عملية “عيلي”.. دلالات التوقيت وتكتيكات القسام
أيمن الرفاتي*
فجّرت عملية “عيلي” البطولية الخلافات المحتدمة بين المستويين الأمني والعسكري في كيان الاحتلال، وخصوصاً أنّها جاءت بعد يوم من التصدي البطولي لاقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين.
لا تزال الضفة المحتلة تثبت يوماً بعد يوم أنّها الأخطر استراتيجياً على “دولة” الاحتلال من بين الجبهات المتعددة، وذلك للطبيعة الجغرافية الخاصة بها والالتصاق بين الفلسطينيين والمستوطنين، كما أنّها الأخطر على المشروع اليميني، لأنّها تقف عصيّة أمام محاولات ومخططات ابتلاعها، وهي الأكثر قدرة على إيلام الاحتلال وتكبيل ردود فعله.
لقد فجّرت عملية “عيلي” البطولية الخلافات المحتدمة بين المستويين الأمني والعسكري في كيان الاحتلال، وخصوصاً أنّها جاءت بعد يوم من التصدي البطولي لاقتحام قوات الاحتلال مخيم جنين لاعتقال أحد عناصر حركة “حماس”، إذ هبّت كتائب القسام، ومعها سرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى، وتصدّوا مجتمعين لقوات الاحتلال، وكبّدوه خسائر واضحة.
وبعد العملية الأخيرة، تمادت الخلافات داخل كيان “إسرائيل”، في وقت لا يزال “الجيش” غير موافق على إطلاق عملية عسكرية كبرى في منطقة شمال الضفة الغربية، نظراً إلى كلفة هذا الأمر والخشية من تفجير جبهات أخرى، مثل قطاع غزة، إلى جانب يقينه بأنَّ العملية العسكرية لن تؤدي إلى إنهاء المقاومة، بل ستكون لها انعكاسات سلبية تؤدي إلى زيادة وتيرة العمليات الفردية وعمل الخلايا السرية التي يصعب تعقبها.
إنَّ عملية “عيلي” التي تظهر فيها بصمات الجناح العسكري لحركة “حماس” تشير بشكل واضح إلى أن المقاومة في الضفة قادرة على إيلام الاحتلال، وأنَّ أنماط عملها تتنوع بين وجود في مناطق معينة، وعمل آخر تقوده مجموعات سرية تستطيع تنفيذ عمليات نوعية مؤثرة ضد قوات الاحتلال ومستوطنيه.
من يراقب المشهد في الضفة يدرك أنَّ دخول كتائب القسام بشكل صريح أو شبه صريح لم يعد سراً، وأنّها وجّهت العديد من الضربات المؤلمة إلى الاحتلال خلال الفترة الماضية، كما يلاحظ أنها تمتلك تكتيكات مختلفة عن باقي الفصائل الفلسطينية المقاومة، ولديها خلايا عسكرية تستطيع تحريكها وقت الحاجة عند توافر الظروف الملائمة، ولا تعلن مسؤوليتها عن الكثير من العمليات التي تنفذها لضرورات أمنية ولضمان قدرتها على الاستمرار في تنفيذ عمليات نوعية.
كمثال ذلك، أتت “عملية الأغوار” التي نفّذها الشهيدان القساميان معاذ المصري وحسن قطناني في شهر رمضان الماضي، والتي أسفرت عن مقتل 3 مجندات صهيونيات، وتزامنت مع الضربة الصاروخية متعددة الجبهات التي خرجت من جنوب لبنان وسوريا وقطاع غزة.
قبل هذه العملية كانت “عملية حوارة” التي نفذها الشهيد القسامي عبد الفتاح خروشة في آذار/مارس الماضي، والتي أدّت إلى مقتل جنديين صهاينة وتزامنت مع “قمة العقبة” بين السلطة الفلسطينية والاحتلال والأطراف الإقليمية والإدارة الأميركية. وقد حملت وقتها دلالات واضحة على قدرة الجناح العسكري لحماس على تفعيل العمليات بشكل نوعي ومؤثر.
وكذلك، إن عملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد القسامي معتز الخواجا في شارع “ديزنكوف” وسط “تل أبيب” في آذار/مارس، والتي أدّت إلى مقتل مستوطن وإصابة 4 آخرين بجراح خطرة، كانت تحمل دلالات على قدرة المقاومة على تنفيذ عمليات نوعية في قلب المستوطنات المحصنة في “دولة” الاحتلال.
لا شك في أنَّ تطور المقاومة في الضفة أربك حسابات الاحتلال الذي بات يرى أنَّ هذا التطور يتسارع رغم كل السياسات الأمنية والعسكرية وما أطلق عليه “عمليات جزّ العشب”، كما أنّ عمليته العسكرية المستمرة منذ العام الماضي، المُسمَّاة “كاسر الأمواج”، فشلت أيضاً في وقف تطور العمل المقاوم ونوعيته.
وفي الوقت الذي لم يفق بعد من العمليات داخل فلسطين 1948، مثل “تل أبيب”، تفاجأ بتطور سريع في أداء المقاومة وأدواتها في الضفة الغربية، بعدما باتت تصنع وتستخدم العبوات الناسفة شديدة الانفجار، وهو الأمر الذي يشكّل خطراً وتهديداً كبيراً على سيارات المستوطنين والآليات العسكرية، ويعقّد من مهام الجيش والمستوطنين.
الأخطر بالنسبة إلى الاحتلال يتمثّل في أنَّ المقاومة والعمليات النوعية لم تعد مقتصرة على منطقة شمال الضفة، بل باتت تصل إلى مناطق وسط الضفة وجنوبها، كما حدث في عملية “عيلي” على طريق رام الله – نابلس، وهو ما يمثل إشغالاً واستنزافاً كبيراً لقوات “الجيش” والمنظومة الأمنية التي باتت تتعاطى مؤخراً مع أعداد كبيرة من التهديدات والمخاطر في مختلف مناطق الضفة.
كما أنّ خطر تطور العمل المقاوم يتزايد، سواء بامتلاك العبوات الناسفة أو بوجود الخلايا العسكرية السرية لكتائب القسام، وأيضاً بالعمليات الفردية ضد “الجيش” والمستوطنين، إذ باتت الجبهة الداخلية في “دولة” الاحتلال بأكملها تخشى عودة العمليات إلى داخل المدن المحتلة.
يتخوّف الاحتلال بشدّة من استمرار تطور قدرات المقاومة في الضفة، نظراً إلى أنّها أصبحت فاعلاً مؤثراً ومؤلماً في الرد على جرائمه، بل وردعه، وهو يخشى استمرار استنزاف قواته داخل الضفة في ظل حالة الإشغال التي يتعرض لها بشكل يومي، إلا أنّ الأخطر من ذلك عليه هو أن يكون للضفة دور كبير في حال وجدت “دولة” الاحتلال نفسها أمام حرب متعددة الجبهات مع غزة ولبنان وإيران وسوريا. هذا الأمر في حال تفاعلت الضفة بعمليات كبرى سيحمل متغيرات استراتيجية لا يمكن وصفها.
* المصدر: الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع