في مثل هذا اليوم انتقم مارادونا لبلاده من بريطانيا
السياسية ـ وكالات:
لم يكن الهدف الذي سجله نجم المنتخب الارجنتيني دييغو مارادونا بيده ضد المنتخب الإنجليزي في 22 يونيو 1986، حدثا عاديا عارضا، بل بدا في ظروفه كامتداد لحرب “فوكلاند” بين البلدين.
ذلك الهدف في الربع النهائي لكأس العالم في المكسيك، الذي دار جدل حوله في البداية بعد ان احتسبه الحكم قبل أن يتبين بالفعل أن ماردونا سجله بيده اليسرى، كان بمثابة استعادة للصراع بين الأرجنتين وبريطانيا حول جزر ماليفيناس أو فوكلاند، بخاصة أن الأرجنتينيين عدوا ذلك النصر بمثابة ثأر من بريطانيا.
الحدث بطبيعة الحال تحول إلى فضيحة مدوية، تسببت في القضاء على مستقبل حكم المباراة الرئيسي التونسي علي بن ناصر ومساعده البلغاري بوغدان دوتشيف، والأهم أنه أشعل تلاسنا لاذعا بين البريطانيين والأرجنتينيين، وبدا كما لو أنه نقل ميدان الحرب من سواحل فوكلاند إلى أرضية ملعب لكرة القدم.
جزر فوكلاند هي أرخبيل في القسم الجنوبي الغربي من المحيط الأطلسي يوجد على بعد 500 كيلو ممتر من الأرجنتين، إلا أن بريطانيا فرضت سيطرتها عليها منذ عام 1834.
الحرب اندلعت حين دقع الأرجنتينيون بقواتهم من مشاة البحرية إلى الجزر في أبريل عام 1982، وأجبروا الحامية البريطانية على الاستسلام.
بريطانيا ردت بإرسال قوات كبيرة معززة بالطائرات والبوارج إلى الأرخبيل، واشتبك الطرفان في هجمات متبادلة استمرت 74 يوما، وانتهت الحرب بمقتل 649 عسكريا أرجنتينيا و255 بريطانيا علاوة على ثلاثة أشخاص من السكان المحليين، واستعادت لندن السيطرة على الجزر بشكل كامل.
ماردونا لاحقا صرّح قائلا: “بالنسبة لنا كان هذا يعني شيئا أكثر من انتصار على فريق كرة قدم. كان ذلك يعني بالنسبة لنا هزيمة بلد بأكمله. على الرغم من أننا أعلنا قبل المباراة أن هذه المنافسة لا علاقة لها بالحرب، إلا أنها كانت بالنسبة لنا نوعا من الانتقام”.
هذا النجم الكروي البارع قال في مؤتمر صحفي بعد المباراة، إن الهدف “تم تسجيله جزئيا برأسه، وجزئيا بيد الرب”، فتلقفت الصحافة هذا التعبير وتداولته على نطاق واسع، فيما أطلق الصحفيون البريطانيون على الهدف اسما مناقضا تماما، ووصفوه بأنه كان بـ”يد الشيطان”.
ملابسات خلف كواليس المباراة:
كانت الحرارة في ملعب “أزتيكا” في مكسيكو سيتي يوم 22 يونيو 1986، مرتفعة تجاوزت الأربعين نتيجة لارتفاع المنطقة لأكثر من 2000 متر فوق مستوى سطح البحر.
عشية المباراة، حدثت صدامات عنيفة بين المشجعين الأرجنتينيين والبريطانيين، وتحدثت الأنباء عن دخول ثلاثة بريطانيين على الأقل إلى المستشفى، علاوة على انتزاع مشجعي الأرجنتين ما كان في أيدي خصومهم من أعلام ورايات وأدوات.
المنتخب الأرجنتيني استعد لهذه المباراة بطريقة استثنائية، وفيما كان لعب بقمصان قطنية ضيقة في المباريات التمهيدية، قرر المدرب كارلوس بيلاردو قبل منازلة الإنجليز، تغيير الزي واستبداله بآخر أخف، قيل إنهم اشتروه من السوق المحلية وعكفوا بسرعة على خياطة الأرقام عليها لساعات طوال.
يتذكر في وقت لاحق مارادونا لحظة تسجيله الهدف بيده قائلا: ” احتج جميع الإنجليز بشدة، واحتفلت بهذا الهدف بإخفاء قبضتي اليسرى والنظر بارتياب إلى الحكام لأنني كنت أخشى أن يشتبهوا في شيء ما… قال لي فالدانو (اصمت!)، وهو يضع إصبعه على شفتيه”.
بيتر شيلتون، حارس مرمى منتخب إنجلترا قال متحدثا عن مارادونا: “كان ذكيا. في ذلك الموقف، حين قفز، هز رأسه، كما لو كان يضرب الكرة بها، وليس بقبضته. لكن أكثر ما يغضب أن أي شخص يمكن أن يغش، لكنه يعتذر بعد ذلك. وهذا خدع الجميع، ولكن بدلا من طلب الصفح، بدأ حكاياته عن (يد الرب). لقد كنت أنتظر منذ سنوات عديدة اعتذارا من مارادونا ولم أحصل عليه”.
أما المهاجم الإنجليزي جاري لينيكر فقد صرّح لاحقا بأنه سأل مارادونا: “لماذا تتحدث عن يد الرب؟”، وأن النجم الكروي الكبير أجابه قائلا: “وكيف يمكن القول بطريقة أخرى؟ لقد كانت معجزة، كان الرب هو الذي قدم لنا يد العون، لأن حكمين في الميدان لم يلاحظا ذلك في الحال”.
بعد مرور سنوات عديدة، أعاد مارادونا أخيرا الكرة إلى يده، وقال معترفا: “حسنا، أي يد إلهية، لم تكن إلا يد دييغو! يظهر أنني سرقت الإنجليز… أشعر أحيانا أنني أحب هذا الهدف الذي سجلته بيدي أكثر من الهدف الثاني هذه المباراة”.
الهدف الثاني الذي تحدث عنه مارادونا كان عُد في عام 2002 في تصويت على موقع الفيفا “هدف القرن”، والأفضل في تاريخ كرة القدم.