التطبيع مع الكيان بعد الاتفاق السعودي الإيراني!
السياسية:
في الطريق إلى تل أبيب، تخلى قادة التطبيع العربي عن مطالبهم وشروطهم المعلنة كلها، حتى أنهم رموا تحت أقدام العدو مبادرتهم للسلام العربية، التي لوحوا بها مطلع القرن الحادي والعشرين، واستسلموا خاضعين لإملآت والشروط الإسرائيلية في مقابل الفتات من الكيان المؤقت.
في العقود الأخيرة المنصرمة التزم العرب طريقين للتعامل مع الكيان المؤقت وإفرازاته العدوانية.
الأولى طريق المقاومة بجميع أشكالها وتجلياتها، من المقاطعة المُستكينة الى الحرب الطاحنة.
الثانية التطبيع والرضوخ للأمر الواقع، آملاً بتحصيل بعض المكاسب.
كُتب الكثير عن المقاومة وسيكتب أكثر، لكن للتطبيع أيضاً تاريخه ومنطقه المُعوج أو الأعوج. وهناك حاجة إلى كشفه وفضحه بشكل واضح وصريح.
لقد شكل اتفاق الصلح المنفرد الذي وقعه الرئيس المصري أنور السادات في مارس 1979، أولى خطوات التطبيع الرسمي والعلني مع الكيان المؤقت، وبعدها جاء اتفاق أوسلو، ومن ثم جاءت المملكة الأردنية باتفاق وادي عربة.
وفي العام 2022 جاءت موجة التطبيع من دول ليس لها حدود جغرافية ولا حالة صراع أو اشتباك مع الكيان المؤقت، وهي: المغرب والسودان والإمارات العربية المتحدة والبحرين، هذه الدول لم تخُض حروباً، ولم تدخل في صراع حقيقي مع الكيان المؤقت، مما يطرح التساؤلات عن الأسباب والخلفيات والأهداف من مثل هذا الارتباط بها.
لقد أوضح مئير بن شاباط الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي التابع للكيان الإسرائيلي، الذي أدار المفاوضات التمهيدية مع دول التطبيع: “أن التحضير للاتفاقيات استمر عدة أعوام، وجرى مع كل دولة على حدة”.
سنحاول الإضاءة على المكاسب الإسرائيلية من التطبيع مع الإمارات، والأبعاد الخاصة للتطبيع البحريني، بحيث أن العدو يحاول تحقيق أهدافه ومكاسبه دائما، ودول التطبيع لا تلتفت الى مصالحها واهداف شعوبها. ولكن في الاتفاق الإيراني – السعودي تغير المشهد، وانهار حلم الكيان المؤقت، فها هي الإمارات لا تنفك ترسل رسائل الخروج من مندرجات التطبيع مع العدو.
لقد كان الكيان المؤقت يرى في التطبيع مع دولة الإمارات مكسباً استراتيجياً مهماً يضعها في قيادة حلف أمني – سياسي تشارك فيه دول عربية، وتساهم الإمارات والولايات المتحدة والسعودية في توسيعه في مواجهة إيران وحلفائها، اعتقد الكيان المؤقت أنه سيبني حزاماً يحمي أمنه بتمويل عربي ومساندة أميركية. ونظر الكيان إلى أن التحالف مع الإمارات القريبة جغرافيا من إيران، يجعل إيران قلقة من اقتراب الكيان المؤقت من حدودها. كما التعاون الاستخباري قد يسمح بنصب أجهزة تجسس إسرائيلية في الخليج، ويجعل الإمارات موقعاً لانطلاق عمليات تخريبية ضد إيران. لكن الكيان وجد بعض العرب الذين انضموا إلى جوقته بأن العناد الفلسطيني يمنع حل الصراع مما ساعده إلى إيجاد سلاح في محاربة “حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات” (BDS)، كما أن حجم التبادل التجاري السرّي كان وصل إلى مليار دولار سنويا، وكان يتوقع أنه بعد التطبيع بحسب الخبراء قد يصل إلى عشرات مليارات الدولارات، ولكن هذا التوقع قد انهار على وقع الاتفاق الإيراني – السعودي.
أما أبعاد التطبيع البحريني، فلقد كان تطبيعاً بالوكالة مع المملكة السعودية التي كانت تطبّع سراً مع الكيان المؤقت بقدر المستطاع، وترى الخطوات التي تتبعها البحرين علناً، فوجئ الإسرائيليون بالحفاوة العلنية والمبالغ فيها، التي قوبل بها وزير الأمن الإسرائيلي بيني غانتس في العاصمة البحرينية المنامة خلال زيارته الرسمية للبحرين في فبراير 2022، يومها كان التفسير بأنها رسالة سعودية إلى طهران. الجدير بالذكر أن البحرين هي مقر الأسطول الخامس الأميركي في الخليج، والعمل المشترك والتنسيق مع القوات العسكرية الأميركية الموجودة في المنطقة، يشكل هذان العنصران ركائز للتحالف الإسرائيلي الخليجي. كما أن قرب البحرين من إيران والكيان المؤقت يجعل البحرين من أفضل المواقع للتموضع في الخليج.
أما السودان فانضم إلى ركب التطبيع بعد الضغط الإماراتي والإغراءات السعودية والابتزاز الأمريكي، والأوهام الإسرائيلية، لقد استغلوا الازمة الاقتصادية التي يعيشها هذا البلد، وقدموا الإغراءات عبر المساعدات وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لقد حشر الكيان المؤقت أنفه في الصراعات الداخلية في السودان، انطلاقاً من استراتيجية التحالف مع الأطراف والأقليات.
أما المغرب، فالسياق السياسي لالتحاقه بركب التطبيع هو اتّباع سياسة الابتعاد والتراجع في العلاقات مع العالم العربي، باستثناء علاقته بالسعودية، وتفضيل العلاقات الأفريقية والدولية لتحقيق مصالح يعتقد النظام المغربي أن العرب قليلو الفائدة فيها، ولكنه كان مبادراً إلى تعميق التبعية للولايات المتحدة ومعها الكيان المؤقت.
لا شك، أن موجة التطبيع العربي مع الكيان المؤقت أطلقت وضعاً جيوسياسياً عام 2022، ولكن في 2023 وفي ظل الاتفاق الإيراني السعودي ثمة واقع استراتيجي جديد، فالسعودية الراغبة بالتطبيع قبل الاتفاق تضع الآن شروطها وترفع سقف توقعاتها من صفقات أسلحة أميركية متطورة وبرنامج نووي و..، إلى جانب نهوض محور المقاومة بمحاصرة المشروع الإسرائيلي الذي يعيش على وقع تخبطات داخلية وأزمة غير مسبوقة، ما يشي بأن التطبيع لم يبلغ أهدافه ولم يحقق مكاسبه.
* المصدر: موقع الخنادق اللبناني
* المادة الصحفية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع