السياسية:

مهما بلغت وحشية الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الصهيوني في مدينة جنين الفلسطينية، فإنها لن تنتهي بهزيمة الشعب الفلسطيني الذي صمد وما زال على أرضه رغم كل المجازر والقمع والتنكيل الذي يرتكبه الاحتلال في فلسطين منذ قرابة خمسة وسبعين عاما على بداية الاحتلال.

لا شك في أن الجريمة الأخيرة جرت بتنسيق كامل بين الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة كما تحدثت العديد من وسائل الإعلام، وسط تأييد علني من الدول الكبرى التي تمارس أقذر التناقضات مع جرائم الاحتلال في فلسطين بالمقارنة مع مواقفها مع روسيا في حربها في أوكرانيا.

إن أهم سبب لما اقترفته قوات الاحتلال في جنين هو تطور قدرات المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي التي تسير على نهج المقاومة في غزة، والتي تثق بها الجماهير، ولكن الاحتلال الصهيوني يمارس قذارته بالضغط على أهالي مخيم جنين الأبرياء بطردهم وهدم بيوتهم كذريعة للبحث عن المقاومين، وفي ذلك دليل قاطع على عجز استخبارات العدو في تحديد قدرات المقاومة ومواقعها.

هدم البيوت وطرد الفلسطينيين الأبرياء من مدينة جنين والمخيم جريمة على رؤوس الأشهاد، وإذا كانت أمريكا والدول الغربية جزءا من هذه الجريمة كما أشرنا، فماذا نسمي صمت الدول العربية والإسلامية واكتفاء معظمها ببيانات الشجب والتنديد التي لا يلتفت لها الاحتلال.

يمكن تفسير ما قامت به قوات الاحتلال من عمل عنيف وسريع بطردها العائلات الفلسطينية من بيوتها، وخصوصاً في المخيم، بأنه مقدمة لعملية اقتحام عنيفة جدا للقضاء على المقاومة، والتي لا شك بأنها تحتاج للكثير من الدعم وقد يحدث ذلك من غزة أو من غيرها لأن زيادة جبهات القتال وهو الطريق الذي سيؤدي لا محالة لتراجع قوات الاحتلال عن مخططها وعدوانها على جنين.

ورغم عدم تكافئ المعركة، إلا أن الأمور اتجهت نحو مواجهات دموية شديدة بعد إفراغ المخيم من ساكنيه، حيث في داخل المخيم اضطر الاحتلال للاستمرار في مخططه للدخول في حرب شوارع مع المقاومة، صحيح أن الفارق كبير جدا في الإمكانيات، ولكن ما يميز الفلسطيني عن مرتزقة قوات الاحتلال أنه يؤمن بدفاعه عن وطنه.

هل أحداث جنين تُعيد طرح الأسئلة الصّعبة؟

وضع بيان أردني- فلسطيني مشترك صدر لرؤية وتحرّك ثنائي في مواجهة التداعيات التي فرضتها حكومة اليمين الإسرائيلي بعدوانها الجديد على مدينة جنين ومخيمها. ولاحظ المراقبون أن الأردن تبنّى في البيان الجديد الأدبيات نفسها التي تتبنّاها السلطة الفلسطينية بخصوص توفير الحماية للشعب الفلسطيني ومخاطبة المجتمع الدولي للتحرك ووقف العدوان مع التحذير من أبواب العنف التي يفتحها العدوان الجديد وتحميل حكومة اليمين الإسرائيلي مسؤولية النتائج والتداعيات.

وبالعادة لا تتحدّث البيانات الرسمية الأردنية عن توفير الحماية للشعب الفلسطيني بقدر ما تحذر من الانتهاكات والاختراقات وتحاول تعزيز صلاحيات وسلطات أجهزة الأمن الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. لكن تبنّي الأردن لأدبيات وعبارات السلطة الفلسطينية يظهر في الواقع استجابة للطاقم الذي يدير الأمور ويعتبر نافذا اليوم في السلطة والنخبة الفلسطينية إضافة إلى أنه يُظهر تراجعا شديدا في حضور ونفود الأردن والسلطة في المعادلة الداخلية الإسرائيلية.

والاعتقاد السائد بأن مثل هذه اللغة في البيان المشترك الذي صدر الاثنين يعكس انطباعاً بضيق هوامش المناورة والمبادرة بين الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية، الأمر الذي يفهم منه عدم إسناد ودعم المقاومة والتفكير فقط في الخيارات المحدودة التي لا تنتج شيئا مثل مخاطبة المجتمع الدولي وتحذير إسرائيل من تداعيات الانتهاكات والخروقات.

وصدر البيان عمليا باسم وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وأمين السر لمنظمه التحرير الفلسطينية حسين الشيخ ولم يصدر باسم وزير خارجية الأردن ونظيره الفلسطيني، الأمر الذي يظهر برأي المتابعين والمراقبين مستجدات على مستوى الشعور الثنائي بالمخاطر، الوقت الذي تتركز فيه سلطات عمان طوال الوقت خلف الستائر والكواليس على مشروع الائتلاف اليمين الإسرائيلي الحاكم في تقويض سلطة القانون في الأراضي المحتلة والضفة الغربية.

ردود فعل الشارع الأردني ضد جرائم الكيان الصهيوني في جنيين

لطالما خرج الأردنيون في مسيرات شعبية حاشدة داعمة للمقاومة الفلسطينية ومنددة بعدوان الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وخاصة المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيم جنين، حيث رفع المشاركون شعارات تطالب الحكومة الأردنية بالوقوف أمام مسؤولياتها واستخدام كل أوراق الضغط التي تملكها لوقف الانتهاكات في جنين، مؤكدين ضرورة دعم المرابطين في الضفة في ظل ما يتعرضون له من عدوانٍ صهيونيٍ غاشم. حيث يتم التأكيد على حق الشعب الفلسطيني وفصائله المقاومة بالرد على جرائم الاحتلال بكل السبل الممكنة، داعين إلى التحرك على كل المستويات لتقديم الدعم والإسناد للشعب الفلسطيني، والوقوف أمام جرائم الاحتلال، معلنين مؤازرتهم الكاملة للشعب الفلسطيني في ظل الانتهاكات التي يتعرض لها من قبل جيش الاحتلال.

وبطبيعة الحال تفاعل الشارع الأردني مع تطورات الاحداث والعدوان الجديد بصورة متسارعة فقد حظيت أحداث جنين وبطولات المقاومة في المخيم بتغطية واسعة النطاق على مستوى منصات التواصل الأردنية. وبادرت عدة جهات لتنظيم حركات في الشارع وكما يحصل دائما أصدر حزب جبهة العمل الإسلامي عن أحداث جنين بيانا خاصا بعد ظهر الاثنين تحدث فيه عن مجزرة جديدة بشعة يرتكبها العدو الصهيوني في الوقت الذي حذر فيه بيان الحزب من التداعيات مجددا ووجه مساندة علنية باسم الشعب الأردني لفصائل المقاومة البطلة. وغني عن الذكر هنا بأن أحداث جنين اندلعت والمواجهات باتت مفتوحة بالرغم من كل التحذيرات الأردنية الرسمية وفي ظل ازمة صامتة ومتفاعلة خلف الكواليس بين الأردن وحكومة اليمين الإسرائيلي حيث تراجع مستوى الاتصالات والتنسيق إلى أدنى حدوده.

الموقف الرسمي الأردني تجاه فلسطين مخزي

في السياق نفسه لا يوجد مبرر لصمت وعدم تدخل دول العالم العربي والإسلامي في تقديم الدعم للشعب الفلسطيني في الحرب غير المتكافئة والمستمرة مع الاحتلال، لا نتحدث عن دعم عسكري وهذا مفروغ منه، بل نتحدث عن غياب دورها السياسي في العمل على إيقاف الاعتداء على جنين، فهل ينتظرون أن تقتل قوات الاحتلال أكبر قدر من الفلسطينيين وتنسحب قوات الاحتلال من جنين حتى يدعي البعض بأن ذلك تم بجهوده!!! ونتساءل عن غياب أي دور للدول العربية وللأردن التي أصبحت ترتبط بعلاقات وتطبيع مع الاحتلال، فلماذا لا تستخدم تلك العلاقات كوسيلة ضغط للعمل على إيقاف ما يحدث من جرائم للاحتلال في جنين، وذلك أضعف الإيمان، حتى في السياسة لمن يدعي استقلاله، فإن من غير المنطقي أن يحتفظ الكيان الصهيوني بعلاقات دافئة مع بعض الدول العربية دون ثمن ولا تضحيات، فهل يعقل أن تترك أسود فلسطين لوحدهم بلا دعم لتأكلهم كلاب الصهيونية!

وفي الوقت نفسه الذي نشعر فيه بمشاعر الحزن والغضب والألم على أي أذى يلحق بالفلسطينيين من قوات الاحتلال، لكن أيضاً تعودنا أن تكون المدن الفلسطينية المنكوبة مصدرا لرفع معنوياتنا، حتى وهي تتعرض لأقسى درجات الإجرام، فالإيمان بأن التحرير حتمي مزروع فينا وفي كثير من الأحيان كان صمود مدن فلسطين في مواجهة غطرسة الاحتلال هي مصدر لذلك الإيمان بالإضافة لعقيدتنا.

في النهاية إن ما يعول عليه خلال المرحلة القادمة لنصرة الشعب الفلسطيني والمقاومة الفلسطينية هو تحرك الشعوب فالشعوب هم الضامن الوحيد لنصرة المقاومة اما الأنظمة وخاصة المطبعة مع الكيان الصهيوني فهي تتحرك في فلك السياسية الامريكية الداعمة للكيان الصهيوني.

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن الموقع