السياسية:

توجهات جديدة تبنّتها السياسة الخارجية الجزائرية، قوامها التعاون وتنويع الشراكات، انطلاقاً من مقاربتها البراغماتية وقراءتها الواقعية لمتغيرات المشهد الدولي.

فكانت الزيارة التي قام بها الرئيس عبد المجيد تبون إلى موسكو، ليتبعها بزيارته إلى بكين والتي اكتسبت أهمية كبيرة، لاعتبارات تاريخية وسياسية واقتصادية.

وهذه هي الزيارة الأولى التي يقوم بها الرئيس الجزائري بعد توليه منصبه في 19 كانون الأول/ديسمبر 2019.

وتأتي تزامناً مع الذكرى الـ 65 لإنشاء العلاقات الجزائرية-الصينية، والذكرى الـ 60 لإرسال أول بعثة طبية صينية إلى الجزائر، والذكرى الـ 52 لاستعادة الصين مقعدها الشرعي في الأمم المتحدة، والذكرى التاسعة لإقامة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين.

وقبل هذه الزيارة، كان الرئيس تبون قد زار كلاً من إيطاليا والبرتغال ليؤكد أهمية العلاقات بين بلاده والغرب، خاصة أن الجزائر باتت مصدراً هاماً للطاقة لعدد من الدول الغربية لا سيما إيطاليا.

ومن المنتظر أن يقوم تبون في قادم الأيام بزيارة إلى الهند، رغم حساسية العلاقات بين الهند والصين.

لقد باتت دول عدة ومنها الجزائر، تسعى لتنويع شراكاتها والابتعاد عن سياسة المحاور والأحلاف، وهي سياسة لا تستطيع أي دولة القيام بها إلا إذا كانت تتمتع بقدر كبير من الاستقلالية في قرارها السياسي.

الجزائر وبكين.. علاقات من نوع آخر
العلاقات الصينية – الجزائرية تاريخية ومتجذرة، لعبت المبادئ والقيم، ومعاداة الاستعمار دوراً كبيراً في رسم ملامحها.

تاريخية العلاقات بين البلدين لا تعني مجرد ذكريات، بل هي علاقات استراتيجية ربطت بين دولتين كان لهما تاريخ متشابه إلى حد كبير، وخاصة في تضحياتهما ومقاومتهما للاستعمار.

يتشارك البلدان رؤية سياسية تحدد موقفهما من النظام الدولي القائم، عمادها السعي لتغييره باعتباره نظاماً لا يعبّر عن رؤيتيهما وتطلعاتهما، خاصة وأن أسسه ومبادئه وضعت حين كانت الجزائر ترضخ لسيطرة الاستعمار الفرنسي، فيما كانت جمهورية الصين الشعبية لم تتأسس بعد.

لقد تشارك البلدان المعاناة ذاتها، المتمثلة في مقاومة الاستعمار وتقديم التضحيات الكبيرة في سبيل التحرر وتأسيس الدولة الوطنية، وتقديس السيادة التي عمّدت بدماء الشهداء.

التاريخ النضالي المشرف للشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي لم يكن مثالاً وفخراً للشعوب العربية فقط، بل ولجميع شعوب العالم التي رزحت تحت وطأة الاستعمار وعانت من ويلاته.

ولم يكن الثمن الكبير الذي قدمه بلد المليون ونصف المليون شهيد، أقل مما قدمه الشعب الصيني خلال تاريخه الطويل في سعيه لمواجهة الاحتلال البريطاني الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق الشعب الصيني، وحوّل الغالبية منه إلى مدمنين على المخدرات عبر حرب الأفيون الشهيرة، التي كانت وما زالت وصمة عار في تاريخ من يدّعون الإنسانية والحرية وغيرها من الشعارات الفارغة.

التاريخ النضالي لكلا البلدين جعلهما يبنيان علاقات راسخة، ذات طابع خاص ومختلف عن أي علاقة بين دولتين. فكانت الصين أول دولة غير عربية تعترف بهيئة التحرير الجزائرية وتقدم المساعدات لها، وتدعمها في سعيها للتحرر من الاستعمار في خمسينيات القرن الماضي.

وبعد الاستقلال، بادرت بكين إلى تقديم القروض الميسرة لمساعدة الجزائر على تأسيس دولتها الوطنية. كما قامت بإرسال 3400 طبيب صيني لمساعدة الشعب الجزائري في فترة ما بعد الاستقلال.

أما الجزائر فقد دعمت الصين في استعادة مقعدها في الأمم المتحدة في العام 1971، واستمرت في سياستها الواضحة تجاه الاعتراف بصين واحدة وعدم إقامة علاقات مع تايوان.

ومنذ العام 1988 بدأت الصين بتنفيذ برنامج نووي سلمي في الجزائر اسمه “السلام”، وهو ما أثار حفيظة باريس وواشنطن.

ورغم الظروف الصعبة التي عاشتها الجزائر في عشريتها السوداء 1922 – 2002، والتي جعلت دولاً عدة تقوم بإجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية من الجزائر، فقد استمرت الصين في وجودها ومساعدتها للجزائر في تنفيذ العديد من المشاريع التي تحتاجها.

العلاقات بين البلدين ومتغيرات المشهد الدولي
يتشارك البلدان وجهات نظر متشابهة حول العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

إذ يتطلع الجانبان إلى تقديم مساهمات أكبر في تعزيز الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، والذي يصعب تحقيقه من دون إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية.

كما يلتزم الطرفان بحزم بمقاصد ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه، ويدعمان ويمارسان التعددية، ويعارضان الأحادية والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

كما تؤكد الحكومة الجزائرية دائماً تمسكها بسياسة صين واحدة وتعارض أي شكل من أشكال “استقلال تايوان”. ومن جانبها، تؤكد الحكومة الصينية دعمها لسيادة الجزائر ووحدة أراضيها.

وعلى الرغم من كل القراءات التي ترى في أن البراغماتية والمنفعة هما المحدد الرئيس للسياسة الخارجية الصينية، فإن التعاطي الصيني مع القضايا العربية يشذ وبشكل كبير عن تلك القاعدة.

فما زالت المبادئ تحكم تعاطي بكين مع العديد من القضايا، مثل القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في بناء دولته المستقلة، وكذلك الموقف الصيني من الحرب في سوريا والذي ابتعد بكل تأكيد عن حسابات الربح والخسارة، لجهة تأكيد سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

الفلسفة السياسية في التعاطي الصيني مع دول العالم تحظى بقبول كبير لدى غالبية الدول، كون بكين لا تفرض شروطاً سياسية على أحد، ولا تمنع أي دولة من البحث عن مصالحها.

وفي العام 2014، رفع البلدان مستوى العلاقات بينهما إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة، لتصبح الجزائر أول دولة عربية تعقد مثل هذه الشراكة مع الصين.

وخلال هذه الزيارة سعت الجزائر إلى نقل تلك الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين البلدين إلى حيز التطبيق الفعلي.

الجزائر تختلف عن باقي الدول الأفريقية في تعاطيها مع بكين، فهي ليست بحاجة إلى الاقتراض أو بيع بعض أصول الدولة، وأكثر ما يمكن أن تلجأ إليه منح بعض الاستثمارات، أو نسبة منها للشركات الصينية.

وعلى الصعيد السياسي تسعى الجزائر إلى الانضمام إلى منظمة “البريكس”، خاصة وأنها تمتلك العديد من المؤهلات والإمكانيات التي تسمح لها بالانضمام إلى هذه المجموعة، ومنها موقعها داخل أفريقيا وإمكانياتها الاقتصادية، واحتواؤها على الكثير من الموارد، وفي مقدمتها النفط والغاز والحديد والليثيوم…إلخ.

كذلك تتمتع الجزائر بفاعلية إقليمية ودولية كبيرة، فهي الرئيس السابق للقمة العربية وعضو غير دائم في مجلس الأمن، وتتمتع بالعضوية في العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية.

انضمام الجزائر إلى “البريكس” هو “طموح استراتيجي”، إذ يسمح لها بالاستفادة من دعم المجموعة، خاصة وأن هذه المجموعة تدافع عن القيم نفسها التي تطمح إليها الجزائر، ولا سيما الحفاظ على سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

كما أن الانضمام إلى هذه المجموعة سيسمح للجزائر بولوج أسواق الدول الأعضاء، وتطوير البنى التحتية، وتسهيل إنجاز المشاريع الكبرى الخاصة باستغلال الموارد المنجمية، لا سيما مع الصين.

وكانت الجزائر قد تقدمت بطلبها للانضمام في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، لكن التنافس كبير إذ ثمة طلبات مقدمة من 20 دولة، منها: السعودية والإمارات ومصر ونيجيريا وإثيوبيا والسنغال.

الصين تدعم انضمام الجزائر، وفقاً لتصريحات السفير الصيني في الجزائر حين لقائه وزير الخارجية الجزائري في آذار/مارس الماضي.

وبذلك، تكون الجزائر قد ضمنت دعم أهم دولتين في المجموعة وهما الصين وروسيا، وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد صرح “أن الجزائر بمؤهلاتها هي المنافس الرئيسي”.

وبما أن الانضمام إلى “البريكس” يتوقف على حجم اقتصاد الدولة وتنوعه، وانفتاحه على الأسواق الدولية، وحجم الصادرات، ونسبة النمو السكاني والمساحة الجغرافية، إضافة إلى استقلالية القرار السياسي، فقد سعت الجزائر إلى تحقيق تلك الشروط التي يبدو أنه من الصعب توافرها في دولة أخرى.

وخلال زيارة الرئيس تبون اتفقت الصين والجزائر على تعزيز التعاون بينهما في عدد من المجالات، بينها الأمن والدفاع الوطني، ووقع البلدان 19 اتفاقية ومذكرة تفاهم بين البلدين.

وتشمل الاتفاقيات والمذكرات الموقعة بين البلدين قطاعات كالنقل بالسكك الحديدية وتحويل التكنولوجيا، والتعاون الفلاحي والاتصالات، فضلاً عن الرياضة والاستثمار والتعاون التجاري.

كما شملت مجالات الداخلية والتهيئة العمرانية والبحث العلمي والقضاء والتنمية الاجتماعية والطاقات المتجددة والهيدروجين، وقطاعات أخرى.

كذلك اتفق البلدان على دعم المصالح الأساسية المشتركة، والحفاظ على سيادتهما وسلامة أراضيهما، وفقاً لبيان مشترك أصدرته وزارة الخارجية الصينية.

واتفق البلدان على العمل معاً لمحاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة داخل حدودهما، ودعم الدول الأخرى مثل الصومال والسودان في جهودهما الأمنية.

خاصة وأن الجزائر لديها خبرة طويلة في هذا الإطار، وأن المصالح الاقتصادية لبكين قد تعرضت لخسائر كبيرة نتيجة للاضطرابات الأمنية في تلك الدول.

* المصدر: موقع الميادين
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر عن رأي الموقع