السياسية:

بينما توجه أنتوني بلينكين، وزير الخارجية الأمريكي، إلى الرياض لمناقشة عملية تطبيع العلاقات بين السعودية والكيان الصهيوني مع كبار المسؤولين السعوديين، تظهر نتائج التطورات أن هناك طريقًا طويلاً لتحقيق هذا المشروع المشين.

يعتزم محمد بن سلمان، ولي عهد السعودية، تماشياً مع السياسات الإصلاحية وتنويع الموارد المحلية، تطوير البرنامج النووي للبلاد، لكن السعوديين يواجهون تحديات خطيرة في هذا الطريق.

على الرغم من أن الطاقة النووية السلمية هي أحد الأسس الرئيسية لتنمية وتقدم الدول في مجالات إنتاج الكهرباء والزراعة والطب، إلا أن الغربيين والكيان الصهيوني لا يسمحون لدول أخرى بتحقيق هذه القدرة.

إن الكيان الصهيوني، الذي يعتبر صعود الدول العربية تهديدًا خطيرًا لمصالحه في المنطقة، يعارض بشدة هذه السياسة السعودية. وفي هذا الصدد، قال وزير الطاقة الإسرائيلي يسرائيل كاتس يوم الثلاثاء الماضي حول إمكانية برنامج نووي مدني للسعودية، إن “إسرائيل لا تشجع مثل هذه الأمور، ولا أعتقد أن تل أبيب ستوافق على مثل هذه القضايا”.

يأتي الموقف المعارض لهذا المسؤول الصهيوني من تحوُّل السعودية إلى دولة نووية، فيما زعمت صحيفة نيويورك تايمز أن البرنامج النووي السعودي هو أحد شروط الرياض لتوقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، لكن السلطات السعودية أو الأمريكية لم تؤكد هذا الأمر رسميًا.

وحسب هذا التقرير، أعلن الكيان الصهيوني الأسبوع الماضي أنه يتوقع من واشنطن التشاور معه، بشأن أي اتفاق بين الولايات المتحدة والسعودية يمس بأمنه الداخلي. كما نقلت صحيفة “هآرتس” عن مصادر صهيونية قولها، إن تل أبيب رفضت شرطي الرياض لتطبيع العلاقات، وهما “الحصول على أسلحة أمريكية متطورة، والموافقة الأمريكية على البرنامج النووي المدني السعودي”.

إن نوعية مواقف السلطات الصهيونية تجاه عرب التسوية، تدل على أن هذا الكيان لم يسع أبدًا لتأمين المصالح العبرية العربية المشتركة من عملية التطبيع، وهذه الاتفاقات هي لصالح تل أبيب فقط، ولا يزال الصهاينة مصممين على الحفاظ على تفوقهم الاستراتيجي، ويعتبرون ظهور قوة الدول العربية كتهديد وجودي ضد مصالحهم.

عبّر الكيان الإسرائيلي تاريخياً عن معارضته القوية لتعزيز القدرة الهجومية لأي دولة عربية، وقد تابعت هذه السياسة جميع الحكومات الصهيونية من اليسار إلى اليمين على مدى السنوات الـ 75 الماضية.

وفي السابق، على الرغم من الوعود المختلفة للإمارات العربية المتحدة لقاء التطبيع، تراجع مسؤولو تل أبيب أخيرًا بعد صفقة 2019، وعارضوا بيع طائرات مقاتلة أمريكية من طراز F-35 إلى أبو ظبي، وفي النهاية أوقفت واشنطن بيع هذا النوع من الأسلحة المتطورة بسبب حساسيات تل أبيب.

كان الصهاينة قلقين من أن بيع طائرات F-35 للإمارات قد يدفع دولًا عربيةً أخرى إلى أن تحذو حذوها، وازدياد القوة العسكرية العربية يعتبر تهديداً للأراضي المحتلة.

رؤية السعودية للتحول إلى دولة نووية

السعودية التي لديها موارد معدنية وأحفورية قليلة، اتجهت إلى تطوير الطاقات البديلة من أجل تلبية احتياجاتها في المستقبل، وفي السنوات الأخيرة كانت مسألة الطاقة النووية على جدول أعمال السلطات السعودية. لذلك، تقوم السلطات السعودية بتقييم العطاءات لبناء مفاعلاتها، ومن بين المشاركين شركات من الصين وفرنسا وروسيا وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

كما تعمل الرياض عن كثب مع خبراء من الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتنفيذ القواعد اللازمة لبدء برنامجها. وقامت هذه الدولة ببناء أول مفاعل أبحاث منخفض الطاقة، لكنها لا تستطيع بدء التشغيل حتى يتم تطبيق الضمانات.

بدأت السعودية خطواتها الأولى في مجال الطاقة النووية والاعتماد على اليورانيوم، عندما أعلنت في عام 2019 أن برنامجها للطاقة النووية سيبدأ بمفاعلين بطاقة إجمالية من 3 إلى 4 جيجاوات، ومن ثم ستقوم بتقييم إمكانية تطوير قطاع الطاقة النووية لديها بناءً على احتياجاتها. وفي مارس 2022، قال وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان إن بلاده ستنفذ برنامجها النووي بكادرها الوطني.

السعودية لديها حاجة متزايدة لمحطات الطاقة، ولكن السبب الرئيسي لهذا البلد للتوجه نحو بناء محطات الطاقة النووية، هو القضايا الأمنية وتعزيز مكانتها في المنطقة.

في العقدين الماضيين، بذلت السعودية جهودًا لتحقيق برنامج نووي سلمي، وفي عام 2012 أبرموا اتفاقيات مع الصينيين لتطوير برنامج للطاقة النووية وبناء مفاعلات، والتي بموجبها سيتم بناء 16 مفاعلًا في السعودية بحلول عام 2030.

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة أعاقت هذا المسار، ولم يتم إحراز أي تقدم كبير في هذا المجال، إلا أن السعوديين يتابعون بجدية هذه القضية، وفي حرب أوكرانيا أظهروا أنهم لا يطيعون الأمريكيين كما في الماضي.

لأن ابن سلمان يحاول تحويل السعودية إلى دولة رائدة في مجال الصناعة والطاقة بحلول عام 2030، وهو يركز بشدة على هذه المشاريع. ويحتاج بناء مدينة “نيوم”، التي يفترض بناؤها بتكلفة 500 مليار دولار، إلى طاقة متجددة وحديثة لمواصلة أنشطتها.

قلق تل أبيب من تحوُّل السعودية إلى دولة نووية

سبق أن التزمت السلطات الصهيونية الصمت حيال محاولة الإمارات بناء محطة للطاقة النووية من أجل عدم الإضرار باتفاقيات “أبراهام”، لكن يبدو أن الصهاينة قلقون للغاية من تطور البرنامج النووي السعودي مقارنةً بالدول العربية الأخرى.

وعلى الرغم من أن السلطات الصهيونية تدعم ابن سلمان لتولي العرش في أسرع وقت ممكن وزيادة التعاون السياسي والاقتصادي الثنائي، إلا أنها من ناحية أخرى قلقة على طموحاته.

يحاول ابن سلمان قيادة السعودية نحو التقدم والتنمية، ويخشى الصهاينة من أن ولي العهد السعودي الطموح يمكن ألا يكتفي بالبرنامج النووي السلمي ويتجه نحو بناء أسلحة نووية، وهذا تهديد خطير للكيان.

لأن ابن سلمان، في عام 2018، قال لأول مرة علنًا وصراحةً إنه إذا حققت إيران قدرةً نوويةً عسكريةً، فستحقق السعودية أيضًا قدرةً مماثلةً دون تأخير، ومنذ ذلك الحين عارض بعض المسؤولين والخبراء الأمريكيين في المجال العسكري بشدة تحوُّل السعودية إلى دولة نووية، وأعربوا عن قلقهم من تطوير هذا البلد لأسلحة نووية، وطلبوا من مسؤولي واشنطن عدم مساعدة حليفهم في هذا البرنامج.

واشتدت المخاوف عندما زعمت بعض المصادر قبل بضع سنوات، أن السعودية تخطط لشراء أسلحة نووية من باكستان مقابل النفط. بل وادعت، نقلاً عن صور الأقمار الصناعية، أن السعوديين بنوا صومعةً تحت الأرض تحتوي على العديد من الأسلحة ذات الرؤوس النووية الخاصة بباكستان، وهو ما نفاه مسؤولو إسلام أباد.

على الرغم من أن الكيان الإسرائيلي والسعودية قد أخرجا ​​منذ فترة طويلة علاقاتهما السرية إلى العلن، بل أطلقا تعاونًا أمنيًا مشتركًا في مختلف القضايا الإقليمية، لكن من منظور أوسع، فإن الكيان الصهيوني، الممتلك الوحيد للأسلحة النووية في غرب آسيا، لا يتسامح مع التسلح النووي للدول الإسلامية بأي شكل من الأشكال، لأنه يريد الحفاظ على التوازن في هذا المجال لصالحه. ولذلك، فإن تطوير البرنامج النووي السعودي، سيكون مشكلةً خطيرةً للكيان الصهيوني.

وحسب الخبراء، فإن إضفاء الشرعية على قدرة السعودية على تخصيب اليورانيوم، حتى لو تم الصمت حيال ذلك، قد يدفع دولًا أخرى في المنطقة، مثل الأردن ومصر وتركيا، إلى التحرك نحو امتلاك هذه القدرة، وهذا سيكون خطراً على أمن الصهاينة.

تطبيع العلاقات في غيبوبة!

بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، يكافح منذ ثلاث سنوات لدفع السعودية نحو تطبيع العلاقات مع هذا الكيان، لكنه غير مستعد لتقديم تنازلات إلى الجانب السعودي مقابل هذه التسوية.

حاولت سلطات الرياض استخدام عملية التطبيع على الأقل للاستفادة من تقنيات الكيان الصهيوني لتقوية بنيتها التحتية الاقتصادية والطاقة، لكن تل أبيب وضعت حجرًا كبيرًا في طريق السعوديين.

وبالنظر إلى أن السعوديين مصممون على تطوير برنامجهم النووي، فإن معارضة الكيان الصهيوني لهذا المشروع ستضع سلطات الرياض على طريق صعب، وربما يقطع ابن سلمان الصداقة مع تل أبيب لصالح تأمين المصالح الوطنية، ويتجه نحو التعاون مع روسيا والصين لبدء أنشطة نووية بمساعدة هذه الدول. حتى إيران قالت أيضًا إنها مستعدة للمساعدة في تطوير البرنامج النووي السلمي للسعودية.

في العام الماضي، عزز السعوديون علاقاتهم مع الصين وروسيا وإيران، ويتخذون خطوات موازية لسياسات الغرب، ويمكن أن يخفف هذا الأمر من ضغط واشنطن على الرياض للانضمام إلى مسار تطبيع العلاقات. لأن الصين وروسيا، على عكس الولايات المتحدة، لا تعتبران التطبيع شرطًا للتعاون مع السعودية، وغير مهتمتين بحالة الكيان الصهيوني في المنطقة.

هذا بينما تحاول الولايات المتحدة استكمال عملية تطبيع العلاقات السعودية الإسرائيلية بنهاية عام 2023 وقبل بدء الانتخابات التمهيدية في هذا البلد، لكن الخلافات في الرأي حول القضايا الرئيسية تشكل تحديًا خطيرًا لهذا المشروع.

كما أعلنت وسائل الإعلام الصهيونية، أنه لا يوجد أفق واضح لإحراز تقدم فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين تل أبيب والرياض، ولا يتوقع أن يحدث ذلك حتى نهاية عام 2023.

بشكل عام، يمكن القول إنه على الرغم من أن السعودية تسعى إلى تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، إلا أن لها شروطها المسبقة الخاصة بـ “التجهيز بأسلحة متطورة وتطوير البرنامج النووي”. وفي الوقت الحالي، ليس لدى الأمريكيين الإرادة للموافقة على شروط السعوديين، ولا لدى الكيان الصهيوني الرغبة في تقديم المزيد من التنازلات للسعودية.

لذلك، علينا الانتظار هل سيتخلى ابن سلمان أخيرًا عن التطبيع، أم سيستمر في اللعب مع الصهاينة العنيدين حتى يحصل على التنازلات التي يريدها؟

* المصدر: موقع الوقت التحليلي

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من المصدر وليس بالضرورة أن تعبر عن رأي الموقع