بقلم إميل بوفييه
ترجمة: اسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”

 

في العام 2020، حلت الصين محل الاتحاد الأوروبي كأكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي.

وفي نفس العام، تجاوزت قيمة تجارتها مع المملكة العربية السعودية قيمة تجارة الولايات المتحدة وأوروبا مجتمعتين.

وبينما أقامت بكين شراكات استراتيجية مع اثنتي عشرة دولة في منطقة الشرق الأوسط تمكنت، في مارس الماضي، من تحقيق الإنجاز المتمثل في توقيع الخصمين السعودي والإيراني اتفاقية تاريخية لإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما.

في الواقع، مع تقليص الولايات المتحدة الأمريكية لمشاركتها الأمنية وفقدان نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، تعمل الصين جاهدة على تعزيز بصمتها الدبلوماسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة.

بينما يقوم عدد متزايد من دول المنطقة بمواءمة مصالحها مع مصالح الصين لأسباب اقتصادية، تميل الإدارات الأمريكية المختلفة إلى تقديم هذا التطور باعتباره انعكاساً لطموحات الصين المهيمنة في جميع أنحاء العالم.

ومع ذلك، فإن الواقع على الأرض يشير إلى عكس ذلك ويفسر الحماس الذي لا جدال فيه لبلدان منطقة الشرق الأوسط لاستثمار بكين الملحوظ بشكل متزايد في المنطقة.

في الواقع، كان الوجود الصيني في الشرق الأوسط في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين مجزأ فقط واستند، في الغالب، إلى اهتمام بكين بالموارد النفطية لبلدان المنطقة.

منذ أوائل العام 2010، توسعت البصمة الاقتصادية والدبلوماسية للصين وبدأت نمواً هائلاً ومتزايداً، مع استثمار الصين في المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية.

هذا التوسع هو نتيجة للدبلوماسية الاستباقية من جانب كل من القادة الصينيين والشرق أوسطيين والذي أسفر عن توقيع العديد من الشراكات الاستراتيجية العالمية على مدى العشر السنوات الماضية، وفتح الأبواب أمام الاستثمار الصيني الضخم.

وقد تجسد هذا الأخير بشكل خاص من خلال بناء البنى التحتية الرئيسية للموانئ والسكك الحديدية والأراضي، والتي أقيمت كجزء من المشروع العملاق لطريق الحرير الجديد، والذي سوف يحتفل في سبتمبر المقبل بالذكرى السنوية العشرة لتأسيسه.

في الغالب ما يخضع موضع النقاش أو الخيال، ولا يزال توسيع النفوذ الصيني في جميع أنحاء العالم ومنطقة الشرق الأوسط واضحاً.

وبالتالي تهدف هذه المادة إلى وضع جرد دقيق للحالة، سواء من حيث زيادة نفوذها الدبلوماسي أو من حيث الوجود العسكري والنفوذ الاقتصادي.

سيتم تحليل «دبلوماسية الشراكة» (من خلال الجزء الأول) التي طورتها الصين في المنطقة من البداية من خلال تسليط الضوء على الاستثمار الدبلوماسي التقدمي لبكين من خلال سياسة الشراكة الخاصة بها.

وسوف يتم بعد ذلك دراسة التنفيذ الأمني لهذه السياسة والوجود العسكري المتزايد القوة للصين في المنطقة (من خلال الجزء الثاني).

أخيراً، سوف يتم دراسة الوجود الاقتصادي المتزايد والقوي لبكين في منطقة الشرق الأوسط من خلال حجم تجارتها ومشاريع البنية التحتية الطموحة لـ «طريق الحرير الجديد» (من خلال الجزء الثالث).

الجزء الأول دبلوماسية الشراكة

بينما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية تحول تركيزها عن منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فقد أثبتت الصين نفسها تدريجياً كلاعب رئيسي في المنطقة، حيث أعادت تشكيل الديناميكيات الإقليمية من خلال زيادة المشاركة الدبلوماسية المتزايدة.

وهكذا كان وجود بكين في البداية متحفظاً من خلال إنشاء منتديات إقليمية صينية (1) قبل أن تنسج، بالتزامن مع صعودها ولكن أيضاً لتغذيتها، شبكة واسعة من الشركاء الاستراتيجيين (2).

أولا – الحضور السري في البداية من خلال المنتديات الإقليمية

منذ بداية القرن الحادي والعشرين، تعمل الصين على بناء شبكة واسعة من الشركاء في جميع أنحاء العالم.

الشرق الأوسط ليس بأي حال من الأحوال استثناء، على العكس من ذلك تماماً: لا توجد تقريباً أي دولة أو منظمة دولية في المنطقة لديها علاقات مع بيكين لا تحكمها شراكة رسمية.

منذ العشر السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين، بدأت بكين في زيادة وجودها في المنطقة من خلال آليتين:

– منتدى التعاون الصيني – الأفريقي، الذي يجتمع كل ثلاث سنوات منذ إنشائه في العام 2000 ويضم جميع دول شمال أفريقيا.

– منتدى التعاون الصيني – العربي، الذي يجتمع كل سنتين منذ إنشائه في العام 2004 ويضم جميع بلدان جامعة الدول العربية.

ركز منتدى التعاون الصيني – العربي بشكل أكبر على الصراعات الإقليمية، وخاصة التوترات العربية مع الكيان الإسرائيلي، على الرغم من أن المناقشات ركزت كذلك على الصراعات في العراق وليبيا والصومال والسودان وسوريا واليمن.

كان أحد الأهداف الرئيسية لبيكين في تيسير وتسهيل هذه المنتديات هو إدخال معاييرها السياسية إلى بلدان المنطقة.

وقد أكدت الصين مرارا وتكرارا، في مختلف مؤتمرات القمم منتدى التعاون الصيني الأفريقي ومنتدى التعاون الصيني – العربي على ]«المبادئ الخمسة للتعايش السلمي» و«التعاون فيما بين بلدان الجنوب»] وفقا لمعاييرها، والاستفادة من كل اجتماع من هذه الاجتماعات لتعزيز الدعم المقدم لسياسات محددة في الداخل والخارج، ولا سيما معاملتها للأويغور في إقليم شينجيانغ، وموقفها من تايوان، أو مشروع «طريق الحرير الجديد»، الذي سوف يعرض في الجزء الثالث من هذه المادة.

وعلى مدار صعودها الاقتصادي والجيوسياسي، عملت الصين على تطوير شبكة واسعة من «الشراكات الاستراتيجية»، وفقاً للمصطلحات المستخدمة، والتي تعمل على تغذية هذا الصعود في السلطة داخل منطقة الشرق الأوسط.

ثانيا – الشراكة الاستراتيجية، حجر الزاوية في الوجود الدبلوماسي للصين في منطقة الشرق الأوسط:

إن الشراكات الثنائية بين الصين وبلدان منطقة الشرق الأوسط أساسية لا مفر منها وتكاد تكون موجودة في كل مكان، على سبيل المثال:

وقعت بكين مع تركيا في العام 2010 على إقامة علاقات تعاونية استراتيجية؛ كما وقعت مع الجزائر، قطر، مصر، المغرب في العام 2014.

الأردن والعراق والسودان في العام 2015؛ المملكة العربية السعودية وإيران في العام 2016.

الكيان الإسرائيل وجيبوتي في العام 2017 والإمارات العربية المتحدة وعمان والكويت في العام 2018.

واستنادا إلى نوعية العلاقات التجارية والدبلوماسية وإمكانات التعاون بين هذه البلدان والصين، أنشأت الصين مستويين رئيسيين من الشراكة، يتألف الأول من تعاون واسع النطاق بشكل خاص والثاني من التعاون الكبير والمتزايد: والشراكة الاستراتيجية الشاملة (التي أُقيمت مع الإمارات العربية المتحدة وإيران والجزائر ومصر والمملكة العربية السعودية) والشراكة الاستراتيجية (مع المغرب وتركيا والعراق والأردن والكويت وعمان وجيبوتي وقطر).

كما أقامت الصين شراكات مع المنظمات الدولية في منطقة الشرق الأوسط أو بما في ذلك بلدان المنطقة، مثل جامعة الدول العربية، والاتحاد الأفريقي، ومجلس التعاون الخليجي، واتحاد المغرب العربي، ومنظمة التعاون الإسلامي.

وهكذا أقامت جامعة الدول العربية والصين، على سبيل المثال، شراكة استراتيجية في العام 2018، بينما يتم التودد تدريجياً إلى منظمات أخرى، مثل مجلس التعاون الخليجي، الذي تقيم الصين معه بالفعل «حوار استراتيجي».

وكدليل على تكثيف هذا الهجوم الدبلوماسي الصيني، نظمت بكين «القمة الصينية العربية» الأولى في 10 ديسمبر 2022، بعد أسابيع قليلة من تنظيمها – في أكتوبر 2022 – أول قمة «بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي»، ألقى خلالها الرئيس الصيني شي جين بينغ خطاباً دعا فيه إلى «البناء على الإنجازات السابقة لخلق مستقبل أفضل للعلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي بشكل مشترك».

وبشكل ملموس، ما الذي تفعله هذه الشراكات الاستراتيجية، سواء كانت عالمية أم لا؟

أولاً، إنها تحمل في طياتها وعداً بتعاون اقتصادي أفضل (كما سوف نرى في الجزء الثاني من هذه المقال)، والذي يمكن أن يصل إلى حد اتفاقيات التجارة الحرة مثل تلك التي يجري التفاوض عليها حالياً بين بكين ودول مجلس التعاون الخليجي.

ثانياً، يدعم هذا التعاون الاقتصادي الأفضل إحساناً سياسياً متبادلًا أكبر يمكن أن يسمح بمناقشات مثل تلك التي أدت إلى توقيع اتفاق إعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض في مارس الماضي، أو حتى قبول أفضل للقوة الناعمة الصينية، التي تحملها المتجهات مثل معاهد كونفوشيوس*2.

أثبتت استراتيجية تحسين صورة الصين نجاحها بشكل خاص في المنطقة: أظهر استطلاع أجري في العام 2023 استهدف 45000 شاب تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عاماً يعيشون في الشرق الأوسط، أن 80٪ من المستجيبين يعتبرون الصين حليفاً لبلدهم مقابل 72٪ للولايات المتحدة الأمريكية.

كما أظهر استطلاع آخر أجري في العام 2022 أن غالبية الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع لكل دولة في منطقة الشرق الأوسط رأوا أن الولايات المتحدة الأمريكية قوة اقتصادية أكثر تهديداً من الصين.

53٪ من العراقيين يعتبرون على سبيل المثال الولايات المتحدة قوة اقتصادية مهددة و28٪ يعتقدون نفس الشيء عن في الصين.

تتيح سياسة الشراكة هذه، سواء كانت ثنائية أو متعددة الأطراف، للصين اجتذاب عدد متزايد من البلدان المستعدة والراغبة في تعزيز علاقاتها معها.

وبالتالي، فإن زخم اهتمام بلدان منطقة الشرق الأوسط لمجموعة البريكس*3 يبدو على الأقل مثيرا للأحداث الماضية التي جرت في هذا الصدد، سبق وأن سلط موقع ” مفاتيح الشرق الأوسط- “les cles du moyen orient الضوء على هذا الملف من خلال المقال المعنون باسم: “توسع مجموعة البريكس في الشرق الأوسط، هو أحد أعراض حقبة جيوسياسية جديدة في المنطقة. مجموعة البريكس، هي بديل مغري للنظام الدولي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة وحلفاؤها والمكون من جزئين”، فضلا عن النداء الملحوظ الذي وجهته بلدان المنطقة إلى منظمة شنغهاي للتعاون:

بعد تركيا، التي لمحت منذ عدة سنوات رغبتها في الانضمام إلى هذه المنظمة، جسدت إيران تصريحاتها من خلال إضفاء الطابع الرسمي، في مؤتمر القمة الثالث والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون في نيودلهي الذي عقد في 4 يوليو، على اندماجها في المنظمة، وهو إجراء بدأ منذ عدة سنوات.

وأخيرا، كثيرا ما تشمل هذه الشراكات تحسين التعاون العسكري بصورة أفضل، حيث انتهجت بكين نهجاً محايداً نسبيا مع جميع بلدان المنطقة، على النقيض من القوى الاستعمارية السابقة/ الأوروبية أو القوى المتدخلة مثل الولايات المتحدة الأمريكية؛ وسوف يكون هذا هو موضوع الجزء الثاني من هذا المقال.

  • موقع “لوكليه دو موين اغيونت – les cles du moyen orient” الفرنسي
  • المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر و بالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع