الانتحاريون والمرأة الأخيرة
السياسية:
كان الطيارون اليابانيون “الكاميكاز” في الحرب العالمية الثانية ظاهرة لافتة واستثنائية، وأسلوبا يائسا لآلاف من الشباب، اختاروا الموت على أمل أن تنقذ “الرياح الإلهية” بلادهم.
في تلك الفترة بدءا من خريف عام 1944، فيما كانت الحرب مع الولايات المتحدة في المحيط الهادئ تدخل مرحلة حاسمة يتواصل فيها تراجع اليابانيين وانحسار سيطرتهم على الأرض، وجد الطيارون اليابانيون المتطوعون لتنفيذ مهمات انتحارية بديلا عن أمهاتهم في حانة بجنوب اليابان كانوا يرتادونها قبل الموت.
في حانة “توميا سيكودو”، الواقعة في مدينة ميناميكيوشو بجنوب اليابان كان الانتحاريون اليابانيون “الكاميكاز” يقضون ساعاتهم الأخيرة بصحبة صاحبة الحانة وتدعى “توريهاما تومي”. يتعشون في المحل الذي تديره، ويتناولون مشروب “الساكي” التقليدي ويتبادلون أطراف الحديث معها.
فيما بعد أصبحت هذه المرأة تسمى “أم الانتحاريين”، وذلك لأن مئات من الشباب اليابانيين الذين تطوعوا للتضحية بحياتهم من أجل نصر موعود، وما كان لهم أن يعدوا أحياء من مهماتهم المميتة، احتفظوا منها بآخر ذكرياتهم المشرقة بعيدا عن أمهاتهم وأسرهم، لذلك بدا كما لو أن صحابة الحانة الودودة، قد رافقت “الكاميكاز” وودعتهم بدلا عن أمهاتهم قبل أن يقلوا مصرعهم.
رسميا حدث أول هجوم للطيارين الانتحاريين في الحرب العالمية الثانية في أكتوبر 1944، في معركة تقرر فيها نهائيا مصير الإمبراطورية اليابانية. قبل هذا التاريخ نفذ طيارون يابانيون من تلقاء أنفسهم هجمات انتحارية متفرقة، لمنها لم تكن منسقة.
معركة “خليج ليتي” تصنف على أنها أكبر معركة جوية بحرية في التاريخ، وقد استمرت من 23 إلى 25 أكتوبر 1944، وانتهت بالسيطرة على الفلبين.
كان الجانب الأمريكي منذ البداية يتمتع بتفوق ساحق، ما دفع أحد قادة الطيران البحري الياباني، تاكيجيرو أونيشي إلى القول في 17 أكتوبر: “لا أعتقد أن هناك أي طريقة أخرى مؤكدة لتنفيذ مهمتنا سوى تحميل الطائرات بـ 250 كيلوغراما من القنابل وإسقاطها على حاملات الطائرات الأمريكية.. سيكون هناك ما يكفي من المتطوعين لهذه الفرصة لإنقاذ بلدنا”.
أول ضربة انتحارية جوية يابانية منسقة وواسعة النطاق نفذت في صباح يوم 25 أكتوبر 1944. شارك في هذا الهوم الانتحاري الأول 24 طيارا متطوعا من المجموعة الجوية اليابانية رقم 201.
الأهداف التي حددت لها كانت عبارة عن حاملات طائرات أمريكية إحداها “سانت لو” اصابتها مقاتلة من طراز “أ إيه 6 إم زيرو”، وغرقت في أقل من ساعة، ما أسفر عن مقتل 100 بحار أمريكي، كما نجح الطيارون اليابانيون الانتحاريون أيضا في إغراق 34 سفينة في معركة هذا الخليج.
كلمة “كاميكاز” باللغة اليابانية تعني”الريح الإلهية”، كان الاسم يطلق على أعاصير دمرت مرتين أسطولي غزو مغولي كانا في طريقهما إلى اليابان في عامي 1274 و1281.
الانتحاريون والمرأة الأخيرة
اليابانيون اعتبروا ذلك بمثابة دليل على وجود الحماية إلهية لبلادهم. أما القادة العسكريون الذين قرروا إرسال طيارين انتحاريين في الجو خلال الحرب العالمية الثانية فقد كانوا يأملون في أن تجتاح طائراتهم السفن الأمريكية من البحر وتقضي عليها كما دمرت “الريح الإلهية” الأساطيل المنغولية.
هجمات “الكاميكاز” تلك، نفذت وفق خطة محددة. لتفادي تعقب الطائرات الانتحارية المودة بقنابل ضخمة، حلق الطيارون في طريقهم إلى الهدف على ارتفاع بضع عشرات من الأمتار فوق الماء، وخارج نطاق الرادار، وبجرد اقترابهم، يصعدون فجأة بطائراتهم ويندفعون إلى سطح السفينة الهدف، من نقطة ارتفاعها بين 2-3 كيلومترات. هذا التكتيك القتالي المميت كان يتطلب جرأة فائقة، لكنه ظل أسلوبا يائسا حتى نهاية الحرب.
في المحصلة، نجحت أكثر من 1321 طائرة يابانية في التحطم على ظهر سفن حربية للحلفاء خلال الحرب، ولقي مصرعه من هذه الهجمات ما يقرب من 3000 أمريكي وبريطاني، إلا أن الاضرار التي سببتها لم تمنع الأمريكيين وحلفاءهم من الاستيلاء على الفلبين ووصولهم على اليابان نفسها بعد ضربها بقنبلتين نوويتين وإجبارها على الاستسلام النهائي.
* المصدر: روسيا اليوم
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر