أن إيران، بعد أن وقعت اتفاقية مع الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد تطوير السلاح النووي، تسعى للاستيلاء على الثروة السعودية؟
الأمير محمد بن سلمان يجلس على جبل من الذهب الأسود، لكنه سوف يواجه مشكلة في جعل بلده قوة بسبب الافتقار إلى رأس مال بشري كبير.
هذا يؤدي إلى تسليح المملكة العربية السعودية، وتسليح نفسها بشكل مفرط…
السعودية هي واحدة من أكبر مشتري الأسلحة في العالم؛ فهي تمثل أكثر من 5٪ من الإنفاق العالمي، أكثر من روسيا لنتيجة منخفضة جداً أو معدومة.
لم يكن هناك رد فعل سعودي! وأظهر ذلك أنه على الرغم من عدد جيشها البالغ 230 ألف جندي، ومجموعاتها من الدبابات والمكونة من 760، والطائرات المقاتلة البالغ عددها 440 طائرة وطائرات الهليكوبتر 220، فإن المملكة السعودية غير قادرة على الدفاع عن نفسها…
- موقع ” موند فريك” الفرنسي الاستقصائي
- المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع