الأهداف الاقتصادية للرئيس الإيراني خلال زيارته للقارة السوداء
السياسية – وكالات :
على الرغم من أن الصراع الطويل مع الاستعمار وإرثه المشؤوم، ترك التخلف في العديد من البلدان الأفريقية، ومع ذلك فإن وجود مؤشرات مثل المدى الجغرافي والنمو السريع للسكان وامتلاك الموارد الطبيعية البكر، جعل هذه القارة لا تزال تحافظ على جاذبيتها، وهناك منافسة واسعة بين القوى الدولية لتطوير الوجود والنفوذ في القارة السوداء.
تعدّ إفريقيا من أهم مناطق العالم، حيث رحبت الدول المضطهدة برسالة مناهضة الغطرسة وطلب الاستقلال والعدالة بعد انتصار الثورة الإيرانية، وفي الواقع كانت القارة السوداء بيئةً مواتيةً لتوسيع العلاقات الخارجية وتعزيز نفوذ إيران الناعم على مدى العقود الأربعة الماضية، ومع ذلك فإن الخطوات التي اتخذت للتواجد في أفريقيا لم تكن بأي حال من الأحوال مساويةً للقدرات الحالية لتعزيز العلاقات بشكل شامل مع هذه القارة، ولا سيما في المجال الاقتصادي.
وفي هذه الظروف، تسعى الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة، التي وضعت استراتيجية توسيع التفاعلات الاقتصادية مع العالم على رأس أولويات سياستها الخارجية، بعد رحلات عديدة إلى الدول المجاورة وأمريكا اللاتينية، الآن إلى متابعة هذه الاستراتيجية وتعزيزها في القارة السوداء.
وفي هذا الصدد، ومن أجل تعزيز العلاقات مع دول الجوار وتنويع وجهات التصدير وخلق مجالات للتعاون السياسي والتجاري، من المقرر أن يغادر إبراهيم رئيسي في رحلة تستغرق ثلاثة أيام إلى هذه الدول الثلاث يوم الأربعاء، تلبيةً لدعوة رسمية من رؤساء كينيا وأوغندا وزيمبابوي.
هذه هي الزيارة الأولى لرئيس إيراني إلى إفريقيا بعد 11 عامًا، والتي تهدف إلى زيادة وجود إيران في الاقتصاد الأفريقي الذي تبلغ قيمته تريليون دولار.
وقال بهادري جهرمي، المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، عن أهداف هذه الجولة: “الهدف الرئيسي من هذه الرحلة هو تحسين العلاقات مع الدول الصديقة والمتوافقة، وتطوير سوق المنتجات القائمة على المعرفة، والتعاون في إنشاء وتطوير مراكز التكنولوجيا والابتكار المشتركة، وتصدير الخدمات الفنية والهندسية والزراعية والطبية، وبشكل عام تنويع وجهات التصدير الإيرانية. وعلى الرغم من أن حجم تجارة إيران الخارجية مع القارة الأفريقية قفز بنسبة 100٪ مقارنةً بعام 2019، إلا أنه ليس كافيًا بأي حال من الأحوال، ويجب أن تزيد علاقاتنا الاقتصادية بما يتناسب مع سوق القارة الأفريقية”.
الاستقبال الرسمي من الرئيس الإيراني، والاجتماع الثنائي للرئيسين، وعقد اجتماعات مشتركة لوفود رفيعة المستوى من الجانبين، وتوقيع وثائق التعاون، وشرح نتائج المشاورات الرسمية في مؤتمر صحفي مشترك، جزء من جدول أعمال الرئيس الإيراني في زيارة كينيا وأوغندا وزيمبابوي.
الأهمية الاقتصادية للدول المضيفة لرئيس إيران
الدول الثلاث التي سيزورها رئيسي تقع في جنوب وشرق إفريقيا، وهي مهمة جدًا من الناحية الجيوسياسية والاقتصادية.
كينيا بلد متوسط الدخل، وتخطط لأن تصبح دولةً صناعيةً ناشئةً بحلول عام 2030. وتشمل الصناعات الرئيسية في هذا البلد، الزراعة والغابات وصيد الأسماك والتعدين والتصنيع والطاقة والسياحة والخدمات المالية. واعتبارًا من عام 2020، كان لدى كينيا ثالث أكبر اقتصاد في إفريقيا جنوب الصحراء، بعد نيجيريا وجنوب إفريقيا.
وإضافة إلى خطة التنمية طويلة الأجل للبلاد بما يتماشى مع رؤية كينيا 2030، والتي تهدف إلى جعل كينيا دولةً تنافسيةً ومزدهرةً ذات نوعية حياة عالية، فإن النموذج الاقتصادي للحكومة هو من القاعدة إلى القمة، والذي يعطي الأولوية للزراعة والرعاية الصحية والإسكان.
تمتلك زيمبابوي أيضًا احتياطيات معدنية مختلفة، مثل الفحم والذهب والماس وخام الحديد ، والتي لها مساهمة كبيرة في اقتصاد البلاد. ومن أشهر مناطق تعدين الماس حقل “مارانغ” للماس الذي يقع على الحافة الشرقية للبلاد.
ويُعتقد أن هذه المنطقة يمكن أن تحتوي على واحدة من أغنى رواسب الماس في العالم. في عام 2013، قُدر إنتاج الحقل بحوالي 16.9 مليون قيراط، ويُعتقد أنه يمثل 13٪ من الماس المنتج في العالم.
يعدّ تعدين الذهب أيضًا أحد الأنشطة المهمة في زيمبابوي. وعلى الرغم من أن زيمبابوي بلد غير ساحلي، إلا أن البلاد لديها موارد سمكية ضخمة تعدّ حيويةً لاقتصاد البلاد، وتشكل المنتجات الزراعية جزءًا مهمًا من اقتصاد البلاد.
أوغندا أيضًا رغم أنها واحدة من البلدان الصغيرة في أفريقيا من حيث الحجم، إلا أن وجود الموارد الطبيعية والمعدنية الهائلة قد أعطى هذا البلد مكانةً خاصةً.
تشمل احتياطيات أوغندا النحاس والتنغستن والكوبالت وكولومبايت تنتاليت، والذهب والفوسفات وخام الحديد والحجر الجيري، ويتم استخراج الذهب والكوبالت والتانتاليت، والذهب من الصادرات المهمة.
کذلك، تمثل الزراعة حصةً كبيرةً من عائدات صادرات أوغندا والناتج المحلي الإجمالي، وهي أيضًا المصدر الرئيسي للدخل للغالبية العظمى من السكان البالغين. وتعتمد الصناعات الرئيسية على معالجة المنتجات الزراعية، مثل الشاي والتبغ والسكر والبن والقطن والحبوب ومنتجات الألبان وزيوت الطعام.
أيضًا، يعتبر إنتاج الأسمنت والأسمدة والمنتجات المعدنية والطلاء والأحذية والصابون والصلب والمنسوجات والسيارات، جزءًا مهمًا من اقتصاد هذا البلد.
أهمية القارة الأفريقية بالنسبة لإيران
على الرغم من أن القارة الأفريقية معروفة بالفقر والحرمان في التصور العام، إلا أن هذه القارة غنية بالموارد الطبيعية التي يمكن أن تكون فرصةً جيدةً للاقتصادات النامية مثل إيران.
ومن الناحية الجيوسياسية، أعطى موقع إفريقيا بين قارات آسيا وأوروبا ووجود أربعة ممرات مائية بحرية استراتيجية (قناة السويس، مضيق جبل طارق، باب المندب، رأس الرجاء الصالح)، أهميةً خاصةً لهذه القارة.
ويكفي لإظهار أهمية القارة الأفريقية أن نقول إن القوى العظمى قد استعمرت واستغلت هذه القارة في القرون الماضية ونهبت ثرواتها، والآن أصبحت القارة السوداء ساحة مواجهة بين قوى الشرق والغرب.
لقد ركزت دول مثل الصين وروسيا وأمريكا على إفريقيا لتحسين وضعها الاقتصادي والسياسي في العالم، ويمكن لإيران أيضًا تطوير علاقاتها مع دول هذه المنطقة ويكون لها رأي في التنافسات العالمية.
في العقود الأخيرة، حاولت إيران توفير المنصات اللازمة للقطاع الخاص لدخول إفريقيا، وعلى الرغم من عدم اتخاذ أي إجراء عملي في هذا الصدد، فقد تم تمهيد الطريق لتنفيذ هذا البرنامج من خلال استراتيجية الحكومة الإيرانية الثالثة عشرة.
يمكن للمستثمرين الإيرانيين وأصحاب صناعات القطاع الخاص العمل في مجال الصناعات الصغيرة والصناعات الثقيلة والبنية التحتية، وحتى الزراعة في إفريقيا. وبالنظر إلى أن حكومات هذه القارة ترحب أيضًا بالمستثمرين الأجانب، فلا يوجد حد لنشاط القطاع الخاص.
کذلك، تعدّ القارة الأفريقية سوقًا جيدةً لبيع المنتجات المحلية الإيرانية بسبب نقص التكنولوجيا، وعن طريق زيادة مستوى التعاون الاقتصادي، يمكن للحكومة الإيرانية أن تكسب الكثير من الدخل من التفاعل مع الأفارقة، ويمكن لهذه القضية أن تعوض جزئيًا عن نقص الدخل النفطي أثناء العقوبات.
وحسب الإحصائيات التي نشرتها الجمارك الإيرانية عام 2022، تم تصدير نحو 2.4 مليون طن من البضائع غير النفطية بقيمة 1.2 مليار دولار من إيران إلى الدول الأفريقية، أي ما يعادل 2.2٪ فقط من إجمالي قيمة الصادرات الإيرانية، وتظهر الأرقام أن حصة أفريقيا صغيرة في تجارة إيران.
حول حجم تجارة إيران مع كينيا وأوغندا وزيمبابوي، أوضح علي رضا بيمانباك، نائب رئيس نادي الأعمال الإيراني الأفريقي: “في العام الماضي، تجاوز حجم تجارة إيران مع هذه الدول الثلاث 128 ألفاً و 500 طن من البضائع بقيمة 73 مليوناً و 781 ألف دولار، حيث كانت حصة الصادرات الإيرانية 124 ألفاً و 214 طناً من البضائع الإيرانية بقيمة 54 مليوناً و 667 ألف دولار، و 4351 طناً من البضائع بقيمة 19 مليوناً و 114 ألف دولار کانت حصة وارداتنا من هذه الدول الثلاث”.
وفقًا للإحصاءات، بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، سينتمي ثلث سكان العالم إلى إفريقيا، وتحقق العديد من الدول الأفريقية نموًا اقتصاديًا إيجابيًا، ما سيجعل من إفريقيا سوقًا كبيرًا للسلع الاستهلاكية، ولهذه السوق الكبيرة العديد من المزايا للاقتصاد الإيراني المتنامي، والتي يمكن تحقيقها من خلال استثمارات واسعة في السكك الحديدية.
ونظرًا لأن إفريقيا بحاجة إلى استثمارات مكثفة، يمكن للشركات الإيرانية استخدام معرفتها التقنية في تطوير البنية التحتية الاقتصادية لهذه البلدان. ووفقًا للخبراء، يمكن لإيران أن تأخذ زمام المبادرة في إفريقيا إذا تمكنت من إجراء استثمار محسوب، وتکون لديها خطة منتظمة واستراتيجية دقيقة للأفارقة.
سياسياً، تشكل الدول الأفريقية حوالي ثلث أعضاء الأمم المتحدة، ويمكن أن يكون التقارب المتزايد مع هذه القارة فعالاً لإيران في المحافل الدولية. وبما أن أمريكا تحاول دائمًا الموافقة على قرارات مناهضة لإيران في الأمم المتحدة، يمكن لطهران استخدام الثقل السياسي للأفارقة لتحييد تحركات الغرب.
وبالنظر إلى أن الدول الأفريقية قد ذاقت الطعم المر للاستعمار الغربي أكثر من غيرها، فإن لديها قاسم مشترك مع الجمهورية الإسلامية. ويمكن لإيران أن تراهن علی أصوات هذه الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصةً في لجنة حقوق الإنسان التابعة لهذه المنظمة. من ناحية أخرى، فإن تطوير العلاقات مع إفريقيا وإيجاد أصدقاء جدد، سيحبط أيضًا جهود أمريكا لعزل إيران.
ثقافيًا، أكثر من 55٪ من الأفارقة مسلمون، وبعبارة أخرى، يمكن القول إن إفريقيا هي القارة الوحيدة التي يتكون معظم سكانها من المسلمين، ومن وجهة النظر الثقافية لديهم العديد من الصلات الفكرية مع إيران.
لقد بذلت إيران الكثير من الجهود للترويج للثقافة والدين في القارة الأفريقية، وقد أدى عقد احتفالات في عشرة الفجر(عنوان يطلق على الأيام العشرة التي يحتفل بها الايرانيون بمناسبة ذكرى انتصار ثورتهم) والمناسبات الدينية، إلى جعل الأفارقة أكثر درايةً بالثقافة والعادات الإيرانية.
وبسبب طبيعتها المناهضة للاستعمار، تمكنت إيران من إيجاد مكانة في قلوب الشعوب الأفريقية، وإذا تم إعداد برامج مكتوبة لتطوير العلاقات الثقافية بين إيران وشعوب هذه القارة، فسوف يؤدي ذلك إلى الزيادة في التأثير الثقافي لإيران.
يعتقد الخبراء أن العمل الثقافي في إفريقيا يجب أن يقترن بالأنشطة الاقتصادية وتنمية الموارد البشرية، ويعني ذلك إنشاء مراكز علمية هناك، وبناء جامعات، وإنشاء ورش عمل فنية ومهنية، وإقامة دورات فنية ومهنية، وتنفيذ أعمال ثقافية وترويجية بهذا الإطار.
من ناحية أخرى، بالنظر إلى النفوذ الناعم والزاحف للکيان الصهيوني في البلدان الإسلامية الإفريقية في السنوات الأخيرة، يمكن لإيران، من خلال زيادة نفوذها في هذه القارة، أن تضع عقبةً كبيرةً أمام الصهاينة، وتحبط المخططات الخطيرة لهذا الکيان.
لا ينبغي إهمال إفريقيا في سياسة إيران الخارجية بسبب ثرواتها وقدراتها الاقتصادية المتنوعة، والحكومة الإيرانية تدرك هذا الأمر أيضًا، وتحاول تعويض عقود من الإهمال وزيادة علاقاتها مع هذه المنطقة القوية.
المصدر : موقع الوقت التحليلي