السياسية:

ثمة تقدير لدى المقاومة أنه رغم كل ما يقال في الإعلام، تبدو الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو الأكثر استقراراً وسيطرة لجهة الفعل العدواني ضد الشعب الفلسطيني، ما يعني أن هناك فرصة للتبادل قبل عملية جديدة.

يربط الصهاينه بين الإجراءات على حدود قطاع غزة (هجوماً ودفاعاً) وبين ثلاثة من أسباب كثيرة: السبب الأول الخوف المتكرر والدائم من عمليات أسر، والثاني تصفير الأهداف خلال الحروب، والثالث التخوف الأكبر من سيناريو “الاقتحام الكبير”. لكن، هل لا يزال السبب الأول قائماً؟ 

مرت تسع سنوات منذ آخر عملية أسر خلال حرب 2014، ولا يزال الاحتلال يماطل في إبرام عملية تبادل جديدة مع المقاومة. وهذا بفارق زمني كبير عن السنوات الخمس التي استغرقت التفاوض على جلعاد شاليط (2007-2011). حديثاً، زادت الضغوط من الأسرى في سجون الاحتلال على قيادة المقاومة، كما وصل عدد من الرسائل “القاسية” منهم، حتى إن بعضها خرج إلى الإعلام. في مقابل ذلك، شعرت المقاومة، تحديداً خلال الأشهر الأخيرة، أنها بحاجة ماسة إلى إعادة تفعيل ملف التبادل والإسراع فيه، حتى لو لزم الأمر عمليات أسر جديدة، بغض النظر عن التكلفة المترتبة على ذلك.

القرار حاضر

التقط الصهاينه هذه الإشارة بوضوح، ولمّحت وسائل إعلام إسرائيلية أكثر من مرة إلى نية المقاومة وبخاصة “حماس” أخذ خطوات جديدة ربما يكون من بينها عمليات أسر، خاصة أن هناك تفويضاً سياسياً مُنح للعسكر في تنظيمين على الأقل بـ”إيجاد الوسائل اللازمة للضغط على الاحتلال لتنفيذ تبادل جديد”، حتى لو كان ذلك على حساب الوضعين السياسي والميداني الحاليين، وهو ما أدى إلى تغيير الإجراءات كافة حول غزة.

ثمة تقدير لدى المقاومة أنه رغم كل ما يقال في الإعلام، تبدو الحكومة الصهيونية برئاسة بنيامين نتنياهو الأكثر استقراراً وسيطرة لجهة الفعل العدواني ضد الشعب الفلسطيني، ما يعني أن هناك فرصة للتبادل قبل عملية جديدة. ورغم الموقف المعارض لأحزاب “الصهيونية الدينية”، فإن لدى نتنياهو القدرة على إقناعهم، خاصة أنهم لم يهددوا بمغادرة الحكومة في حال التبادل كما حدث في حكومات نتنياهو الخمس.

أيضاً، يظهر أن موقف “الجيش” الصهيوني يساند إنهاء ملف الجنود الأسرى، لأن نسبة المخاطرة بحدوث عملية أسر جديدة تزداد مع تجميد الملف. وكانت الرسالة المصورة الأخيرة التي بثتها “كتائب القسام” (حماس) قد سهلت على قيادة أركان “الجيش”، وتحديداً هيرتسي هليفي، الضغط على المستوى السياسي والحكومة لإنهاء المشكلة التي تمثل “معضلة داخلية أخلاقية” في “الجيش”، والتي تشكّل أيضاً سبباً لتخوف الجنود، ولا سيما “فرقة غزة”، من احتمالية الأسر ما دام الملف مفتوحاً.

هذا الخوف ليس حديثاً بالضرورة، ففي 11/9/2022، قالت القناة الـ 12 الصهيونية، إنه رغم مرور أكثر من 16 عاماً على حادثة أسر الجندي جلعاد شاليط، اتضح أن جندياً من “كتيبة الدوريات البدوية” لا يزال يعاني من اضطراب ما بعد الصدمة بسبب القتال في غزة يوم أسر شاليط ومشاهدته أهوال الحادث والمشاهد القاسية للجنود القتلى. ومثله مثل كثيرين من جنود “الجيش” يقول إنه منذ الحادث يعاني من التذكر الدائم لمشاهد التفجيرات الهائلة، ومن مزاج متدنٍّ واضطرابات النوم، وضعف عام وصداع وفقدان شهية.

في مقابل تأييد “الجيش” هناك الموقف المتعنت لجهاز “الشاباك” الذي يعارض عملية تبادل لما لها من مخاطر على البعد الأمني، خاصة أنه دفع الثمن الأكبر لما فعله الأسرى المحررون في “وفاء الأحرار” عام 2011، فهؤلاء قادوا جزءاً كبيراً من العمل القائم حالياً، خاصة في الضفة. لكن، يبقى موقف “الشاباك” غير رئيسي في اتخاذ القرار، وسبق لنتنياهو عند صفقة شاليط أن تجاوز رأي هذا الجهاز الذي كان معارضاً آنذاك.

لكن، إذا لم ينتهِ الضغط الإعلامي والنفسي إلى حل قريب، فستكون المقاومة أمام تحدٍّ كبير، ليس من أجل معنويات الأسرى فحسب، رغم حساسية هذا الأمر، بل لأن الصهيوني يكون قد أفقد المقاومة ورقة مهمة (الأسر من أجل التبادل) عبر معادلة “التقادم”، فالمسافة بين أسر شاليط وتحريره خمس سنوات تقريباً، فيما مرّ أكثر من تسعة أعوام على الأسر الأخير، ولا حل لذلك سوى عملية أسر جديدة بصرف النظر عن حصيلتها من الجنود، لتنسف ما يريد العدو ترسيخه. في المحصلة، يعني الأمر استمرار الضغط على الحدود الجنوبية، أو على الأقل تحييد سلاح البرّ في المعارك اللاحقة، لهذا السبب ولغيره.

لكن، لماذا لم تجرِ المقاومة عملية أسر جديدة حتى الآن؟ خلال “سيف القدس”، أخفقت عملية كان مخططاً لها لأسر جنود شرق خان يونس جنوبي قطاع غزة، واستشهد خلالها 18 من عناصر النخبة في أحد الأنفاق جراء استهدافه، وهذا ما جعل المقاومة تتريث. ثم، مع بناء الجدار تحت الأرضي على حدود القطاع، واستخدام الاحتلال تكتيك الأحزمة النارية، باتت مهمة العمل في الأنفاق لعبور الحدود أكثر صعوبة (ستُفصّل الحلقة السابعة من هذه السلسلة أكثر هذه القضية تحديداً).

في النتيجة، صار على المقاومة أن تبحث عن وسيلة لتنفيذ عمليات أسر مضمونة وفق المبدأ الذي يقول: عملية ناجحة مع حرب، لا عملية فاشلة مع حرب. لكن أبرز المشكلات تتمثل في الاحتياطات الأمنية العالية التي اتخذها الاحتلال أخيراً على طول الحدود، إضافة إلى أن العملية يجب أن تكون مفاجئة وتحقق أهدافها بصرف النظر عن زمانها ومكانها.

قصص لم تُحكَ بعد

تحدثنا في الحلقة الأولى عن “عقدة غزة” لدى جنود الاحتلال، لكن لماذا يمكن ادعاء أن 2014 خلقت هذه العقدة؟ إن مجمل العمليات التي نفذتها المقاومة في تلك السنة، وتركيزها على أسر جنود، أديا إلى قرار صهيوني في اتجاهين: الأول تعطيل شبه كلي للعمل البري مع غزة، حتى لو لم يجرِ الاعتراف بذلك، والثاني أخذ وضعية الدفاع كحالة أساسية، ليبقى الهجوم هو خيار الاضطرار. ومن هذه العمليات ما ترك ندباً عميقة في العقيدة القتالية لـ “الجيش” الإسرائيلي، وما لم تحكِ عنه المقاومة كثيراً.

قبل شهرين تقريباً، عرض برنامج “هعوفــدا” [السر الكبير] على القناة الثانية عشرة كشفاً خاصاً حول عملية جرت خلال تلك الحرب في “موقع 16” العسكري بالقرب من مستوطنة “سديروت”، كاشفة عن مقتل أربعة من الضباط والجنود، ومنهم من قضى بسبب تطبيق “هنبعل” الذي يقضي بقتل الخاطف والمخطوف. كان لافتاً في التفاصيل الحديث عن تنكر المقاومين الفلسطينيين بزي جنود صهاينه، ما خلق حالة ارتباك وتأخير في اتخاذ القرارات.

يلاحظ أن الأمر نفسه تكرر في عملية البطل المصري العشريني محمد صلاح الأخيرة حين قُدمت جملة من مبررات الإخفاق منها الشك في كون منفذ العملية صهيونيا، رغم أنه لم يمارس حيلة التنكّر التي هي خدعة قديمة جداً لكنها لا تزال تؤتي أكلها مع هذا “الجيش الحديث”! قد لا يسمح السياق الآن بمناقشة دور سلاح الجو في عملية مثل التي نفذها صلاح، لكن في عملية “موقع 16” كان سلاح الجو فعالاً بأربع مسيّرات في السماء “لمراقبة ساحة المعركة ومحاولة فهم ما الذي يجري بالضبط… إلى أن أثار انتباهنا أنهم مستلقون على الأرض ويوجّهون الأسلحة تجاهنا وليس في اتجاه الحدود”.

حتى عند إرسال جيبين للتأكد من شخصية المسلحين، ورغم اكتشاف مشغلي طائرتي استطلاع أن المسلحين ليسوا جنوداً من “الجيش”، تبين أنه لم يكن لدى مشغلي الطائرات اتصال مباشر مع قائد دورية الاستطلاع، فحلّت “الفاجعة” واستهدف الجيب الأول بقذيفة، قبل أن تتدخل الدبابات وتخطئ هي الأخرى وتطلق قذيفة على الأحراش ظناً منها أن هناك مقاتلين فلسطينيين ليتبين لاحقاً أنهما من “الجيش” فعلاً. في المحصلة، انتهت العملية بإجراء “هنبعل”. بعد الكشف الصهيوني، أكدت “القسام” تفاصيل كثيرة من الحدث لكنها أشارت إلى أن عدد القتلى أكثر من ذلك، وواحد منهم قتلته الدبابة.

تقول مصادر في المقاومة إن في سجلات 2014 ما لم يُكشف بعد، وهو كافٍ لزلزلة صورة “الجيش الذي لا يهزم”. مثلاً، تكفي مشاهد عملية “ناحال عوز” التي ضُرب فيها جندي بأعقاب البنادق وبالأقدام في محاولة لخطفه، لتظهر كاميرا المقاومة الصورة الحقيقية لبطولة المقاتل الفلسطيني وخيبة الصهيوني.
لم تكشف المقاومة – حتى الآن – السبب في إخفاق عملية الأسر آنذاك لكن المصادر تشرح أن مصير ذلك الجندي كان القتل حين تدخلت إحدى الدبابات القريبة فاضطر المقاتلون إلى الانسحاب، ولولا التوثيق المصوّر، لانتهى الحدث بالكلام الصهيوني عن “مجرد إصابات” وفق ما سمحت به الرقابة العسكرية آنذاك.

من يُسمح له بالاطلاع على تفاصيل تلك العمليات، يخرج بنتيجة واضحة: في ساحة البر، وعندما يتواجه الفلسطيني مع الصهيوني نداً لند، يفوز الأول، خاصة إذا كان عنصر المفاجأة حليفه. الحالة نفسها تكررت في عملية “زيكيم” البحرية. اضطرت المقاومة إلى الصبر شهراً حتى استطاعت اختراق كاميرات المراقبة في الموقع وإظهار الصورة الحقيقية للقتال حتى آخر نفس بين مقاومين ودبابات. أيضاً لا تزال تلك العملية تحتفظ بأسرار سيأتي وقت كشفها وفق ما تراه المقاومة مناسباً.

لا يخلو النزال من أحداث عجيبة: في إحدى العمليات خلال الحرب نفسها – تتحفظ المصادر عن تسميتها – أضاعت القوة المهاجمة موقع عين النفق الذي خرجت منه بعدما أتمت مهمتها بقتل ضباط من المستوى الرفيع في الجيبات المخصصة للقادة. اضطرت المجموعة إلى الانسحاب إلى أحد الأحراش القريبة والتخفي فيها بعد استشهاد أحد المنفذين. بدأ الاحتلال تمشيط المنطقة ونفذ قصفاً وإطلاق نار كثيفاً. بعد ست ساعات، قام المقاومون وعادوا مشياً (ليس ركضاً) إلى غزة من فوق الأرض وأمام أعين كاميرات المراقبة!

* المصدر: الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع