السعودية ومغامرة قيادة المنطقة
السياسية:
إيهاب شوقي*
لا يخفى على متابع أن هناك العديد من الشواهد والقرائن التي تفيد بسعي السعودية لانتزاع قيادة المنطقة، وربما كان أبرزها ما جاء بالبيان الختامي للقمة العربية الأخيرة في جدة من بنود متعددة تتحدث عن السعودية حصرًا ومؤهلاتها ومميزاتها والإشادة بإنجازاتها ومشروعاتها المستقبلية.
وهنا لا ننكر على أحد أو أي دولة أن يكون لها طموحها في الارتقاء والقيادة، طالما لم تكن الرغبة هي الهيمنة، وطالما كانت الوسائل مشروعة ولا تأتي على حساب الآخرين أو على حساب القضايا المشتركة والثوابت، وذلك كقاعدة عامة في النظر والتقييم للسعودية وغيرها من الدول.
ولكن وبما أن المنطقة لها خصوصيتها وتعد بؤرة للصراع الدولي، كما تحوي القضية المركزية الأولى المشتركة والتي لا تسقط بالتقادم رغمًا عن كل المحاولات الأمريكية والصهيونية لتصفيتها وانتزاعها من الوجدان العربي، وتعاون الأغلبية الكاسحة من الأنظمة الرسمية على ذلك، إذًا فمن الواجب تقييم هذه الخطوات وفقًا لمصلحة المنطقة وقضاياها وشعوبها، وكذلك تقييم الخطوات السعودية ومدى صوابيتها في تقدير الموقف الدولي والإقليمي حتى لا يعود التوتر مجددًا وللبناء على ما اعتبره الكثيرون مناخًا ايجابيًا يمكن البناء عليه.
وهنا وباختصار يمكن تناول هذه القضية عبر ثلاثة عناوين، تختص بتناقضات في الممارسة السعودية، وفي الرصد الأمريكي لسلوك المملكة، وفي الفجوة التي نراها واضحة بين الواقع وبين تقدير الموقف السعودي.
وقبل الخوض في ذلك ينبغي ذكر ملاحظة سريعة لأنها موحية وعلى علاقة وثيقة بهذا التقييم، وهي فشل الوساطة السعودية في ملف السودان، بعد انتزاع الوساطة بشكل حصري دونا عن الدول الأخرى وعلى رأسها الدول صاحبة الشأن الأكبر بالقضية مثل دول الجوار وعلى رأسها مصر، وكذلك الدول ذات النفوذ داخل السودان وعلى رأسها الإمارات.
وقد تدرج انتزاع القيادة للوساطة بداية من الدخول باسم الآلية الرباعية مع أمريكا وبريطانيا والإمارات، ثم تم الإعلان بشكل مفاجئ عن وساطة سعودية في جدة برعاية أمريكية.
وقد فشلت هذه الوساطة فشلًا ذريعًا في وقف إطلاق النار وفي حلحلة أي ملف خلافي، وربما موضع العبرة هنا، هو انتزاع القيادة وتهميش المعنيين بالأمر وبالتالي عدم امتلاك الأهلية وافتقاد الكفاءة وتجاهل ابجديات الوساطة وارشاداتها التي نشرتها الأمم المتحدة في كتيبات ارشادية، وعلى رأسها الحياد ومراعاة كافة الأطراف ذات الصلة بالملف الذي يتصدى له الوسيط، وهو ما يجعل من فرص بعض المنظمات المشكلة لعدة دول أو بعض الاليات والصيغ الدولية أكثر نجاحًا من التصدي المنفرد لدولة بعينها.
وهنا يمكننا تناول العناوين بشكل مختصر:
1- تناقض الممارسات السعودية:
رغم الانفتاح على إيران وعودة افتتاح السفارة الإيرانية بالرياض، إلا أن حلحلة القضايا الخلافية لا يوجد تقدم بملفاتها، وربما كان أحدث بيان لمجلس التعاون الخليجي شاهدا، حيث أكد مجلس التعاون الخليجي على “ضرورة التزام إيران بالتعاون الكامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وعدم تجاوز تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية”، مؤكدا “ضرورة مشاركة الدول الخليجية في جميع المفاوضات والمباحثات والاجتماعات الإقليمية والدولية بهذا الشأن”.
وذلك على الرغم من رفض إيران أكثر من مرة بشكل قاطع لأي تدخل خارجي بالملف، وهو ما أكده المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني في مارس الماضي حيث قال إن “طهران تدرك مسؤوليتها والتزاماتها الدولية بشأن برنامجها النووي وتلتزم بتلك المعاهدات، وفيما بتعلق بالاتفاق النووي فإنها تتعاطى مع الجهات المعنية في الأطر التقنية والسياسية الخاصة بهذا الاتفاق”، ولطالما رفضت طهران رسميًا مشاركة أي دول من خارج أطراف الاتفاق الذي خرجت منه أمريكا بشكل منفرد.
ولم يقتصر بيان مجلس التعاون على ذلك، بل أكد المجلس الوزاري، في بيانه، على “مواقف وقرارات مجلس التعاون الثابتة الرافضة لاستمرار احتلال إيران لجزر دولة الإمارات العربية المتحدة الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى”، ودعا إيران للاستجابة لمساعي دولة الإمارات العربية المتحدة لحل القضية عن طريق المفاوضات المباشرة أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية.
وهو ما ترفضه إيران بشكل قاطع، وأخرها أيضا في مارس، عندما أكدت وزارة الخارجية الإيرانية “سيادتها على الجزر الثلاث في الخليج”، وقالت ردا على بيان صادر عن اجتماع وزراء مجلس التعاون الخليجي “تأكيد موقف إيران الدائم، بأن الجزر الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى جزء لا يتجزأ وأبدي من أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية”.
ورغم أن التهدئة والتفاهمات السعودية الإيرانية هي تفاهمات ثنائية ولم يعلن أنها تخص المنطقة، إلا أن السلوك السعودي العام تجاه العدوان على اليمن أو الموقف من العدو الصهيوني لا يشير بتغير في التوجهات السعودية لما يذهب اليه البعض بأنه تطور باتجاه التضامن العربي أو نصرة قضايا المنطقة.
2- الرصد الأمريكي لسلوك المملكة:
من مجمل مراكز الفكر الأمريكية واستخلاصات كبار الخبراء الأمريكيين، يمكن رصد الرؤية الأمريكية لسياسات المملكة وحدودها، وحصرها في الرغبة في قيادة المنطقة وتنفيذ طموحات محمد بن سلمان، وربما هذه الرؤية بلورها بشكل دقيق، جوناثان بانيكوف، مدير مبادرة سكوكروفت الأمنية للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي وضابط سابق بالمخابرات الأمريكية ومتخصص في الشرق الأوسط.
ويقول جوناثان إنه في كثير من الأحيان تقلل البلدان أو تنسى أن السياسات الخارجية للبلدان هي مجرد انعكاس للأولويات والسياسات المحلية، والمملكة العربية السعودية أولوياتها الخارجية اليوم ليست أكثر من مجرد ظل لسياستها الداخلية، حيث إن الهدف الأساسي الوحيد للمسؤولين السعوديين هو خلق اقتصاد متنوع نابض بالحياة، في وقت قياسي، لضمان ثروة المملكة وهيمنتها الإقليمية بعد فترة طويلة من أن تراجع النفط كمصدر الطاقة المهيمن في العالم.
ويضيف أن المسؤولين السعوديين يدركون أن تمويل رؤية 2030 ممكن فقط إذا ظلت أسعار النفط مرتفعة. ومن هنا جاء قرارهم بخفض إنتاج النفط مرة أخرى مؤخرا ومن غير المرجح أن تتفاوض الرياض مع الولايات المتحدة بشأن العلاقة التجارية التكافلية للمملكة العربية السعودية مع الصين، بالنظر إلى أن الصين لا تزال أكبر مستورد للنفط الخام السعودي. مضيفًا أنه في الوقت نفسه لا تحظى رؤية 2030 بأي فرصة للنجاح الفوري أو المستدام إذا كانت المملكة تفتقر إلى الأمن المادي المطلوب لتكون مركزًا تجاريًا إقليميًا وعالميًا، ومكانًا آمنًا للاستثمار الأجنبي، ووجهة سياحية وترفيهية ورياضية. يتطلب ذلك مستوى كافياً من الأمن، مدعوماً بأسلحة وتقنيات دفاعية يمكنها حماية الأجواء فوق المملكة العربية السعودية وشعبها وبنيتها التحتية على الأرض.
وهنا يفسر جوناثان سعي المملكة للتوجه إلى الصين كعامل اقتصادي بحت، وكذلك يفسر سياسة “صفر مشاكل” مع إيران والعدو الصهيوني ومحاولة تهيئة اجواء مستقرة لتنفيذ السعودية لطموحاتها.
وقد صدرت توصيات لإدارة بايدن بأنه من مصلحة الولايات المتحدة تحقيق الاستقرار في المجالات التقليدية للعلاقات والدفاع والنفط؛ لمواصلة تطوير الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار (PGII) كبديل حقيقي لمبادرة الحزام والطريق الصينية؛ لإحراز تقدم في التكنولوجيا وقضايا الإنترنت؛ لتوسيع فرص الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد؛ للنهوض بهيكلية دفاعية متكاملة في المنطقة؛ وأن تقوم المملكة العربية السعودية في نهاية المطاف بتطبيع العلاقات مع “إسرائيل”.
3- الفجوة بين الواقع والتقدير السعودي للموقف:
تفيد الشواهد وتصريحات كبار المحللين السعوديين بأن القراءة السعودية للموقف ربما تقوم على أنه من المبكر الحديث عن وجود عالم متعدد الأقطاب، ولكن هناك قوى صاعدة ينبغي التعامل معها، وأن بإمكان السعودية اتباع سياسات مشابهة لحركة عدم الانحياز للتفرغ لتنفيذ طموحات المملكة وقيادة المنطقة.
بينما واقع الصراع الدولي يقول إن هناك معركة صفرية بين روسيا وأمريكا تحديدًا وتتطور بمسار خطير لتكسير العظام، وإن عدم الانحياز يشترط امتلاك أيدلوجية ولا يقوم على المناورات ومسك العصا من المنتصف وارضاء جميع الأطراف، كما يفوت هذا التقييم انه تم تدشين عالم متعدد الأقطاب بالفعل، ويمكن هنا فقط رصد ما أعلنه رئيس هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة الأمريكية، مارك ميلي، حيث قال إن “هناك 3 دول عظمى في العالم في الوقت الحالي”، مشيرا إلى أنها “الولايات المتحدة وروسيا والصين”.
وقال ميلي، خلال حفل التخرج في جامعة الدفاع الوطني “اليوم نحن في وضع متعدد الأقطاب مع ما لا يقل عن ثلاث دول عظمى، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين”، مشيرا إلى أن “العديد من الدول الأخرى تحتل المواقع الرائدة في مختلف المناطق وتطمح بشكل علني إلى الدور الرائد في العالم”.
وهنا تصبح قيادة المنطقة بمنطق الإقصاء وتجاهل القضايا المركزية ووجود عدو صهيوني ومحور للمقاومة، وقوى أخرى تمتلك مؤهلات القيادة ولكنها كامنة لظروف مؤقتة، هي مجازفة ومغامرة كبرى قد تنطوي على توترات ومخاطر.
* المصدر: موقع العهد الاخباري
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر